لو كان الفقر رجلا لقتلته.. ولو كانت البيروقراطية رجلا لقتلته ايضا.. مبادرات هنا وهناك وصرخات آنين آلاف المرضي تمر من آذان المسئولين دون مجيب.. أنها مشكلة التمويل تلك الشماعة التي يعلق عليها ويخفي خلفها كل مسئول حالة العجز التي نعيشها كل يوم. صدر القرار الجمهوري رقم119 لسنة2003 بإنشاء معهد مبارك للأورام بالزقازيق, تحت رعاية السيدة الفاضلة سوزان مبارك علي مساحة12 الف متر مربع خصصها المستشار يحيي عبد المجيد محافظ الشرقية, هذا المعهد سيكون الثاني من نوعه علي مستوي الجمهورية, وسيقدم خدماته لنحو7 ملايين مواطن بمحافظة الشرقية ونحو30 مليون مواطن في المحافظات المجاورة ولكن حتي الآن وبعد مرور7 سنوات مازال هذا المعهد تحت الانشاء ويحكي لنا الدكتور طارق جعفر المشرف علي انشاء معهد مبارك للأورام بجامعة الزقازيق ونائب رئيس الجامعة السابق, رحلة المعاناة التي بدأها منذ عام1993 بعد تجربة ناجحة بانشاء وحدات او مراكز لعلاج الأورام تابعة للمستشفيات الجامعية بجامعة الزقازيق, وخلال عشر سنوات قدمت الوحدة خدمات وعلاجا ومتابعة وتشخيصا لمرضي الأورام وتربي لديها خبرات وكوادر طبية نتج عنها فكرة انشاء معهد للأورام بجامعة الزقازيق وكان بداية تبلور الفكرة عام2001, ومن ثم كان السعي لاستصدار قرار جمهوري بانشاء معهد مبارك للأورام بجامعة الزقازيق والذي توجت جهوده بصدور القرار الجمهوري في ابريل2003 وبعد القرار تم اطلاق حملة تبرعات لانشاء المعهد واستمرت لمدة سنة كاملة وتم جمع نحو11 مليون جنيه من جهود وتبرعات أهلية, وفي عام2004 تحركنا تجاه الدولة لإدراج خطة انشاء المعهد ضمن الموازنة العامة للدولة واعتماد أو تخصيص ميزانية انشاء المعهد وقدمنا دراسات الجدوي, وتمت الموافقة علي ان تدرج في الخطة الخمسية عام2005. ويضيف الدكتور طارق جعفر بعد اختيار افضل تصميم وعمل المقايسات عام2006, قدرت تكلفة الانشاءات ب50 مليون جنيه في عام2007 وقدمنا الدراسات فاعتمدت الدولة في الخطة الخمسية2007 20012 ميزانية بنحو25 مليون جنيه صرفت وزارة لمالية منها15 مليونا فقط وتم وضع الاساسات تحت الارض وتكلفت هذه المرحلة التأسيسية20 مليون جنيه بالرغم ان دراسات الجدوي قدرت تكلفة انشاء المعهد بنحو200 مليون جنيه بدون رصد ثمن الاجهزة والمعدات الطبية, ووزارة المالية مع مرور كل خطة خمسية تصرف لهم ما تجود به ومازال القرار الجمهوري حبيس الادراج. الدكتور ماهر الدمياطي رئيس جامعة الزقازيق الذي يحتضن مشروع معهد مبارك للأورام منذ توليه رئاسة الجامعة عام2003 ويحلم أن يري النور يقول ان هذا المعهد سيكون متخصصا في علاج ومتابعة وتشخيص مرضي الاورام بسعة500 سرير تبدأ ب200 سرير كمرحلة اولي.. كما سيضم مستشفي اليوم الواحد والذي يخدم150 مريضا يوميا من عمليات صغري وتحاليل وفحوصات اشعاعية وعلاج كيماوي.. كما سيضم المعهد قسما متخصصا في مجال تطوير سبل العلاج لمرضي السرطان ويضم ايضا اقساما علمية تبلغ15 قسما حيث يمنح درجات الدبلوم والماجستير والدكتوراة في مختلف تخصصات الأورام. والمشكلة كما يراها الدكتور شريف عمر رئيس لجنة الصحة بمجلس الشعب واستاذ الأورام افتقاد ثقافة مواجهة السرطان بأسلوب الكشف المبكر ومطلوب من الدولة ان تراعي ذلك لأن الوقاية خير من العلاج, ويكشف الدكتور شريف ان مؤسسة الاهرام كانت صاحبة اول مبادرة اجتماعية لانشاء مركز علاج السرطان الخيري المجاني بمركز فاقوس بالشرقية واطلقها الكاتب الصحفي المرحوم عباس مبروك وتم جمع مليون جنيه عام1988, اي منذ ما يزيد علي عشرين عاما. واضاف ان ازمة المعهد القومي للأورام انعكست علي مصر كلها, وان اعداد مرضي السرطان تتزايد في مصر بشكل كبير وان المعهد القومي للأورام كان يتحمل الضغوط عليه ولم يرفض يوما دخول مريض للعلاج رغم امكاناته المثقلة باعباء لا حصر لها. واضاف رئيس لجنة الصحة بمجلس الشعب انه حصل علي موافقة المجلس علي انشاء المجلس لقومي لمكافحة السرطان في مارس2008, يكون مهمته التنسيق بين الجهات المختلفة مثل مراكز علاج السرطان بوزارة الصحة والمعهد القومي للأورام والعديد من اساتذة الاورام والخبرات الطبية المتوافرة منذ الستينات في مصر, ويضع خطة انشاء مراكز الاورام علي مستوي الجمهورية علي أسس علمية مدروسة ومخططة, لكن الحكومة لم تتخذ خطوات جادة ولم تحرك ساكنا لانشاء هذا المجلس. ويقول الدكتور شريف نحن في حاجة الي ترتيب الالويات, يجب ان يكون انقاذ معهد السرطان هدفا قوميا واختيارنا الاول ويجب ان تتسارع الخطي نحو انشاء معهد جديد للأورام في محافظة السادس من اكتوبر يكون تابعا لجامعة القاهرة كما اعلن بدلا من المعهد القومي للأورام الذي انهار جزء منه أخيرا واخلي من المرضي. الدكتور حسين خالد نائب رئيس جامعة القاهرة وعميد المعهد القومي للأورام السابق يضع الحقائق في نصابها ويقول ان اعداد مرضي السرطان تتزايد في مصر بشكل كبير ربما لتقدم اجهزة الكشف عنه وعوامل اخري, وقال ان احصائيات منظمة الصحة العالمية تشير الي وجود اكثر من100 ألف حالة سرطان جديدة سنويا في مصر تضاف الي عدد المرضي المتراكمين من السنوات السابقة. واوضح انه في الوقت الذي تكشف فيه الاحصائيات العالمية شيوع مرض السرطان في العالم, خاصة الدول النامية فإنه لا يوجد في مصر تسجيل لحالات السرطان علي المستوي المحلي, واضاف ان السرطان مشكلة صحية عالمية وكذلك قومية في مصر حيث يعد ثاني اسباب الوفيات بعد امراض القلب, وكشف عن ان عدد حالات السرطان في العالم كله عام1985 بلغت7.6 مليون حالة, وقفز هذا الرقم إلي10.3 مليون حالة عام2000 ومن المتوقع ان يصل هذا الرقم الي16 مليون حالة عام2020 وذلك حسب احصائيات منظمة الصحة العالمية. ويري الدكتور حسين خالد ان تعميم مراكز الأورام في جميع محافظات مصر اصبح مطلبا قوميا ينادي به المعهد القومي للأورام منذ فترة طويلة نظرا لما لمسناه من معاناة المرضي في السفر للعلاج خارج محافظاتهم بالاضافة الي معاناتهم الشديدة من ذلك المرض اللعين. ونبه عميد معهد الأورام السابق الي خطورة الوضع الحالي لمكافحة السرطان بمصر في المعهد القومي للأورام جامعة القاهرة وهو أكبر مركز لعلاج الاورام في مصر وإفريقيا والشرق الاوسط حيث تبلغ طاقته الاستيعابية532 سريرا ويعمل به2481 عاملا منهم538 طبيبا ويعالج70% من المرضي بالقسم المجاني الممول من ميزانية الدولة التي تبلغ30 مليون جنيه سنويا والتبرعات25 مليونا سنويا. واشار الي ان عدد مراكز علاج الاورام التابعة لوزارة الصحة ثمانية موزعة علي انحاء الجمهورية, بالاضافة الي اقسام علاج الاورام في كليات طب الجامعات وتبلغ15 قسما وأخيرا القطاع الخاص بما فيه من مستشفيات خاصة وهيئات حكومية واهلية. الدكتور حسين ينهي حديثه ويقول الحقيقة ان مصر في امس الحاجة الي انشاء المجلس القومي لمكافحة السرطان وتفعيل مشروع السجل القومي للسرطان في مصر لتسجيل جميع الحالات المصابة, والوقوف علي حجم المشكلة وطرق العلاج واسباب الوفاة لانشاء خريطة موضحة لنمو مرض السرطان في مصر.