عمان تسعى إلى تحقيق شىء من النجاح وتراهن على حضورواسع للقادة العرب عدوانية نيتانياهو وغرور ترامب يستوجبان رؤية عربية مغايرة تلوح بالعصا مقابل التلويح الدائم بالجزرة
يحتضن منتجع البحر الميت الجميل والهادئ، القمة العربية العادية الثامنة والعشرين يوم الأربعاء المقبل برئاسة العاهل الأردنى الملك عبد الله الثانى، وسط توقعات بمشاركة عالية من قبل القادة العرب، وإن كان بعضهم لن يتمكن من الحضور بفعل أوضاعهم الصحية، لكنهم سيبعثون بمسئولين رفيعى المستوى لتمثيلهم، ما سيجعل هذه القمة أكثر حيوية من القمة السابعة والعشرين، التى امتنع معظم القادة العرب عن المشاركة فيها لسبب أو لآخر، على الرغم مما وفرته موريتانيا ورئيسها محمد ولد عبد العزيز، من كل مقومات الاستضافة سواء لوجستيا أم أمنيا لإنجاحها، ويحاول الأردنيون فى هذه القمة - التى أبدى أحمد أبو الغيط الأمين العام للجامعة العربية لدى زيارته لعمان يومى الأحد والاثنين الماضيين - ارتياحا لتحضيراتها - استعادة أجواء قمة الوفاق والاتفاق التى عقدت فى عمان قبل عقدين، على أمل أن يتحقق للقمة المقبلة شيء من نجاح قمة ال87 19 التى عقدت فى أجواء من الانقسام والتشتت فى الموقف العربي، وذلك فى ظل تباين المعطيات والظروف المحيطة بقمة البحر الميت، والتى تتسم بقدر كبير من التعقيد والتشابك فضلا عن طبيعة الأزمات الملتهبة فى المنطقة، التى تختلف بنسبة مائة فى المائة عن أزمات وتعقيدات القمة السابقة، ما يستوجب تغييرا فى آليات التعامل وحتى منهج قراءة هذه الظروف والمعطيات، فعلى سبيل المثال فإن دبلوماسية "بوس اللحى" التى كان ينتهجها القادة العرب لحل خلافاتهم، لم تعد تشكل وصفة سحرية لمعالجة حالات التردى المتفاقمة والتى تستشرى فى الساحة العربية من المحيط إلى الخليج،، فضلًا عن أنها لم تعد تحظى بالمصداقية لدى رأى عام عربى، بات أكثر وعيا واتساعا فى الأفق مع انتشار الثورة المعلوماتية والإعلامية، على نحو يجعله يتابع دقائق التطورات لحظة بلحظة .
غياب الوسطاء المحايدين وعلى خلاف ما كان عليه الوضع فى القرن الماضى - وفقا لرؤية المحلل السياسى الأردنى تاج الدين عبد الحق - فإن جميع الدول العربية - بلا استثناء- تكاد تكون على نحو أو آخر، منخرطة فى الخلافات، بحيث لم يعد هناك وسطاء محايدون، يمكن التعويل عليهم لتقريب وجهات النظر، أو فرض الحلول، والتأثير على المواقف، ومن ثم فإن غاية المنى – فى ظل هذا الوضع – أن ننتظر من الغنيمة الإياب، وأن ينتظم انعقاد القمم العربية، فى مواعيدها السنوية، حتى لو كان الحضور فيها باهتا، ومتدنيا، أو كان وقتها قصيرا ومختزلا. ومع ذلك -كما يضيف -فإن الأردن الذى يستضيف القمة، لا يملك بحكم تاريخه، ودوره، ومكانه فى أزمات المنطقة ومشكلاتها، إلا المراهنة على النجاح حتى لو كان صعب المنال، والوصول إليه ضربًا من المُحال، فهى تعلم أن لديها معطيات قد لا تتوافر لدى الآخرين وإن كانت منخرطة فى بعض الخلافات العربية، إلا أنها أبقت خيوطا مفتوحة مع الجميع، ومع أن هذه الخيوط سببت إزعاجا للبعض، وعتبا من بعض آخر فإنها ظلت مفيدة لإدامة شىء من التواصل المستدام بين الأضداد.
عودة مقعد سوريا ولكن السؤال هنا هل ستفتح قمة البحر الميت الباب أمام تراجع عربى عن قرار تجميد عضوية سوريا فى الجامعة العربية ومنظماتها، فى ظل بروز تكتل عربى يضم العراق والجزائر ولبنان وإلى حد ما مصر يدعو إلى التراجع عن هذا القرار وهو ما بدا واضحا فى اجتماعات الدورة ال147 لمجلس الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية الذى عقد فى السابع من مارس الحالى، بيد أن المشكلة أن أطراف هذا التكتل ما زالوا يمثلون أقلية مقابل أغلبية الدول العربية خصوصاً دول مجلس التعاون الخليجى مازالت تصر على رفض مثل هذه الخطوة والتى تعد إن اتخذت فى الوقت الحالى نوعا من المكافأة لنظام بشار الأسد الذى قتل أكثر من نصف مليون مواطن سورى وشرد نحو نصف شعبه بين لاجئ بالخارج ونازح بالداخل غير المقعدين وتدمير البنية التحتية لمدن وأرياف بلاده، فى حين أن الداعين لعودة مقعد سوريا إلى الجامعة العربية يرون أن هذه الخطوة، قد تسهم فى رفع منسوب الحل السياسى وإقناع النظام بالقبول بمحدداته وفى هذا السياق يقول أبو الغيط إن هذه المسألة مثارة بالفعل فى كواليس العمل العربى المشترك لكن الوضع العربى غير جاهز لاتخاذ مثل هذه الخطوة أو تناولها فى إطار ثنائى أو ثلاثى أو جماعى وهو ما يجب معه إعطاء هذا الموضوع فرصة، حتى نرى ما الذى يمكن أن يشهده المسرح بشأنه، غير أن وزير الخارجية الأردنى أيمن الصفدى لدى سؤاله أخيرا عن إمكانية دعوة سوريا للقمة المقبلة أكد التزام بلاده بقرارات الجامعة العربية بهذا الشأن، وهى إجابة تؤشر إلى أن الأردن لايرغب فى أن يتبنى موقفا يؤثر على حالة التوافق المطلوبة لإنجاح القمة .
قمة قريبة من الكيان وقمة البحر الميت بحكم قربها من فلسطين والكيان الصهيونى والأخير لن يبعد سوى بضعة كيلومترات عن القاعات التى تعقد فيها بداية من الاجتماعات التحضيرية التى بدأت يوم الخميس الماضى، وصولا إلى جلسات القادة يوم الأربعاء المقبل ستكون مطالبة بأن تقدم مقاربة مغايرة للقضية الفلسطينية تراعى المتغيرات والتطورات الخطيرة، التى ألمت بها خلال الأشهر القليلة الماضية بالذات مع وصول دونالد ترامب إلى سدة حكم الولاياتالمتحدة، الذى أبدى انحيازا أكثر سفورا من أى إدارة سابقة للنزوع العدوانى لحكومة بينامين نيتانياهو، حتى يشعر الطرفان الأمريكى والصهيونى بأن ثمة رفضا عربيا قويا لتوجهاتهما، التى ترمى إلى نزع المرجعيات الرئيسية التى تتكئ عليها منهجية الحل المطلوب لهذه القضية، وفى مقدمتها مبدأ حل الدولتين ومبادرة السلام العربية وقرارات الشرعية الدولية، التى أصدرها مجلس الأمن والقادة العرب عليهم أن يتخلوا فى إعلان البحر الميت، وبيان القمة عن اللغة المهادنة، التى اتسمت بها القمم السابقة، وذلك من خلال التلويح بالعصا مقابل التلويح الدائم بالجزرة خلال العقود الثلاثة المنصرمة، فقابله الكيان بفتور وتجاهل وشن الكثير من الحروب والاعتداءات على دول عربية وعلى كل من الضفة الغربية وقطاع غزة، بل لم يعلن مطلقا قبوله للمبادرة العربية للسلام، وإن كان نيتانياهو قد طالب أخيرا بتعديلها بما يجعلها متسقة مع يصفه بالمسار الإقليمى للسلام، إلى جانب وضع آليات حقيقية لتوفير الإسناد المالى -بالإضافة إلى السياسى - للشعب الفلسطينى وسلطته الوطنية و، تنفيذ القرارات المهمة بتوفير شبكة أمان مالى من خلال تقديم مائة مليون دولار شهريا للسلطة، غيرأن من يدفع استحقاقه فى هذا الشأن دول محدودة، فضلا عن تجاهل سداد الأنصبة المتفق عليها فى صندوقى دعم الأقصى والقدس، وهو أمر يصل إلى حد وصمة عار فى جبين العرب الذين يقف دعمهم لفلسطين عند حدود بيانات الإدانة وتركه شعبها لقمة سائغة لنيتانياهو وحكومته وجيش احتلاله .
ليبيا والرباعية الدولية ويبدو أن ثمة توافقا عربيا فيما يتصل بالأزمات العربية الأخرى مثل الأزمة الليبية واليمنية، وحتى الأوضاع فى العراق، والذى يخوض حربا شرسة ضد تنظيم داعش فى الموصل، وبالنسبة لليبيا فقد دخل متغير جديد على الخط يتمثل فى المجموعة الدولية الرباعية، التى أسفر أول اجتماع لها بالقاهرة يوم السبت الماضى بمشاركة أحمد أبو الغيط الأمين العام للجامعة العربية بجانب كل من جاكاياكيكويتى الممثل الأعلى للاتحاد الإفريقى إلى ليبيا، وفدريكاموجرينى الممثلة الأعلى للاتحاد الأوروبى للشئون الخارجية والسياسة الأمنية ومارتن كوبلر الممثل الخاص لسكرتير عام الأممالمتحدة إلى ليبيا، عما يمكن وصفه خارطة طريق لإنهاء الأوضاع المتردية فى هذا البلد العربى، والتى سيطرحها أبو الغيط على قمة البحر الميت بالتنسيق مع جهود كل من مصر وتونس والجزائر والتى تتحرك وفق مبادرة تهدف إلى عقد قمة لقادة الدول الثلاث يكون من شأنها دفع الفرقاء الليبيين للانخراط فى توافق وطنى حقيقى، وفى هذا السياق يلفت أبو الغيط النظر وهو يشرح نتائج اجتماع المجموعة الرباعية: لقد تشاورنا حول المستجدات على الساحة الليبية وناشدت المنظمات الأربع جميع الأطراف الليبية ضبط النفس والامتناع عن أى إجراءات تغير الواقع على الأرض ، حيث تم إعادة التأكيد على رفض استخدام الأطراف الليبية للقوة أو التهديد بها، موضحا أنه تم تناول التداعيات الخطيرة واندلاع العنف خصوصا الهجمات المسلحة فى منطقة الهلال النفطى وتم التوافق على إدانتها ودعوة الأطراف بالحفاظ على البنية التحتية لليبيا، كما تم التطرق إلى التطورات الخطيرة، خصوصا الأوضاع المتصاعدة فى العاصمة "طرابلس" مشيرا إلى أنه تم التوافق على أهمية التمسك بوقف إطلاق النار ودعم جهود المجلس الرئاسى لتنفيذ هذا القرار. وأضاف أبو الغيط، أنه جرى أيضا التشاور حول أهمية تكثيف العمل مع دول الجوار الليبى، خصوصا مصر وتونس والجزائر وتكليف فريق العمل الفنى الرباعى المنبثق عن هذا الاجتماع من أجل الاستمرار فى التشاور ومتابعة تنفيذ ما تم الاتفاق عليه .
دافعية جديدة فى اليمن وعلى صعيد الأوضاع فى اليمن، فإنها ستحظى فى القمة المقبلة بدافعية جديدة تتمثل فى إضافة المسار العربى إلى جانب الخليجى والإقليمى والدولى، بالذات على صعيد إعادة التأكيد على أمن واستقرار ووحدة اليمن وسلامة وسيادة أراضيه، ودعم ومساندة الشرعية الدستورية متمثلة فى الرئيس عبد ربه منصور هادى رئيس الجمهورية اليمنية، وأن الحل السلمى فى اليمن يستند إلى المرجعيات الثلاث المتفق عليها، والمتمثلة فى المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطنى الشامل وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة خاصة القرار رقم 2216. ومن المتوقع أن يعلن القادة العرب رفضهم القوى للإجراءات الأحادية الجانب التى يقدم عليها الإنقلابيون، ومنها تشكيل ما يسمى بالمجلس السياسى والحكومة غير الشرعية ورفضهم المستمر لإجراءات بناء الثقة، وعدم إطلاق سراح المعتقلين وعرقلة جهود المبعوث الدولى بما فى ذلك عرقلة اجتماعات التهدئة، وغيرها من الإجراءات غير الشرعية التى تقوض العملية السلمية وتفاقم من معاناة الشعب اليمني، فضلا عن الوقوف بحزم ضد جميع الانتهاكات التى ترتكبها القوى الإنقلابية بحق النسيج المجتمعى اليمنى من اغتيالات، واعتقالات وتجنيد قسرى للأطفال للزج بهم فى ميادين القتال وحصار للمدن وتفجير للمساكن ودور العبادة، ومنع تدفق الاحتياجات الإنسانية للمحتاجين والمحاصرين وزرع الألغام وعمليات التهجير القسرى للسكان، وبيع المواد الإغاثية ونهب الأموال من البنوك وصناديق المتقاعدين وتسخير ذلك لاستمرار الحرب والدمار، والإصرار على استمرار العمليات العسكرية داخل اليمن وعبر الحدود وتهديد حركة النقل والملاحة فى الممرات والمياه الإقليمية والدولية، وغيرها من الممارسات التى ترقى إلى مصاف جرائم الحرب التى يعاقب عليها القانون الدولى .
دعم العراق والمؤكد أن العراق سيحصل على رصيد معنوى كبير من قمة البحر الميت بالذات فى مواجهة متطلبات مرحلة ما بعد داعش، وذلك فى ضوء التقارب مع السعودية والذى جسدته زيارة وزير خارجيتها عادل الجبير إلى بغداد فى شهر فبراير الماضى،التى أنهت فصلا من الفتور فى العلاقات وأسست لمرحلة مختلفة، تقوم على التنسيق فى محاربة الإرهاب وفتح المعابر الحدودية، فضلا عن تعزيز التعاون الاقتصادى، ولعل الزيارة التى قام بها أحمد أبو الغيط إلى بغداد يومى الثلاثاء والأربعاء الماضين، جسدت تمهيدا إيجابيا لمواقف القمة المقبلة تجاه العراق، فقد عبّر خلالها للقيادات العراقية - وفى مقدمتهم رئيس الجمهورية محمد فؤاد معصوم ورئيس الوزراء حيدر العبادى ورئيس مجلس النواب سليم الجبورى -عن دعم الجامعة العربية للشعب والحكومة فى هذه المعركة التى يخوضها بلدهم فى مواجهة قوى القتل والظلام، مؤكداً أن التضحيات التى يُقدمها العراق فى ميدان المعركة لا تُسهم فقط فى تأمين هذا البلد، وإنما فى تأمين المنطقة بأسرها عبر القضاء على تنظيم داعش وحصار عناصره واستئصال شأفته من المنطقة.
تمدد الإرهاب أفقيا ورأسيا والمؤكد أن محاربة الإرهاب ستكون ضمن القضايا المحورية لقمة البحر الميت وسيتم الاتفاق فيها على آليات جديدة وسبل أكثر فاعلية ونجاعة فى مواجهة المخاطر التى نجمت عن التمدد الذى شهدته التنظيمات الإرهابية أفقيا ورأسيا فى أكثر من قطر عربى وهو أمر يحظى بالتوافق العربى ولن يتطلب مناقشات كثيرة لاسيما أن مخططاته وآلياته متروكة بشكل أساسى لمجلسى وزراء الداخلية والعدل العرب وحققا نجاحا ملحوظا فى هذا الصدد. وستولى القمة العربية أهمية كبرى للتعاطى مع مسألة التدخلات الإيرانية فى الدول العربية، وهو ما أكده أبو الغيط فى عمان أخيرا بقوله: إن هذا الموضوع يحظى باهتمام كبير فى اجتماعات الجامعة العربية سواء على مستوى المندوبين أو الوزراء أو القمة ذاتها، وعلى مدى السنوات الأخيرة كان هناك موقف واضح من القمم العربية والاجتماعات الوزارية وآخرها التى عقدت بالقاهرة يوم 7 مارس الجاري، فكان هناك مطالبة لإيران بأن تتوقف عن تصرفاتها فيما يتعلق بالافتئات على السيادة العربية، فضلا عن أن هناك قرارا فيما يتعلق بالجزر الإماراتية وهو قرار دائم وموجود .
منبر للحوار ووفقا لتأكيدات أيمن الصفدى وزير الخارجية الأردنى فإن بلاده تتطلع لنجاح قمة البحر الميت، ولتكون منبرا لحوار عربى صريح معمق مكثف حول كيفية التعامل مع القضايا والأزمات التى تعصف بالمنطقة، وأيضا حول كيفية تعزيز العمل العربى المشترك بما يضمن القدرة على خدمة مصالح الأمة العربية وتحقيق طموحات الشعوب العربية، مؤكدا أن هناك توافقا وجهدا مشتركا ما بين الأردن والجامعة العربية فى هذا الصدد، حيث يعمل الجانبان بروح شراكة وأخوية وتنسيق متكامل حول كل الخطوات المطلوبة..منوها بأن هذا التعاون والتنسيق ستظهر نتائجه بشكل واضح على النجاح الذى سيتحقق للقمة .