إذا كانت مصر ذات أطول تاريخ حضارى فى العالم، فإن سيناء ذات أطول سجل عسكرى معروف فى التاريخ تقريبا. ولو أننا استطعنا أن نحسب معاملا إحصائيا لكثافة الحركة الحربية، فلعلنا لن نجد بين صحارى العرب، وربما صحارى العالم، رقعة كالشقة الساحلية من سيناء حرثتها الغزوات والحملات العسكرية حرثا. لذلك تعتبر سيناء أرض المتناقضات، فمع قلة سكانها وعدم انتشار الزراعة فيها، فإنها كانت من أكثر بقاع العالم تعرضا للهجمات العسكرية منذ بدء التاريخ، فمرد ذلك إلى أنها تقع بين قارتى آسيا وإفريقيا، وبين وادى النيل ودجلة والفرات، أى بين أهم مراكز المَدَنية الأولى فى العالم. واليوم ينفذ مركز دراسات التراث العلمى بجامعة القاهرة، بتكليف من هيئة التنمية السياحية التابعة لوزارة السياحة، مشروعا للسياحة الدينية بمدينة الفرما، وهو مشروع دراسات وأبحاث عن المنطقة بغرض تنميتها سياحيا وجعلها محط أنظار العالم، وتمثل رحلة العائلة المقدسة أحد العناصر الأساسية فى التراث المسيحى، التى يمكن استثمار مساراتها ومزاراتها من خلال العديد من المشروعات السياحية التى يمكن أن تستقطب السائحين من شتى بقاع العالم، فمنطقة الفرما هى احدى المحطات الرئيسية فى مسار العائلة المقدسة، حيث سارت من بيت لحم إلى غزة حتى محمية الرانيق (الفلوسيات) غرب مدينة العريش، لتدخل مصر من الناحية الشمالية جهة الفرما بلوزيوم الواقعة بين العريش وبورسعيد. تقع منطقة بلوز، أو بلوزيوم أو الموقع الأثرى المعروف حاليا باسم تل الفرما، فى محافظة شمال سيناء، على الحدود الإدارية لها بين محافظتى الإسماعيلية وبورسعيد شرق قناة السويس على مسافة 25 كم شرق قناة السويس على طريق القنطرة العريش، على مقربة من ساحل البحر المتوسط ، ومدينة بلوزيوم القديمة تغطى مساحة 3 كم طولا وبعرض 1 كم، وهى من أكبر المواقع الأثرية بشمال سيناء. حيث أنشئت فى عهد الملك زوسر مؤسس الأسرة الثالثة فى عصر الدولة الفرعونية القديمة، والأكثر شهرة فى العصر الرومانى لموقعها الفريد كميناء على البحر المتوسط، كما أنها المدينة التى كانت تقع فى نهاية مصب الفرع البيلوزى القديم للنيل، وعندما غزا الإسكندر الأكبر مصر عام 332 ق .م دخل عن طريق هذا الفرع وتم تطوير المدينة وأطلق عليها اسم بيلوزيوم بسبب كثرة الطمى من خيرات الفرع البيلوزى، وفى العصر القبطى سميت برما، وعندما أصبحت مصر ولاية إسلامية عام 640 م أطلق عليها العرب اسم الفرما، واسمها يعنى (قوة مصر) وتسمى، أيضا، بر آمون (بيت آمون)، وهو الاسم الذى أصبح فى العربية (الفرما)، اسمها فى اليونانية أقل تمجيدا (بيلوزيون) ويعنى المستنقع (الوحل)، حيث تقع فيه قرية بدوية هى بالوظة، وهى أيضا (بيلوزيوس) الإله حسب پلوتارخ. وترجع الأهمية الاستراتيجية للفرما لوقوعها فى ملتقى لثلاثة مفارق طرق مهمة جدا هى: حوض البحر الأبيض المتوسط، ودلتا نهر النيل، والطريق البرى المقبل من آسيا والشرق. أما الأهمية التاريخية للفرما فتأتى من كونها واحدة من نقاط الدفاع المهمة على الجبهة الشرقية فى مصر، وهى الجبهة التى دخلها الهكسوس، وعندما فكر الإسكندر فى تأسيس دولته فى مصر دخلها عن طريق مدينة الفرما، أما عن الدور الثقافى والفكرى لمنطقة الفرما فقد كانت أهم الطرق الذى دخلت منها المسيحية إلى مصر. وهنا تمثل زيارة العائلة المقدسة أهم الأحداث التاريخية التى شهدتها الفرما، على أن الدور الثقافى والفكرى كان له أهمية أكبر عندما لعبت الفرما دورا مهما كأحد المعابر الرئيسية التى دخلت منها المسيحية إلى مصر، وتمثل زيارة العائلة المقدسة أهم الأحداث التاريخية التى شهدتها الفرما. يقول الرحالة اليونانى أبيفانيوس فى القرن التاسع الميلادى إن العائلة المقدسة توقفت فى الفرما، لذلك بنيت كنيسة تذكارا لهذه المناسبة، أما الراهب برنارد، الذى جاء من أنطاكية إلى مصر عن طريق الفرما 1870م. فقد رأى هناك كنيسة باسم السيدة العذراء بجوار مغارتها تذكارا لمرور العائلة المقدسة، كما تذكر المخطوطة 48 بدير المحرق تاريخ قدوم العائلة المقدسة إلى الفرما، وهى أقدم وثيقة تسجل كيفية هروب العائلة المقدسة.