قال تعالي.. لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم في ما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلي الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون(المائدة: من الآية48). وجاء في الأيتين الكريمتين.. ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين*إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين,(هود118:119), و في الآية الكريمة و من آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم,إن في ذلك لآيات للعالمين( الروم22). هكذا أصل القرآن الكريم لمبدأ الاختلاف والتباين بين البشر والذي تجلي بوضوح في أطوار الحضارة الاسلامية, وبلغ ذروته في أوج ازدهارها و أسفر عن ظهور فقه رشيد و حوار نقدي بناء بين أصحاب الرؤي المختلفة, بينما شهد تراجعا في فترات ضعفها. فالاختلاف بين الناس حقيقة بشرية و دينية لا ينكرها أحد, و بقدر مايمكن أن يكون في هذا الاختلاف من رحمة بل و دافع للبناء و اعمال العقل و الفكر,بقدر المخاطر و موارد التهلكة التي ينضوي عليها الاختلاف إذا ما تحول لحالة ديكتاتورية تقصي الآخر. ومن المعروف أن المجتمع المصري قد عاني علي مدي الشهور القليلة الماضية حالة من اللبس و الضبابية نتيجه لظهور آراء واتجاهات متباينة و متناقضة, ألقت بنا جميعا في خضم دوامات من الخلافات في الرؤي و المنظور و في الحكم علي الأشياء, مما بات يهدد نسيج الأمة و أمنها القومي. من هنا كان اختيار فريق العمل بصفحة دنيا الثقافة في هذه اللحظة الحرجة من تاريخنا أن يكون الملف الثقافي في رمضان هذا العام هو فقة الاختلاف.. أن نتوقف أمام قضية الاختلاف وأبعادها وآداب الاختلاف في الإسلام, وأن نعيد قراءة و تأمل صفحات من تاريخنا مع عدد من مفكرينا المتخصصين في الحضارة الاسلامية, لنتعرف علي اسباب و تاريخ الاختلاف, والمنهج الذي تبناه الفقهاء لاقامة حوار نقدي بين الفرق المختلفة وتحديد اوجه الاختلاف بسبب طبيعة اللغة والنص من جهة والفهم والإدراك من جهة أخري, وبالتالي تأسيس علم أسباب نزول القرآن وعلم أسباب ورود الحديث, والفقه والفلسفة وغيرها من العلوم التي أصلت حقيقة الإسلام الوسطية في التعامل مع الآخر المختلف, وبعده عن الغلو والتطرف والعنف, أو التحيز أو التعصب, وظهور المذاهب الفقهية; كالحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة و المدارس العقدية الكلامية; كالمعتزلة والأشاعرة وأصحاب الحديث والشيعة. نبحث في ملف قديم عن دليل و خريطة طريق لقضية شائكة متجددة, نحاول أن نستلهم من القرآن ومن تراثنا طرقا للحوار و ان نؤسس لثقافة تحترم حق الاختلاف و تدعم الحوار والتعددية لدرء أفات التعصب و العنف والانغلاق وحالات التخوين التي طبعت سلوكياتنا اليومية وباتت تهدد مستقبل الوطن. و أخيرا نرجو من الله أن يوفقنا في مهمتنا و أن نستطيع خلال أسابيع شهر رمضان المعظم أن نعيد للذاكرة قيما أغفلناها أو تناسيناها ليكون خلافنا و حوارنا مستندين علي قيم دينية و أخلاقية راسخة, تثري الفكر و ينهض بها الوطن و.. رمضان كريم.. [email protected]