بعد الانخفاض الجديد.. سعر اليورو اليوم الأربعاء 13-8-2025 مقابل الجنيه المصري في البنوك    «حماس» تشيد بالجهود التي تبذلها مصر بقيادة الرئيس السيسي    نتنياهو: أشعر أنني في مهمة تاريخية ترتبط بشدة برؤية "إسرائيل الكبرى" تشمل فلسطين وجزءًا من مصر والأردن    11 لقبًا يُزينون مسيرة حسام البدري التدريبية بعد التتويج مع أهلي طرابلس    صور| الحماية المدنية تنجح في إنقاذ شاب انهار عليه بئر عمقها 10 أمتار بقنا    «كاميرا في أوضة نومها».. تفاصيل التحقيق مع سارة خليفة (نص الاعترافات)    عيار 21 الآن ينخفض بالمصنعية.. أسعار الذهب اليوم الأربعاء 13 أغسطس 2025 بالصاغة    أسعار التفاح والموز والفاكهة في الأسواق اليوم الأربعاء 13 أغسطس 2025    انطلاق معرض أخبار اليوم للتعليم العالي برعاية رئيس الوزراء.. اليوم    محافظ كفر الشيخ يصدر حركة تغييرات لرؤساء المراكز والمدن    3 شهداء جراء استهداف إسرائيلي لمجموعة من الأهالي شمال قطاع غزة    البيت الأبيض: ترامب يسعى لعقد اجتماع ثلاثي يضم بوتين وزيلينسكي    نتنياهو: بموافقة واشنطن أو بدونها كنا سننفذ ضرب إيران.. ولحسن الحظ ترامب متعاطف للغاية    نشرة التوك شو| زيارة تاريخية للرئيس الأوغندي لمصر.. و"موسى" يهاجم مظاهرة أمام السفارة المصرية بدمشق    الموضوع زاد عن حده، أول صدام مباشر بين إدارة الأهلي وريبيرو بسبب أحمد عبد القادر    أحمد شوبير يكشف مفاجأة بِأن تجديد عقد إمام عاشور مع الأهلي    نيوكاسل الإنجليزي يعلن التعاقد مع لاعب ميلان الإيطالي    منتخب 20 سنة يختتم تدريباته لمواجهة المغرب وديًا    مرشحو التحالف الوطني يحسمون مقاعد الفردي للشيوخ بالمنيا    محافظ المنيا يخفض درجات القبول بالثانوي العام والفني للعام الجديد    كسر خط صرف صحي في الإسكندرية.. والشركة تدفع بفرق طوارئ- صور    4 أبراج تفتح لها أبواب الحظ والفرص الذهبية في أغسطس 2025.. تحولات مهنية وعاطفية غير مسبوقة    كنت فاكر إن ده العادي بتاعه، هشام ماجد يروي قصة مباراة حولته من أهلاوي إلى زملكاوي    الشيخ رمضان عبد المعز: سيدنا إبراهيم قدوة في الرجاء وحسن الظن بالله    ما حكم الوضوء لمن يعاني عذرًا دائمًا؟.. أمين الفتوى يجيب    ما حكم ربط الحروف الأولى للأسماء بالرزق؟.. أمين الفتوى يجيب    للحماية من هبوط الدورة الدموية.. أبرز أسباب انخفاض ضغط الدم    ممنوعة في الموجة الحارة.. مشروبات شهيرة تسبب الجفاف (احذر منها)    وزارة الشباب والرياضة: عقوبات رابطة الأندية ضد جماهير الزمالك "قوية"    الفائز بجائزة الدولة التشجيعية ل"البوابة نيوز": نحتاج إلى آليات دعم أوسع وأكثر استدامة خاصة لشباب الفنانين    وزيرا خارجيتي السعودية والأردن يبحثان تطورات الأوضاع في غزة    الدكتور حسين عبد الباسط قائماً بعمل عميد كلية الإعلام وتكنولوجيا الاتصال بجنوب الوادي    «حماس» تشيد بدور مصر الثابت في دعم القضية الفلسطينية    الحماية المدنية بالغربية تسيطر على حريق هائل نشب بسيارة بالمحلة الكبرى    أحمد مجدي: لدي مستحقات متأخرة في غزل المحلة وقد ألجأ للشكوى    ثلاث تغييرات في تشكيل الأهلي ضد فاركو بالجولة الثانية من الدوري    محافظ الجيزة يعلن اليوم المرحلة الثانية لتنسيق القبول بالثانوية العامة 2025    إبراهيم عيسى يٌشكك في نزاهة انتخابات مجلس الشيوخ: مسرحية (فيديو)    6 بنوك تتصدر ترتيب المتعاملين الرئيسيين بالبورصة خلال جلسة منتصف الأسبوع    طريقة عمل شاورما اللحم فى البيت، أحلى وأوفر من الجاهزة    الصحة تشيد بالأطقم الطبية بمستشفيات الشرقية لنجاحها فى إجراء عمليات معقدة    محافظ القليوبية يكرم 3 سائقي لودر لإنقاذ مصنع أحذية من حريق بالخانكة    البنك العربي الأفريقي الدولي يرفع حدود استخدام البطاقات الائتمانية والعملات الأجنبية للسفر والشراء    "الإسكان": منصة إلكترونية/لطلبات مواطني الإيجار القديم    بداية أسبوع من التخبط المادي.. برج الجدي اليوم 13 أغسطس    نقاش محتدم لكن يمكنك إنقاذ الموقف.. حظ برج القوس اليوم 13 أغسطس    سوق مولد العذراء مريم بدير درنكة.. بهجة شعبية تتجدد منذ آلاف السنين    أكرم القصاص: مصر أكبر طرف يدعم القضية الفلسطينية وتقوم بدور الوسيط بتوازن كبير    الزراعة: حملات مكثفة على أسواق اللحوم والدواجن والأسماك بالمحافظات    ترامب يهاجم رئيس "جولدمان ساكس": "توقعاتهم كانت خاطئة"    للمرة الأولى.. كليات الطب البشري وحاسبات ضمن تنسيق المرحلة الثالثة 2025 للنظام القديم «ضوابط الالتحاق»    حبس 5 متهمين اقتحموا العناية المركزة بمستشفى دكرنس واعتدوا على الأطباء    متلبسًا بأسلحة نارية وحشيش.. ضبط تاجر مخدرات في طوخ    إخماد حريق نشب في محول كهرباء تابع لترام الإسكندرية    «الوكالة الذرية»: حريق محدود في محطة زابوريجيا النووية الأوكرانية    وكيل صحة شمال سيناء يعقد اجتماعا لمتابعة خطة تطوير الخدمات الطبية    كيف أستغفر ربنا من الغيبة والنميمة؟.. أمين الفتوى يجيب    الشيخ رمضان عبدالمعز: قبل أن تطلب من الله افعل مثلما فعل إبراهيم عليه السلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بهاء طاهر‏:‏ لا يمكن أن يكون الأديب عظيما ونذلا في آن

إذا رأيت بهاء طاهر ستتساءل عن سر بساطته‏!‏ وإذا قرأت أعماله ستقول‏:‏ ما هذه العذوبة والأسي‏!‏ وإذا التقيته ستندهش من كل هذا الشجن والصدق والمرح‏!‏ في حياته لا يختلف في شئ عن عامة الناس‏,‏ ولا يهتم بتقديم نفسه أبدا‏,‏ وإذا تعرف عليه أحدهم يرتبك من فرط الحياء‏.‏أعماله تقطر حزنا علي المعذبين بأوطانهم‏,‏ وقلوبهم‏,‏ وإشفاقا علي الصادقين من عنت الحياة‏,‏ وانهيار القيم‏..‏
وفي حواراته تري بعينيك‏,‏ وتلمس اتساقه الشخصي مع أعماله‏,‏ وكل ما بشر به من أيام البرنامج الثاني إلي الآن‏.‏
كان مذيعا نابها‏,‏ ومخرجا مخلصا للناس والحقيقة‏,‏ يوقن أنه يشارك بجهده في بناء وطن‏,‏ ونهضة أمة‏..‏
وموظفا أمميا طاف بأنحاء متفرقة من الدنيا‏,‏ خبر الشعوب والأحوال السياسية فاكتسب رؤية أشمل‏..‏
وأديبا اعتصر خلاصة كل هذه الأشياء في مجموعة أعمال فواحة كالروائح الزكية‏,‏ فاحتل مكانة رفيعة بين المبدعين‏,‏ تليق بأعماله‏,‏ وتمدد في قلوب الناس‏,‏ الذين يبادرهم عادة بابتسامته الحميمة‏,‏ فبسطوا له مشاعرهم‏,‏ وبادلوه ودا بود‏,‏ وصدقا بصدق‏.‏
بعض قصصك مثل بالأمس حلمت بك‏,‏ وأنا الملك جئت‏,‏ ومحاورة الجبل‏,‏ تبدو مشاريع روايات نوفيلا فهل تداعيات الفكرة أثناء الكتابة هي التي تفرض النوع‏,‏ أم رغبة إبداعية في الجمع بين القصة والرواية ؟
الموضوع هو الذي يفرض الحجم والنوع‏,‏ وبعض أعمالي بدأتها قصة فانتهت إلي رواية‏,‏ وبعضها العكس‏,‏ ولا أظن أن للكاتب سيطرة كاملة علي الإبداع‏,‏ وضربت المثل كثيرا بروايتي خالتي صفية والدير‏,‏ فالقصة كانت عن المقدس بشاي فقط‏,‏ لكن شخصية صفية توسعت وفرضت نفسها وجعلتها رواية‏,‏ وأظن أن الكاتب العاقل هو الذي يترك شخصياته تنمو بمنطقها هي‏,‏ أما التخطيط المسبق كما كان يفعل أستاذنا الراحل نجيب محفوظ فهو أسلوب مهم جدا‏,‏ وكان يناسب انضباطه في الحياة‏,‏ والملاحم التي قدمها‏,‏ لكني لا أجيده‏,‏ و كل ميسر لما خلق له‏..‏
بالنظر إلي التجارب المتنوعة الغنية التي عشتها طوال حياتك يبدو إنتاجك قليلا جدا‏,‏ فهل معيار المستوي لديك مقدم علي الكم ؟
خير لي أن أكون مقلا من أن أكون مدلسا‏,‏ بعض الأعمال الأدبية يقلبها كاتبها مثل الجوارب‏,‏ وأنا يصيبني الرعب من تكرار أي شخصية أو فكرة في أي عمل لي‏..‏
كيف أمكنك إدراك صوتك الخاص في بداياتك وسط نوابغ جيلكم مع أنك لم تكن متفرغا للأدب‏,‏ لدرجة أن يوسف إدريس قال عنك هذا أديب لا يستعير أصابع غيره ؟
والله لا أعرف‏..‏ ربما كان جيلنا حريصا بشكل عام علي عدم تقليد السابقين‏,‏ ويوسف إدريس قدم أول قصة قصيرة لي في مجلة الكاتب‏,‏ وكان النشر وقتها في غاية الصعوبة‏,‏ فحين تذهب للأستاذ عبدالفتاح الجمل في جريدة المساء تجد أمامه تلا من القصص ويضع قصتك أسفله‏,‏ ويقول هييجي دورها‏,‏ وعمنا يحي حقي كان يقول تكفي قصة واحدة للمبدع في السنة‏,‏ لهذا أظن الجيل الحالي أكثر حظا منا‏,‏ أما تقديم يوسف إدريس لي فكان وساما ومازال‏,‏ فأنا من دراويشه‏,‏ وحبي له كالمريد للقطب‏,‏ وهو غير قابل للتقليد‏,‏ لأن موهبته متوحشة‏.‏
كيف تري اتساق السلوك الشخصي للمبدع ومواقفه السياسية مع كتاباته‏,‏ وهل يحق للرأي العام محاسبته أخلاقيا‏,‏ أم أن الإبداع يغفر له أخطاءه حتي لو كانت علنية ؟
أصعب سؤال‏..‏ أنا ممن يعتقدون إنه لا انفصال بين سلوك المبدع وكتاباته‏,‏ لكن كثيرين غيري قالوا ثمة انفصال‏,‏ وقلت لا يمكن أن يكون الأديب عظيما ونذلا في آن‏,‏ وبعض الموهوبين يعتقدون أن موهبتهم تتيح لهم الحصول علي ما لا يحصل عليه غيرهم‏,‏ وأنا أظن ذلك مشروعا إذا تطوع المجتمع بتقديمه للأديب الموهوب‏,‏ لا أن يطلبه هو‏,‏ ورحم الله يحي حقي الذي رفض الكتابة للأهرام علي ما فيها من مميزات‏,‏ وأصر علي البقاء في التعاون والمساء‏,‏ وهذا كان يتسق مع زهده وتكوينه الشخصي وكتاباته أيضا‏.‏
هل من حق الرأي العام محاسبة الأديب علي سلوكه ومطابقته علي كتاباته ؟
شئنا أم أبينا هو يحاسبه‏,‏ المتنبي مات قبل ألف سنة مثلا؟‏,‏ لكنه مازال يشغل الدنيا والناس‏,‏ ونحن في سنة‏2010‏ نتفق علي شعره‏,‏ ونختلف علي شخصه‏,‏ وهذا يدهشني لأنه مات من قرون بعيدة لكن شعره ما زال حيا‏,‏ وتصرفاته محل جدل‏,‏ وكنت أحب التحدث مع الطيب صالح عن المتنبي‏,‏ وللمصادفة كانت الأبيات التي يحبها هي ذاتها التي أحبها‏,‏ فالمتنبي شاعر عظيم‏.‏
ومتي يحق للكاتب التحدث في الشأن العام‏,‏ وهل يقتصر هذا علي قضايا حرية الإبداع والتعبير‏,‏ أم يمكنه الانحياز لتوجه سياسي ما‏,‏ أم الأفضل تسريب آرائه في أعماله ؟
هذا الأمر متروك لكل كاتب‏,‏ آخر ما قلته أنت عن تسريب الآراء في الأعمال الإبداعية كان نهج العظيم نجيب محفوظ‏,‏ لكن يوسف إدريس كان علي النقيض وانخرط في العمل السياسي منذ شبابه‏,‏ وأنا شخصيا أوافق علي انخراط الكاتب في الشأن العام‏,‏ وأن يكون له موقفا فكريا إلي جانب أعماله الأدبية‏,‏ وكتابي أبناء رفاعة هو شهادتي عن هذا العصر‏.‏
هل يزدهر الأدب في فترات الانحطاط‏,‏ أم ينتكس مثل بقية الأمور‏,‏ أم لا يرتبط بالحالة السياسية ؟
سؤال مهم جدا جدا‏..,‏ فالأدب كان مزدهرا في أوروبا في الحرب العالمية الثانية أثناء انشغالها في قضايا كبري‏,‏ وفي العصر القيصري في روسيا حوكم ديستويفسكي وسجن‏,‏ وهو نفس العصر الذي قدم تولستوي‏,‏ وتورجنيف‏,‏ وتشيكوف‏,‏ ومكسيم جوركي‏,‏ وغيرهم‏,‏ وازدهر الأدب أيضا في أمريكا اللاتينية تحت دكتاتوريات جمهوريات الموز‏,‏ وفي إفريقيا بعد التحرير سوينكا وأتشيبي‏,‏ فيبدو أن القهر حافز للكتابة‏,‏ وإن كان حائلا دون النشر‏,‏ فلا ندري ماذا حذفت الرقابة في العصر القيصري من الأدب الروسي العظيم‏,‏ وأنا صادفت شيئا مثل هذا في روايتي شرق النخيل فقد ظللت ثماني سنوات لا أجد من ينشرها‏,‏ لكن القمع يمثل حافزا للمقاومة‏,‏ لكن السؤال الفلسفي أي قمع هذا الذي يسبب ازدهارا للأدب ؟ إنه ثمن فادح‏,‏ فإذا كان لابد من القمع فبلاش أدب‏!.‏
هل الحزن الذي نحسه في أعمالك حصيلة طبيعية لخبراتك في الحياة‏,‏ أم إنشغال بحال الوطن وهموم الناس‏,‏ أم ميل قديم في تكوينك‏,‏ أو مزيج منهما‏,‏ وهل صحيح أن الوعي يورث الغم ؟
طبعا‏..‏ طبعا‏..‏ وأنا ذكرت في أكثر من سياق أن ظروفي الشخصية لعبت دورا رئيسيا في هذا الحزن‏,‏ فمعظم أفراد أسرتي ماتوا في الأربعينات في وباء الملاريا‏,‏ ثم فقدت أشقائي تباعا‏,‏ بأمراض مستعصية ولم تكن تمر سنوات إلا ويموت أحدهم‏,‏ وأنا الوحيد الباقي من أسرتي‏,‏ وبعض الناس لا يحبون هذا الحزن في أعمالي‏,‏ لكن الدكتور علي الراعي قال ذات مرة ردا علي هذا‏:‏ إن الفن في ذاته فرح‏,‏ وأنا أحب الفرح‏,‏ وأحب قراءة أعمال الراحل الساخر محمد عفيفي‏,‏ وكتابات مارك توين‏,‏ وأول ما أقرأه في جريدة الأخبار أحمد رجب‏,‏ وأحب البهجة والمرح لكن الظروف لم تساعدني علي إظهار هذا الجانب‏,‏ خاصة الأوضاع العامة المحزنة‏.‏
رفضت وجود فكرة علاقة الشرق بالغرب في أعمالك‏,‏ لكن بعض الآراء النقدية تراها واضحة في واحة الغروب و بالأمس حلمت بك و الحب في المنفي وقالت ضحي وقصة الجارة في مجموعتك الأخيرة فكيف تراها أنت كأديب ومواطن عربي ؟
أنا بينت موقفي في مقالتين الأول عن طه حسين في كتاب أبناء رفاعة‏,‏ والثانية بعنوان لماذا يكرهنا الغرب‏,‏ والحكاية ليست حب وكراهية‏,‏ فعلاقتي بالغرب متوازنة فلا أنا من الكارهين له ولا من المنبهرين به‏,‏ المهم أن نعرف من نحن‏,‏ مثل الصين واليابان‏,‏ وكان تصور الغرب لهما ويعاملهما أسوا من العرب الآن‏,‏ ولا أظن أن هناك دولة تحظي بالاحترام الذي تتمتع به الصين واليابان بعدما أصبحتا من القوي الاقتصادية العظمي‏,‏ اليابان الرأسمالية والصين الشيوعية‏,‏ لابد أن نجد طريقا لنا‏,‏ ولا نرد علي اتهام الغرب لنا بنظرات استعلائية جدا مثل نحن أصل الحضارة وما شابه ذلك‏.‏
لماذا تبدو النكسة لدي جيل الستينات جرحا طريا يستعصي علي الإلتئام‏,‏ هل لأنها اكتسحت أحلام جيلكم‏,‏ أم أن ما جري في العقود اللاحقة أخفق في تهدأة آلامها؟
أظن الإجابة في الشق الثاني من سؤالك‏,‏ صحيح كان وقع الصدمة كاسحا‏,‏ لكن لاحت لنا فرصة للشفاء أثناء حرب أكتوبر‏73,‏ لكن التطورات اللاحقة أعادت إحباطات‏67,‏ ففي اللحظة التي ظننا أننا سنقوم‏,‏ أعطوا فرصة للتيارات الظلامية التي قالت لنا أن ما حدث لنا كان بسبب بعدنا عن ربنا‏,‏ والوضع الحالي يجبرنا علي البحث عن مخرج‏,‏ لابد أن نفعل مثل الصين واليابان‏,‏ وسمعت أن مهاتير محمد في بداية عهده جمع كل السياسيين وقال لهم إعطونا فرصة نعمل نهضة علمية ونبني البلد وبعدها إذا سمعتوا إني سرقت اقتلوني‏,‏ فأية نهضة لها أساسيات‏,‏ التنمية الزراعية والصناعية‏,‏ وأن يتكاتف الجميع مثل ماليزيا‏,‏ وبعد تحقيق النهضة فلنختلف كما نريد‏.‏
هل تظن أن الثقافة قادرة علي إحداث تغيير حقيقي في بلدنا‏,‏ أم أن مشاكل السكن والخبز والغاز لها الأولوية ؟
الثقافة ليست فقط قادرة‏,‏ بل هي الشئ الوحيد القادر‏,‏ والثقافة هنا بمعني الفكر السائد في المجتمع‏,‏ مجموع القيم‏,‏ فقيمة مثل النزاهة في اليابان تساوي الحياة نفسها‏,‏ فلو مست نزاهة وزير ياباني مثلا ينتحر فورا‏,‏ ولا أقصد هنا الثقافة بالمعني الضيق مثل المسرح التجريبي فهي لا تفيد بشئ‏,‏ الثقافة الحقيقية هي التي كانت تحصل أيام ثروت عكاشة‏,‏ قوافل الثقافة الجماهيرية‏,‏ وعرض الأفلام التسجيلية المهمة في حياة الناس علي الفلاحين‏,‏ وظني أن كل شيء يبدأ بالثقافة‏,‏ الانتصار يبدأ بالثقافة‏,‏ والانكسار يبدأ بضربها‏..‏
هل تعتقد أن ما حدث لمصر في السبعينيات مثل المناخ الطارد للثقافة‏,‏ وإطلاق اللحي علي القوي التقدمية‏,‏ وما إلي ذلك مصادفة عادية‏,‏ أم مخططا محكما ؟
أنا رأيي أنه كان مخططا بإحكام‏,‏ وعنوان أحد فصول كتابي اسمه الاستغناء عن الثقافة‏,‏ وفيه فصل أساسي عنوانه كيف وصلنا إلي الإخوان‏,‏ وليس صدفة أبدا غلق كل المجلات‏,‏ وإطلاق الوعاظ ليسيطر فكرهم‏,‏ كيف أتت التيارات الظلامية‏,‏ الدين يمكن أن يكون قوة تقدم هائلة في حياتنا‏,‏ كما حدث في تاريخنا‏,‏ لكنه استخدم بشكل غير صحيح في السبعينات‏.‏
كنت من مؤسسي البرنامج الثاني في الإذاعة ضمن فريق ضم سميرة الكيلاني ومحمود مرسي وصلاح عز الدين وفؤاد كامل برئاسة سعد لبيب الذي تصفه عادة بالديمقراطي‏,‏ فما سر نجاح البرنامج الثقافي‏,‏ هل كانت طبيعة المرحلة أم مهاراتكم الفردية والقدرة الجماعية ؟
أعتقد أنها كل هذه العناصر مجتمعة‏,‏ فأنا دخلت البرنامج الثاني بعد شهرين من إنشائه‏,‏ ولم يكن مذكورا علي خريطة البرنامج العام‏,‏ وكان لا يعطي فلوسا ولا يحقق شهرة لأحد‏,‏ وكان الإقدام علي العمل فيه يحتاج لتضحية‏,‏ وسامية الكيلاني مثلا كانت قارئة نشرة في البرنامج العام وكان طه حسين يحب سماع النشرة بصوتها‏,‏ لكنها تركت ذلك وجاءت إلي البرنامج الثاني‏,‏ ولم يكن هناك إغراء سوي حب هؤلاء الناس للثقافة‏,‏ وكان بعضهم يتطوعون للعمل معنا من خارج البرنامج الثاني مثل فاروق شوشة وفاروق خورشيد وعباس أحمد‏,‏ وهذه كانت سنوات بناء السد العالي والمصانع‏,‏ وكان مانفعله شيئا جديدا وغير مسبوق‏,‏ وكان يعطي أملا في المستقبل‏,‏ فلسفة فتحي رضوان رحمة الله عليه‏,‏ وأيضا كان مخططا للبرنامج الثاني أن يطعم البرنامج العام‏,‏ وهذا أمل لم يتحقق لأسباب كثيرة‏,‏ لكن الأمل كان أساس حماسنا جميعا‏,‏ كنا نشعر بأننا نشارك في بناء وطن‏,‏ و نعمل من صباحية ربنا إلي منتصف الليل برضا تام‏,‏ وبراتب‏18‏ جنيها وكان كافيا‏..‏
مقالتك لماذا يكرهنا الغرب كانت أسبق من سؤال الغرب الآن لماذا يكرهنا العرب‏,‏ فما مدي اختلاف الأسباب علي الجانبين‏,‏ وهل زادت كراهيتهم لنا الآن أكثر؟
المسألة ليست كراهية أو حب‏,‏ إنما لماذا يعادينا الغرب أو نعادي الغرب‏,‏ وأعود لأقول فلننظر ماذا فعلت الصين واليابان‏,‏ أما نحن فردودنا عادة في الاتجاه الغلط‏,‏ شوف بلد زي الصومال كل فصيل فيها يدعي إنه الصح‏,‏ وأفغانستان‏,‏ و باكستان‏,‏ أبسط شئ إن الواحد يفجر نفسه ويقتل عشرات‏,‏ ما هذا؟‏,‏ إنظر إلي مثل عظيم هي فيتنام الضعيفة التي حاربت الغزو الأمريكي داخل حدودها هي‏,‏ ولم تذهب لتفجير مانهاتن‏.‏
في نعيك للناقد الراحل فاروق عبدالقادر قلت‏:‏ كان زهرة في بستان الستينيات‏,‏ ولم يحد يوما عن المعايير الموضوعية للنقد‏,‏ ألم تكن هذه سمات جيلكم في كل المجالات وليس الأدب والنقد فقط باستثناءات طفيفة ؟
وإن لم يكن هذا سلوك جيلنا كاملا‏,‏ إلا إنه كان مثلنا الأعلي علي الأقل‏,‏ فاروق عبد القادر كان موضع احترام حتي من أعدائه‏,‏ لذلك كان مثلا أعلي‏,‏ ما كان يقوله يطبقه‏,‏ وما يفعله يقوله‏.‏
بطل قصة بالأمس حلمت بك قال لآن ماري الفتاة الأجنبية‏:‏ أريد أن يكون العالم غير ما هو‏,‏ والناس غير ما هم فهل يمكنك تصور هذا العالم الذي تمناه الراوي؟
عالم جديد شجاع‏,‏ كما كانت تحلم به ماري فيه سعادة وبهجة وعدل‏,‏ وأهم شئ أن يتحقق فيه العدل بالمعني السياسي‏,‏ ويتمتع بكافة الحريات‏.‏
كما أسلفت تطورت خالتي صفية والدير تحت أصابعك من قصة قصيرة إلي رواية‏,‏ فلأي مدي يقود العمل كاتبه‏,‏ أم العكس‏,‏ وهل ينفصل العمل عند مرحلة ما عن إرادة الكاتب وينمو ذاتيا؟
أعتقد أن العمل الأدبي فعلا ينفصل عن إرادة صاحبه عند مرحلة معينة‏,‏ لهذا لم أفلح أبدا في إعداد سيناريو مسبق لأي من أعمالي‏,‏ لأني أحيانا لا أعرف ما هي الجملة التالية‏.‏ فكل ما يشغلني صدق العمل‏.‏
إذا كانت الترجمة خيانة بنظر البعض‏,‏ فلماذا أحب الناس ترجمتك للخيميائي لباولو كويلهو‏,‏ ألا يخلص بعض المترجمين للنص أكثر من صاحبه؟
هذا تفسير جميل جدا‏..,‏ لكني لا أعرف لماذا نجحت هذه الرواية بهذا الشكل الساحق‏,‏ لدرجة إن باولو كويلهو نفسه حين جاء إلي مصر شكرني كثيرا‏,‏ لكنني في ترجمة هذه الرواية راعيت البساطة‏,‏ وقال البعض أنه بها نفس شعري ليس موجودا في الأصل‏,‏ ولي ترجمة أخري لمسرحية فاصل غريب ل جين أونيل وكانت أول كتاب طبع لي في السبعينات‏,‏ وأحرص بقدر الإمكان أن أكون قريبا من روح المؤلف‏.‏
هل يمكن أن تكون الترجمة نصا موازيا للأصل؟
هذه هي الخيانة فعلا‏,‏ فالمترجم لا يجب أن يجمل العمل ولا يسوءه‏,‏ وعليه الالتزام بالأصل لايزيده ولاينقصه‏.‏
في مؤتمر أدبي بمدينة براغ في يونيو الفائت أصدرت بيانا يدين الاعتداءات الإسرائيلية علي سفن أسطول الحرية وتضامن معك‏15‏ كاتبا عالميا فهل هذا من أدوار الأدباء ؟
ذهبت إلي براغ وحالتي الصحية سيئة‏,‏ وكان الاعتداء علي اسطول الحرية وقع قبل السفر‏,‏ ونكد علي‏,‏ وفي براغ عرفت أن نفوذ الصهاينة في شرق أوروبا قوي جدا‏,‏ وغياب العرب قوي جدا أيضا‏,‏ ووجدت الصهاينة في كل التفصيلات‏,‏ وأشقائنا العرب لا وجود لهم‏,‏ وأنا أكبرت السفارة المصرية لأنها أقامت حفل استقبال لوفود المؤتمر‏,‏ وبعدما كتبت البيان تركته في أمانة المؤتمر وفوجئت بتوقيع‏15‏ كاتبا مهما من دول مختلفة ومنها أمريكا‏,‏ واهتمت به صحيفة تشيكية واحدة‏,‏ ولم تهتم به صحيفة عربية واحدة‏,‏ ولم أستطع نشر البيان‏,‏ وكتبت عن الموضوع ثلاث مرات ولم يسألني أحد‏,‏ وأنت أول صحفي يسألني عنه‏,‏ وأنا كما قلت لك مؤمن باهتمام الأديب بالشأن العام‏.‏
في نهاية واحة الغروب فجر محمود عبد الظاهر المعبد بشكل مباغت ومربك‏,‏ فهل يقودنا مثل هؤلاء الممزقون إلي هدم تاريخنا ليتطهروا من إحساسهم بالخزي ؟
‏(‏ضحك وقال ما تقولش كدة عشان الناس تقرا الرواية‏)..‏ هذا حكم نقدي‏,‏ ولا أستطيع أن أجيب علي هذا السؤال‏,‏ وأرجو ألا يكون صحيحا‏,‏ وأظن إن الروايات بشكل عام لا تطرح أحكاما عامة‏,‏ بل نماذج فردية وفي سياق تاريخي محدد‏.‏
دعوت في خالتي صفية والدير إلي السماحة والمحبة بين المسلم والمسيحي‏,‏ فلماذا ينفتح هذا الجرح من آن لآخر؟
أعتقد إن هناك أصابع خارجية وراء الفتنة الطائفية في مصر‏,‏ فنحن نعيش مع بعضنا منذ قرون طويلة‏,‏ والسماحة متبادلة وراسخة بيننا‏,‏ فهل يعقل بين عشية وضحاها أن تتحول إلي عنف وبغضاء إلا إذا كانت هناك أصابع خارجية تحرك الأمور‏,‏ وببساطة شديدة نحن نعرف القوي الخارجية التي يهمها ضرب وحدتنا الوطنية‏,‏ والمؤسف أننا نعيش هذه المشكلة من يوم ليوم‏,‏ ولا نفعل اكثر من تبويس اللحي‏,‏ من دون بحث عن حلول جذرية‏..‏
هل الأدب يمكن أن يكون شريكا في تهدئة الخواطر في مثل هذه القضايا؟
وحده لا‏..‏ ضمن سياسة شاملة ممكن جدا‏.‏
في الحب في المنفي قال إبراهيم‏:‏ هل تعرف كيف صدر الأمر بحرماننا من السعادة فهل تعرف أنت كيف صدر الأمر بسرقة الفرح من الناس ؟
والله لا أعرف‏..‏والله لا أعرف‏..‏ هذه المسألة شغلتني علي مدي حياتي‏,‏ وأخذت متابعات تكاد تكون كونية‏,‏ فهل العولمة الكئيبة هي السبب‏,‏ أو عولمة الكآبة‏,‏ وتعميمها علي العالم لاستمرار أغنياء العالم في استنزاف فقراء العالم‏,‏ وهذه ليست قاصرة علي دول العالم الثالث‏,‏ لأن هناك مظاهرات ضد العولمة في الغرب‏.‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.