السيسي يوافق على ربط موازنة الجهاز المصرى للملكية الفكرية لعام 2025-2026    قمة ألاسكا بين ترامب وبوتين.. حوار مثمر دون اتفاق    هاتفيًا.. وزير الخارجية يبحث الأوضاع الإنسانية في غزة مع وزير خارجية سنغافورة    غلق كلي بشارع 26 يوليو في الاتجاه القادم من كوبري 15 مايو إلى ميدان لبنان لمدة 6 أيام    نائب محافظ سوهاج: جهود رئاسية وراء استكمال مشروع المتحف القومي    معايير عمل لجان حصر وتقييم وحدات الإيجار القديم.. تفاصيل القانون الجديد    عودة الكهرباء بكامل طاقتها إلى إدفو بعد إعادة تشغيل محطة الحصايا (صور)    «السياحة» تبدأ مبكرًا في إجراءات الحج بتوقع عقد الضيافة وخدمة الحجاج بالمشاعر المقدسة    الري: حصاد 315 ألف متر مكعب من مياه الأمطار بجنوب سيناء    محافظ بورسعيد يعلن قبول جميع المتقدمين لمرحلة رياض الأطفال بنسبة 100%    ترامب يكشف أبرز 10 نقاط من قمته مع بوتين    معروف يدير مباراة جامبيا وبوروندي بتصفيات المونديال    سيمينو ينفجر غضبا بسبب العنصرية.. والشرطة تحقق في الحادث    أحمد عاطف قطة: الظروف الصعبة سبب "كارثة" الأولمبياد.. وحزنت لضياع الدوري أكثر من كأس مصر    وفاة منتدب رئيس لجنة بالدور الثاني للثانوية العامة إثر أزمة قلبية حادة بقنا    أمن المنافذ بالداخلية يضبط 84 قضية متنوعة خلال 24 ساعة    تشييع جثمان شاب لقي مصرعه غرقا داخل حمام سباحة ببني سويف    بعد تأجيل الدراسة| الموعد الجديد لبدء العام الدراسي بمدارس الجزائر    «الإحصاء»: ارتفاع عدد سكان مصر بالداخل إلى 108 ملايين نسمة    انطلاق تصفيات أضخم مسابقة قرآنية تلفزيونية فى تاريخ مصر بالتعاون بين وزارة الأوقاف والشركة المتحدة    بالفيديو: عبيدة تطرح كليب «ضحكتك بالدنيا»    إجراء 20 عملية مياه بيضاء في يوم واحد بمستشفى نجع حمادي بقنا    علماء يلتقطون أول صور ثلاثية الأبعاد لزرع جنين داخل الرحم    خلال العطلات الرسمية....صحة الشرقية تنفذ أكثر من 37 ألف زيارة منزلية لتقديم الرعاية الصحية    في صورة انتقال حر.. بيرسي تاو ينتقل إلى نام دينه الفيتنامي    حلول عاجلة لتوصيل مياه الشرب لعدد من المناطق بجنوب بورسعيد    آداب أسيوط تطرح برنامج الترجمة باللغة الفرنسية بنظام الساعات المعتمدة    موعد تقليل الاغتراب لطلاب تنسيق المرحلة الثالثة 2025    تنسيق المرحلة الثالثة 2025 علمي علوم.. قائمة كليات تقبل من 50%    كليات مسار الطب وعلوم الحياة بالبكالوريا بعد التصديق على قانون التعليم    وزير الخارجية ونظيره الألماني يؤكدان ضرورة التوصل لوقف فوري لإطلاق النار في غزة    رابطة الصحفيين أبناء الدقهلية: تصريحات نتنياهو تمثل استفزازًا صارخًا لمشاعر الشعوب العربية والإسلامية    لماذا يُستبعد الموظف من الترقية رغم استحقاقه؟.. 3 حالات يحددها قانون الخدمة المدنية    موقف غير متوقع يختبر صبرك.. حظك اليوم ل مواليد برج الدلو 16 أغسطس    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : ولتكن البداية بميزان العدل والحق!?    يسري جبر: يوضح حكم زيارة قبور أهل البيت والصحابة والدعاء عندها    السبت 16 أغسطس 2025.. أسعار الحديد والأسمنت بالمصانع المحلية اليوم    إخلاء سبيل الشاب عبد الرحمن خالد، مصمم فيديو الترويج للمتحف المصري الكبير بالذكاء الاصطناعي    ذهبيتان وبرونزية لمصر بنهائي السيدات ببطولة العالم للخماسي الحديث تحت 15 عامًا    الصحة: تدريب أطباء الأسنان وتقديم خدمات مجانية ل86 مواطنًا    بعد طرحه بأيام.. فيلم درويش يشعل المنافسة بالموسم السينمائي    محاكمة 6 متهمين في خلية «بولاق أبو العلا» الإرهابية| بعد قليل    إنقاذ سائق وتباع بعد انقلاب سيارتهما أسفل كوبري أكتوبر| صور    أمين الفتوى يوضح حكم من تسبب في موت كلاب بغير قصد وحقيقة طهارتها    فوز 4 من أبناء بني سويف في برلمان الطلائع على مستوى الجمهورية    خالد سليم يلتقي جمهور القلعة اليوم ضمن فعاليات الدورة 33 في هذا الموعد    وفاة والدة صبحي خليل وتشييع جثمانها بعد صلاة الظهر    عمرو وهبة يحتفل بعيد ميلاد ابنه: «الحمد لله عدت بدعوات الناس » (فيديو)    بدائل الثانوية العامة محاصرة بالشكاوى.. أزمات مدارس «ستيم» تثير مخاوف العباقرة    وزارة الأوقاف تحدد 15 نقطة لاستغلال وقت الفراغ والإجازة الصيفية.. اعرفها    مصرع وإصابة 15 شخصًا في حادث تصادم ميكروباص بسيارة نقل بالوادي الجديد    بوتين يدعو كييف والقادة الأوروبيين إلى عدم عرقلة "التقدم الناشئ"    ترامب يغادر ألاسكا بعد قمته مع بوتين    «سر البشاميل الكريمي».. خطوات مضمونة لنجاحه من أول مرة (الخطوات والطريقة)    مفاجآت في قائمة الزمالك لمواجهة المقاولون العرب    بقيادة صلاح.. ليفربول يفوز بصعوبة على بورنموث برباعية في افتتاح البريميرليج    حاكم ألاسكا: لقاء بوتين وترامب يمثل يوما تاريخيا لولايتنا    وزير الأوقاف السابق: إذا سقطت مصر وقع الاستقرار.. وعلينا الدفاع عنها بأرواحنا (فيديو)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تمييز جديد ضد المرأة
نشر في الأهرام اليومي يوم 22 - 02 - 2010

عدت من دولة المغرب الشقيق فجر يوم الأربعاء الماضي لأجد كل من أعرف غاضبا علي قرار الجمعية العمومية لمجلس الدولة‏,‏ يوم الإثنين الماضي‏,‏ برفض تعيين المرأة قاضية‏,‏ وكان الغضب قرين الاستياء القائم علي أشده بين المنظمات الحقوقية المعنية بقضايا المرأة‏. فضلا عن خريجات كليات الحقوق اللائي يمكن لهذا القرار أن يعيقهن عن التعيين في مجلس الدولة‏.‏ وكان من الطبيعي أن يصدر عدد من المنظمات الحقوقية بيانا يدين القرار ويصفه بمخالفة القانون والدستور‏,‏ وأن ينظم عدد من الخريجات والحقوقيين وقفة احتجاجية يوم الخميس الماضي‏,‏ أمام مجلس الدولة‏,‏ احتجاجا علي قرار الجمعية العمومية لمجلس الدولة‏,‏ ووصفت رئيسة المركز لحقوق المرأة القرار بأنه قرار كارثي‏,‏ فيما نقلته صحيفة الدستور‏,‏ وأكدت أن يوم القرار يوم أسود في تاريخ قضية المرأة في مصر‏,‏ وأعلنت أن القرار يخالف نص المادتين‏:40,2.‏ وكان مفتي الجمهورية قد أعلن من قبل أنه لا يوجد في الشريعة الإسلامية مايمنع تعيين المرأة قاضية‏,‏ وكان من الطبيعي أن تتحدث المستشارة تهاني الجبالي‏,‏ رافضة الأمر‏,‏ مذكرة الجميع بالقرار القديم الصادر من المجلس الأعلي للهيئات القضائية‏,‏ قبل تعيينها قاضية بالمحكمة الدستورية العليا‏,‏ وبعدها بثلاث سنوات تم تعيين اثنتين وأربعين قاضية بالقضاء العادي‏,‏ وهو أمر يترتب عليه أنه لا يجوز لأية هيئة من الهيئات القضائية أن تتراجع في مناقشة قرار اتفقت عليه جميع الهيئات القضائية فيما يخص تعيين المرأة في القضاء‏.‏ وكان إرهاق السفر الي المغرب والعودة منها قد حال بيني وحضور اجتماع طارئ للمجلس القومي للمرأة لمناقشة القرار‏,‏ وكم كنت أرغب في الذهاب‏,‏ ولكن إرهاق عدم النوم في رحلة استمرت طوال الليل‏,‏ قد نال مني وعاقني عن الذهاب الي الاجتماع الطارئ‏,‏ ومشاركة غيري من العضوات والأعضاء في الاحتجاج الواجب علي هذا القرار الذي هو تمييز قضائي غير عادل في حق المرأة‏,‏ وما كان ينبغي صدوره بالمخالفة لقرارات هيئات قضائية عليا‏,‏ وما أصبح واقعا فعلا من وجود قاضيات في القضاء العادي‏.‏
وللأسف‏,‏ كنت قادما من المغرب التي أصبحت فيها المرأة قاضية‏,‏ وهي قريبة من تونس التي سمحت بوجود المرأة قاضية‏,‏ ناهيك عن دول عربية أخري‏,‏ سبقناها الي التقدم والاستنارة وتحرير المرأة‏,‏ وسبقتنا في تعيين المرأة قاضية‏,‏ ويحدث هذا الذي حدث في الجمعية العمومية لمجلس الدولة الذي يقع في مصر‏,‏ بلد هدي شعراوي وسيزا نبراوي ونبوية موسي اللائي اشتركن باسم مصر في اجتماع النساء العالمي في روما‏,‏ معلنات تأسيس الاتحاد النسائي المصري سنة‏1923,‏ وكان هذا الاتحاد أول اتحاد للمرأة العربية‏,‏ وذلك بعد أن خلعت هذه المرأة النقاب في روما‏,‏ وأسفرت عن وجهها‏,‏ بعد أن فعلت ذلك في أولي مظاهرات المرأة المصرية سنة‏1919,‏ وكان ذلك بعد عشرين عاما من صدور كتاب قاسم أمين عن تحرير المرأة‏,‏ وبعد ثمانية عشر عاما من صدور كتابه الثاني عن المرأة الجديدة والحق أن المرأة الجديدة أثبتت حضورها مع صعود النهضة المصرية النسائية‏,‏ فأصبحت وزيرة في زمن عبدالناصر‏,‏ ثم في زمن السادات‏,‏ وزاد عدد الوزيرات في عهد مبارك‏,‏ فضلا عن آلاف الاستاذات الجامعيات‏,‏ والطبيبات‏,‏ والمديرات خصوصا بعد ان اصبحت المرأة عالمة ذرة‏,‏ ووصلت الي منصب رئيسة جامعة ونائبة رئيس جامعة وعميدة‏,‏ وأثبتت حضورها الناجح في كل مجال‏,‏ وكان هذا الحضور نعمة علي المجتمع‏,‏ وإسهاما حقيقيا في تطويره‏.‏
ولكن مصر قد ابتليت للأسف ببلاء جماعات التأسلم السياسي التي ساعدتها علي التأثير الضار في المجتمع عوامل عديدة‏,‏ داخلية وخارجية‏,‏ ولذلك تمكنت هذه الجامعات من اختراق المؤسسات التضامنية للمجتمع المدني‏,‏ وبعض مؤسسات الدولة‏,‏ صانعة نوعا خطرا من الردة عن مسار التقدم‏,‏ ولا تزال تعمل علي تدمير كل أوجه التقدم التي أنجزتها المسيرة الطويلة للمرأة‏,‏ والغرض الأساسي هو القضاء علي الدولة المدنية وبناء الدولة الدينية علي أنقاضها‏,‏ وقد عملت هذه الجماعات علي تديين المجتمع‏,‏ أي المبالغة في إقحام الدين في شئون الدنيا‏,‏ تجاهلا لما تعلمناه عن ديننا الحنيف من أننا أدري بشئون دنيانا‏,‏ وأنه من حقنا الاجتهاد في شئون حياتنا التي نعيشها‏,‏ وقد سبقتنا دول مسلمة في هذا الاجتهاد‏,‏ فأصبحت المرأة رئيسة دولة‏,‏ وقاضية‏,‏ بينما نحن الذين سبقنا في ميراثنا الي وجود حاكمة‏(‏ شجرة الدر‏)‏ أكملت دور زوجها في محاربة الغزو الصليبي وانتصرت عليه‏,‏ وقامت حفيداتها بمحاربة المحتل الانجليزي في مصر والفرنسي في الجزائر والمغرب‏,‏ وإذا بحالنا ينقلب منذ الحقبة الساداتية‏,‏ خصوصا بعد ان تحالف السادات مع الإخوان المسلمين‏,‏ وأطلق العنان لجماعات التأسلم السياسي لإضفاء نزعة التديين علي كل شيء‏,‏ وعندما أدرك فداحة الخطأ الذي ارتكبه في حق بلده رائد التقدم العربي‏,‏ كان الوقت قد فات‏,‏ وأردته رصاصات الذين تحالف معهم‏,‏ وتحولت هذه الرصاصات الي تيار أصولي‏,‏ لا يتردد في إرهاب المخالفين بالقتل‏,‏ كما حدث مع اغتيال فرج فودة وغيره‏,‏ ومحاولة اغتيال نجيب محفوظ وأمثاله‏,‏ وأضف الي ذلك محاولة اغتيال العقل المصري كله وقمعه بدعاوي دينية متطرفة لا أصل لها من الدين‏.‏
وكان من الطبيعي أن تنال رصاصات القمع المعنوي من المرأة علي وجه الخصوص‏,‏ ويتم تحريم ما أحله الله لها‏,‏ كما لو كان هناك عداء فطري بين هذه الجماعات المتأسلمة والمرأة‏,‏ فسره البعض‏,‏ تطرفا‏,‏ بأنه نوع من الكبت الجنسي‏,‏ وهو تفسير لا أميل إليه‏,‏ ولكن اللافت أن المرأة علي وجه الخصوص تنهال عليها دعوات التحريم‏,‏ وتمارس ضدها أشكال التمييز‏,‏ فبعد المطالبة بالحجاب وشيوعه‏(‏ مع أن الايمان ما وقر في القلب ولا يختزل في قطعة ثوب‏)‏ جاءت الدعوة الي النقاب الذي انتشر بما يؤكد موقفا رمزيا‏,‏ لا يخلو من طابع أصولي سياسي وديني في آن‏,‏ ورغم تجريم وتحريم منع حقوق المرأة في الميراث‏,‏ فلا يزال هناك من يبارك سلب المرأة ميراثها في الصعيد‏,‏ ومن يصر علي الزعم بأن المرأة ناقصة عقل ودين‏,‏ وأن كل مافيها عورة‏,‏ وأن عملها حرام‏,‏ وأنها تأخذ حق العمل من الرجل‏,‏ وقد كنت‏,‏ ولا أزال‏,‏ أظن أن مجلس الدولة بعيد عن ذلك كله‏,‏ وأنه بمنأي من التطرف‏,‏ وأنه مع حق المرأة العادل‏,‏ ويرفض أي شكل من أشكال التمييز ضدها‏,‏ لكنه بهذا القرار الأخير من الجمعية العمومية‏,‏ أخلف ظن الكثيرين وحرم ما أباحه المفتي وكبار الدين‏,‏ وماجرت عليه دول إسلامية كثيرة‏,‏ وأخذ قرارا لابد من رفضه علي كل مستوي‏,‏ وبالكلمة وبالفعل‏,‏ فمنع المرأة حقها الدستوري في اعتلاء منصة مجلس الدولة قرار يرفضه كل مواطن يؤمن بالمعني الحقيقي الأصيل للمواطنة في الدولة المدنية لا الدولة الدينية التي يسعي اليها البعض‏,‏ ولابد من مواجهة هذا القرار دفاعا عن الدولة المدنية‏,‏ ودفاعا عن حق المرأة في المواطنة‏,‏ ودفاعا عن جوهر الإسلام السمح الذي تريد الأصولية الدينية تشويهه‏.‏

المزيد من مقالات جابر عصفور


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.