بات فى حكم المؤكد للعيان أن ليبيا ستفوز بالمحطة الثالثة من "ثورة الربيع العربى" بعد ثورتى تونس ومصر، وذلك حيث يرسم سقوط طرابلس فى أيدى الثوار المشاهد الأخيرة . من حكم استمر على مدى 42 عاما، ويسدل الستار على أقدم حاكم على وجه الأرض وأطول سنين حكم لرئيس جمهورى فى التاريخ وحكم العقيد معمر القذافى - المولود فى 7 يونيو 1942 فى سرت - ليبيا وعمره 27 عاما، وهو عقيد سابق في الجيش الليبي قاد إنقلابا عسكريا أسماه ثورة الفاتح من سبتمبر وذلك في الأول من سبتمبر 1969 وأطاح من خلاله بحكم الملك إدريس الأول واستلم سدة الحكم. وصعد القذافي إلى السلطة بعد إنقلاب قام به مع من أسماهم ب(الضباط الأحرار) الذين أنهوا الملكيةن وذلك تيمنا بحركة الضباط الأحرار المصرية التي أطاحت هي الأخرى بالملكية في مصر سنة 1952، ثم أطاحوا بالملك إدريس الأول، ولقب القذافى نفسه ب(قائد الثورة) ونظام حكمه ب(الجماهيرية). والقذافي واحد من القادة العرب الذين أتوا للحكم في النصف الثاني من القرن العشرين في عصر القومية العربية وجلاء الدول الاستعمارية عن الوطن العربي، واتخذ في بادىء الأمر الخط القومي العربي وحاول إعلان الوحدة مع تونس كما حدث بين مصر وسوريا، إلا أن محاولاته جميعها بائت بالفشل الذريع فتحول من مشروعه القومي العربي إلى مشروع أفريقي، وسمى نفسه (ملك ملوك أفريقيا). وقد أثارت أفكار القذافى التي يطرحها الكثير من الجدل والاستهجان من قبل الكثير داخل وخارج ليبيا، خاصة بعد استفراده بالقرار في البلاد لمدة تزيد عن أربعة عقود واتهامه وعائلته بتهم فساد وقمع الحريات العامة لسنين طوال، وذلك بالرغم مما يطرحه من فكر جماهيري بالمشاركة فى السلطة والذي أوجده في السبعينيات من القرن الماضى. وأقام القذافى نظام غريب الأطوار لا نظير له في العالم على الإطلاق، فهو ليس بالنظام الجمهوري أو الملكي، وإنما هو مزيج من أنظمة قديمة وحديثة، فهو يدعي أنه لا يحكم وإنما يقود ويتزعم، ولكن الواقع يشير إلى أنه يكرس كل الصلاحيات والمسئوليات في يديه. وقبل تعرضه لموجه الاحتجاجات العارمة من الشعب الليبى والمعارضة التى أدت إلى انهيار حكمه تعرض القذافي خلال ال42 عاما للكثير من الأزمات، ودخل في العديد من الصراعات مع الدول العربية والغرب. وبدأ حياته السياسية في الحكم راديكاليا وثوريا، وبات مع الوقت مقربا من خصومه السابقين لاسيما مع الدول الغربية التي أصبحت في السنوات الأخيرة من أبرز الشركاء التجاريين والأمنيين للنظام الليبي. وطرح معمر القذافي نظرية سياسية في الحكم تقوم على سلطة الشعب عن طريق الديمقراطية المباشرة من خلال المؤتمرات الشعبية الأساسية كأداة للتشريع، واللجان الشعبية كأداة للتنفيذ، وقدم شرحا وافيا عنها في "الكتاب الأخضر" الذي ألفه عام 1976. ويحتوي "الكتاب الأخضر" أيضا على نظرية تطرح الاشتراكية بصورة لم تظهر من قبل، بالإضافة إلى طرح للركن الاجتماعي لهذه النظرية التي تعرف بالنظرية العالمية الثالثة تمييزا لها عن النظريتين الرأسمالية والماركسية، ووصفها بأنها خلاصة التجارب الإنسانية ومنذ ذلك الوقت تم اعتماد اللون الأخضر لونا رسميا في البلاد. وقدم القذافي من خلال تجربته في العمل السياسي عندما كان طالبا أداة سياسية فريدة من نوعها تعرف ب(اللجان الثورية) ليس من بين أهدافها الوصول إلى السلطة، حيث كان له آراء في القضايا الدولية وقضايا البيئة ومقترحات لحلولها يطرح من خلالها أفكاره لحل ما أسماه ب"مشكلة الشرق الأوسط المزمنة" والتي تتركز حول الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وهي الرؤية التي ضمنها في الكتاب الأبيض (إسراطين). وأورد في الكتاب الأبيض آراء وتصورات لعرب ويهود وساسة من الغرب ومشاريع دولية تزكي وتؤيد الحل الذي يقترحه في الكتاب الأبيض بإقامة دولة واحدة مندمجة للفلسطينيين واليهود، وذلك وفق قراءة ورؤية لجذور المشكلة ومسبباتها وكافة أبعادها. وكان موقع (ويكيليكس) قد نشر تقارير أفادت بأن القذافي يتصدر قائمة أثرياء الزعماء العرب بثروة تقدر ب 131 مليار دولار، وهي ثروة تقارب 6 أضعاف ميزانية ليبيا للعام 2011 البالغة 22 مليار دولار. وتشير التقارير إلى أن معظم استثمارات القذافي في إيطاليا بسبب العلاقة الوثيقة التي تربطه برئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برلسكوني، وهو يمتلك نحو 5 % من كبرى الشركات الإيطالية، كما يمتلك أسهما في نادي (يوفنتوس) وشركة نفط (تام أويل) وشركات تأمين واتصالات وشركات ملابس شهيرة. وتقدر الاحصاءات ثروة القذافي بأنها توازى ما يمكن أن يسد حاجة الوطن العربي الغذائية التي تقدر بين 20 و25 مليار دولار لمدة 3 إلى 4 سنوات.