الفارق...! هناك بلدان كلما جاء ذكر اسمها لدي جماعة المصريين حتي تكاد تسمع تنهيدة طويلة فيها الكثير من الحزن والحسرة حول السؤال: لماذا نجحوا, ولماذا فشلنا؟ وربما كان السؤال خاطئا منذ البداية; ولكن الأهم ما جري من اقتناع عام في مصر بأن دولا مثل ماليزيا وتركيا اللتين بدأتا تطورهما معنا أو بعدنا, إذا بهما تسبقاننا في الصف العالمي. ماليزيا وتركيا صارت لهما مكانة خاصة مؤخرا, وزيارة مهاتير محمد, وجولات أردوغان كثيرا ما تعطي قدرا من التفاؤل أن دولا من المسلمين يمكنها أن تتقدم; ولكن القدر الأكبر يكون تشاؤما حول إمكانية اللحاق بهم. والمسألة علي هذا النحو محبطة, ونادرا ما نأخذ ذلك دافعا إلي البحث في الفارق بيننا وبينهم والذي أدي إلي هذه النتيجة. الحل السهل, والصحيح إلي حد ما, يعود إلي الحكام, ولكن هناك ما هو أكثر. لقد كان عدد سكان ماليزيا في عام1980 أقل من20 مليون نسمة وأصبحوا الآن27 مليونا; أما نحن فارتفع العدد إلي87 مليونا بعد أن كنا40 مليونا. ماليزيا- وكذلك تركيا خلال السنوات العشر الأخيرة- عقدتا العزم علي أن يكونا بلدين بلا صراع مع أحد وفي منطقة يسودها سلام كامل, أما نحن فلم نأخذ عقدا بأكمله حتي جري الجلاء عن طابا بل بقيت القضية الفلسطينية والحروب العراقية, والصراعات الأهلية اللبنانية والسودانية تشغلنا طوال الوقت. هم قبلوا توزيعا للدخل يباعد الشقة بين الأغنياء والفقراء; ونحن كان لدينا إلحاح مستمر علي توزيع كل ما نولده من ثروة. وبمقياس زجينيس فإن ماليزيا مقياسها46 بينما نحن34 ومن ثم كان تراكم الثروة ممكنا وإعادة استثمارها متاحا هناك. ولكن الفارق الأعظم كان أن هذه الدول حسمت أمرها بالنسبة لاقتصاد السوق المنظم الذي يشكل غالبية الاقتصاد مع بقاء البترول والموارد العامة في ملكية الدولة. أو هكذا كانت الحال في ماليزيا التي تحدث عنها مهاتير محمد في الأهرام; وبعدها كان عليه أن يطلق يد الرأسمالية الصينية في بلاده لكي تأخذ بيد البلاد كلها بل حتي يصل المسلمون إلي نفس المكانة. المهم هنا ليس لون القط, وعما إذا كان أسود أو أبيض, من جنس الماليزي أو من عرق الصينيين, المهم أن يكون قادرا علي اصطياد- آسف إنتاج- الثروة. المزيد من أعمدة د.عبد المنعم سعيد