في اسئلته المليئة بالمعاني والاشارات, التي كتبها في ضوء ما أسماه بالتمردات العربية, يقول الشاعر الشهير ادونيس: الشمس هي النقطة الاكثر سطوعا في الكون, لماذا مع ذلك, تحجبها غيمة صغيرة بائسة؟ وفي تعليق علي قصور اللغة, او علي قصورنا في توظيفها, للتعبير عن هذه التمردات. يتساءل: لماذا نري في حياتنا العربية وفي موضع آخر, يشير الي لب المشكلة, عندما ينعي المواطنة المجهضة, قائلا: لماذا لم يقدر الفرد العربي حتي الآن ان يكون او ان يصبح مواطنا ؟ ويرد لماذا اكتفينا نحن العرب علي مدي خمسة عشر قرنا, بأن ننشيء سلطة ولم نستطع ان نبني دولة ؟ لقد اخترت هذه التساؤلات الاربعة, ومن بين تساؤلات اخري عديدة, كمنطلق للحديث عما يجري في مصر الآن. لقد كانت شمس يناير هي الحقيقة الأكثر سطوعا في حياتنا المعاصرة, ومراجعة ما حدث في المائة يوم الاولي من سطوعها تجعلنا نثق في الطاقة التغييرية الهائلة التي مدتنا بها. ولاغرابة في ذلك, فقد كنا من الشعوب القليلة التي صممت ان تصنع شمس مستقبلها, ودفعنا ومازلنا ندفع الثمن غاليا, لكننا لانملك رفاهية التغافل عن السلبيات العديدة التي تتجمع عن عمد وعن غير عمد, لتكون غيمة بائسة تحاول ان تحجب هذه الشمس, ولا أقول تطفئها وتشعل نورها,. أحداث ذات اسباب واهية ومتخلفة, تتخذ طابع التوتر الديني, وتشعل نار الفتنة هنا وهناك مطالب فئوية, بعضها عن غير حق, وبعضها في غير أوانها ضغوط غير واقعية, لاتناسب ادارة أحوال شعب كبير مثقل بالمشاكل, تزيد في ادمان المظاهرت والاعتصام واستعراضات القوة من بعض الاطراف.... الخ. ومن ناحية اخري ادارة حكومية في التعامل مع هذه الملفات, يري فيها الكثيرون رخاوة غير مبررة. قد يكون الشعب جريحا كما قيل, لكنه يحتاج الي الحسم في تطهير هذه الجراح وتضميدها, بأكثر مما يحتاج الي خطاب عاطفي يعبر عن تفهمه لها ولانني ممن يؤمنون بأن الخطاب القانوني وحده يمتلك القدرة علي هذا الحسم وعلي تبديد هذه الغيمة البائسة قبل ان تحجب شمس الثورة, أرجو ان يصدق تفاؤلي بما أعلن في هذا الشأن, ولعل مواجهة البلطجة والانفلات الامني, بشكل قلل من حدتهماالي درجة ملحوظة, تدعم هذا التفاؤل. والحقيقية أنني لا أخشي علي الثورة من ادعائها, لانها تعرفهم, ولانها أقوي منهم. انها كفيلة بهم, كما قال نابليون, الذي دعا الله ان يحميه من اصدقائه, وعلي كل من يدعون انهم من اصدقاء الثورة ان يحموها, لا أن يجعلوها تحتاج إلي أن تحتمي من افعالهم. هم معذورون, وكلنا كذلك,. فنحن جميعا نحتاج الي اعادة تأهيل لاستيعاب الحدث الكبير, والمحافظة علي مكاسبه وهذه مسألة تحتاج الي تضافر العلم والاعلام في معالجتها, حتي يعود الينا التوازن, وندير عجلة حياتنا الجديدة سياسيا واقتصاديا وامنيا وسلوكيا بكفاءة واقتدار. وهذا ينقلني الي تساؤل ادونيس الثاني عن اللغة ومفرداتها, التي نحاول ان نفهم ونحلل بها ثورتنا ومستقبلها, دون ان نقع في فخ تطيح بها احداث كبري مثل محاكمة الفساد, التي صارت جزءا من المشكلة وليس جزءا من الحل. دعونا نسأل: ماالعمل ؟اننا ننتظر بفارغ الصبر دستورا جديدا يوضح ملامح مصرنا الجديدة. لكننا لانحتاج الي انتظار في التوافق المجتمعي حول العقد الاجتماعي الجديد, وعماده المواطنة وبناء الدولة الحديثة, دون الاكتفاء بإنشاء السلطة قد ناقش ادونيس في ادعائه غيابهما الكامل في التاريخ العربي عموما, والتاريخ المصري بالذات, فروح المواطنةواسس الدولة يسكنان في مصر منذ زمان طويل, ومستقبل مصر الجديدة يحتاج الي تفعيلها بالشكل الملائم لآمالنا وطموحاتنا وثورتنا الشعبية التي قامت من اجلها. المزيد من مقالات د.أحمد شوقى