حينما نتحدث عن سيناء (61 ألف كيلو متر) فنحن نتحدث عن المدخل الشمالي الشرقي لمصر, نتحدث عن العقدة التي تلحم إفريقيا بآسيا, وعن حلقة الوصل بين مصر والشام. وحينما نتحدث عن سيناء, فنحن نتحدث عن طريق الحروب التي شنت علي مصر منذ فجر التاريخ, ويضيف العالم العبقري المصري الراحل الدكتور جمال حمدان, أننا لو استطعنا أن نحسب معاملا احصائيا لكثافة الحركة الحربية, فلن نجد في صحاري العالم مثل سيناء, التي حرثتها الغزوات والحملات العسكرية حرثا. يضاف إلي ما تقدم فإن العدو حسبما يري الدكتور جمال حمدان كان يشكك بطريقة ما في مصرية سيناء, ويطمع فيها بصورة ما, أو بالسلخ أو بالعزل أو بغير ذلك (البيع أو الايجار). لكل ما تقدم فإن الرد علي ذلك إنما يكون بالتعمير البشري والتبشير العمراني, فالفراغ العمراني هو وحده الذي يشجع الجشع ويدعو الاطماع الحاقدة إلي ملء الفراغ. لذا فإن هناك إجماعا تاما علي ضرورة نقل الكثافة السكانية المكتظة في الوادي إلي أطراف وحدود الدولة علي أن يعتبر تعمير سيناء هو تمصيرها. ومن جانبنا فإننا كنا قد نشرنا مقالا في جريدة الأهرام صندوق الدنيا للكاتب القدير الأستاذ أحمد بهجت عافاه الله ننبه إلي خطورة الوضع في سيناء والنوبة (الأهرام يوم 5/9/2005) ثم أعاد هو نشر ذات المقالة مرة أخري لأهميتها بتاريخ 15/12/2010 ولم يحرك أحد ساكنا. والآن وبمناسبة التعنت الإسرائيلي في تعديل شروط معاهدة السلام لزيادة الحجم المأساوي للقوات المصرية في سيناء. ومن أجل وضع خطة للدفاع عن سيناء إلي الأبد حتي وأن تم تعديل المعاهدة, فإننا نتقدم باقتراح محدود يتمثل في إقامة عدد 200 قرية زراعية عسكرية في سيناء كمرحلة أولي وإقامة مثلها علي مشارف مدن القناة الثلاث السويسالإسماعيلية بورسعيد. في هذا الصدد نحن نقدم التصور الآتي: تتم إقامة مجموعة من هذه القري علي المحور الشمالي لسيناء بالتوازي مع الساحل, وهذه المنطقة غنية بالآبار وبموارد المياه نسبيا, وإن كان الانجليز في الحرب الأولي قد اضطروا إلي تعزيزها بأنبوب مياه من النيل عبر القناة. إقامة مجموعة أخري علي المحور الجنوبي لسيناء الذي يصل بين زاوية البحر المتوسط (قرب رفح) ورأس خليج السويس. إقامة مجموعة أخري علي محور الوسط, الذي يصل بين زاوية البحر المتوسط وبين منتصف قناة السويس عند بحيرة التمساح. إقامة مجموعة قري عند القنطرة موازية لسهل الطينة الرخو وقرب بالوظة ورمانة والبردويل. ويمكن دراسة زراعة الساحل الشمالي لمصر بالزيتون من العريش إلي الحدود الليبية بعمق 10.5 كيلو (بالاستعانة بالخبرة اليونانية في هذا الشأن) وإقامة مجموعة من القري العسكرية عندها. وفي هذا الشأن نقدم الاقتراح المحدد الآتي: أن يتم إنشاء مجموعة من المدارس الثانوية الزراعية العسكرية. وأيضا إنشاء الكليات الفنية العسكرية الزراعية (علي غرار الكلية الفنية العسكرية الهندسية). ويتم دفع الأفواج من خريجي هذه المدارس والكليات للتوطن في هذه القري. من يتقرر إنهاء فترة تجنيده وخدمته بالقوات المسلحة ويتم تأهيله وتدريبه لهذا الغرض. الفرع الزراعي وفرع الانتاج الحيواني بجهاز الخدمة الوطنية بالقوات المسلحة. أن تقوم وزارة الزراعة ومركز البحوث الزراعية بالتنسيق مع الداخلية والقوات المسلحة بتأهيلهم ودفعهم إلي هذه القري. ويتم التدريب علي أعمال الدفاع عن النفس وعلي الحراسات الأمنية, وتدريبات لمقاومة الغزاة, والتصدي لهم وعرقلة تقدمهم ودحرهم. ومن جانبنا فإننا ندعو المتخصصين في المكاتب الهندسية والزراعية والأمنية والمتخصصين في هذه الأمور من شباب الثورة والائتلافات والأحزاب والجماعات لوضع التصور الأمثل للشكل الهندسي والزراعي والأمني لهذه القري. ولدينا تصور تفصيلي في هذا الشأن يمكننا أن نسهم به في حينه. ونحن لن نقلد في هذا الشأن مستعمرة ياميت التي سبق أن أقامتها إسرائيل في سيناء فترة الاحتلال, ولا تلك التي أقامتها بالقرب من البردويل لتصدير الأسماك. وفي النهاية فإننا نؤكد أن هذه القري الزراعية العسكرية سوف تكون الوسيلة الأكثر جدوي في الدفاع عن سيناء عبر تاريخها القادم إن شاء الله. ولسوف تسهم مع القوات المسلحة المصرية وقوات الأمن المصرية في الدفاع الشط والفعال عن نفسها وعن سيناء. وهكذا في رأينا فإنه لابد وأن تمتزج مشاريع التعمير الزراعي بمشاريع الدفاع عن سيناء وعن مدن القناة الثلاث, وهي بوابات مصر الشمالية الشرقية, بحيث تكون كل وحدة بشرية هي وحدة إنتاج ودفاع معا. وهذا هو ما نطرحه للنقاش الوطني العام ونأمل ألا يستغرق هذا وقتا طويلا. وهذا الاقتراح لا يعرقله إلا من اعتاد توجيه النقد لأي مشروع جديد, والذين تحدث عنهم عميد الأدب العربي د. طه حسين في رائعته شجرة البؤس ووصفهم بأنهم لا يعملون, وتشقي نفوسهم, حينما يرون غيرهم يعمل بينما هم يتكلمون.