عادل سليم الفساد موجود في كل بلاد الدنيا.. ولكن الفساد في مصر شكل ثاني.. لقد أصبح الفساد كالطاعون ينخر في جسد المجتمع المصري وفي غالبية القطاعات الانتاجية والخدمية. لقد أصيبت الأجهزة والقطاعات الحكومية بمرض نقص المناعة ضد فيروسات الفساد في السنوات الأخيرة.. لقد بلغ الفساد المدي وطفح الكيل.. وأصبحت الرشوة والمحسوبية والواسطة والابتزاز ونهب المال العام هي الأصل في التعامل مع المصالح الحكومية كافة. واتحدي أي إنسان يستطيع ان يقضي مصلحته أو ينهي عملا له في أي مرفق أو مؤسسة حكومية إلا اذا "دفع" مقابل تمرير أو تسهيل أو قضاء حاجته "أقصد معاملته كي لا تفهم بمعني آخر". وأصبحت عبارة "إنه مواطن يدفع.. دعه يمر" هي الشعار الذي يتعامل به أي موظف كبيرا كان أم صغيرا. لا يتوقف الفساد عند حد معين أو مجال بعينه كما جاء في تقرير الجمعية المصرية لدعم التطور الديمقراطي غير ان اكثر انواع الفساد خطورة هو الفساد السياسي بحيث يجعل من الفساد البضاعة الاكثر رواجا داخل جميع المؤسسات بما فيها القطاع الخاص. وهناك الفساد الاقتصادي الذي يؤثر علي التنمية ويصبح العقبة الكؤود أمام أي اصلاح اقتصادي.. وهناك الفساد الاجتماعي والاخلاقي، وفساد الذمم والضمير. ويذكر التقرير ان وراء ظاهرة الفساد في مصر عددا من المقدمات جعلت من الظاهرة واقعا ملموسا تعطل من نهضة الدولة المصرية ككل وبشكل عام تنتعش ظاهرة الفساد في ظل انتشار الفقر والجهل ونقص المعرفة وسيادة القيم التقليدية وضعف الرقابة الشعبية، وكذلك ضعف اجهزة الرقابة في الدولة، وعدم استقلاليتها. الفساد في مصر له زبائن تحميه، وتتستر عليه، والدليل هو ارتفاع معدل الفساد.. وكل يوم تطالعنا الصحف بقضايا فساد جديدة يكون أبطالها كبار المسئولين في الدولة. ونرصد هنا بعضا منها علي سبيل المثال: قضية إبراهيم نافع وجريدة الأهرام، قضية ممدوح إسماعيل صاحب العبارة الشهيرة التي راح ضحيتها أكثر من ألف مواطن غرقا في مياه البحر الأحمر، وقضية رئيس الشركة القابضة للمصل واللقاح، وقضية بيع محال عمر أفندي وبنك الاسكندرية ومسلسل الفساد في البورصة المصرية وبيع شركات القطاع العام.. وإهدار المال العام في شركة مياه القاهرة الكبري.. وجهاز تنمية شمال سيناء والفساد المتكرر في وزارات الزراعة والصحة والاعلام والمحليات وهيئة النقل العام والضرائب والسكة الحديد وغيرها وغيرها. حقائق مخيفة.. وأموال طائلة منهوبة.. وواقع أشد من مرارة الحنظل. الفساد وصل الي النخاع، ولم يستعص عليه مكان في مصر إلا وتسلل اليه وانتشر كالسرطان. أعود فأقول للفساد ناس تحميه وتزكيه وتدافع عنه وتساهم في انتشاره. يذكر الدكتور أحمد الغندور العميد السابق لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية والخبير الاقتصادي ان الحكومة تقول كلاما فارغا، فكل المؤشرات تؤكد ان قيمة الدعم الحقيقية تتراجع بشكل مستمر منذ بداية الثمانينيات.. والفساد واضح في ميزانية الدولة فيما يمكن ان تسميه ببند "السهو والخطأ" الذي قدره جودت الملط رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات بعشرة مليارات جنيه، وقال الغندور ان هذا نوع من انواع الفساد الخفي.. وقال ايضا ان اموال البنوك نهبت والدين المحلي زاد، واكثر من مليون عامل شردوا من وظائفهم وحوالي 520 ألف عامل أجبروا علي المعاش المبكر، وهم الآن في الشارع والبطالة وصلت الي اكثر من 29% بما يعادل 15 مليون مواطن علي الارصفة.. ومؤشرات الاستثمارات تتدهور، ومؤشرات الشفافية في مستوي الحرية الاقتصادية اقل حظا من دول افريقية تعاني حروبا أهلية في وسط القارة السمراء. وأكد الخبير الاقتصادي ان خسائر مصر تزايدت علي ألف مليار جنيه ناتجة عن الفساد والمحسوبيات والرشاوي وسوء ادارة الاقتصاد الوطني.. وان تكلفة الفساد في مصر تصل الي 50 مليار جنيه سنويا. رقم مفزع ويخلو من الرحمة.. وبهذه الارقام تكون مصر رائدة بالفعل في هذا الميدان.. واعتقد لو ان الفساد سلعة تصلح للتصدير لحققت مصر أموالا طائلة من جراء ذلك. انها مصيبة ابتلينا بها، ولا راد لقضائه.. والشعب المصري المغلوب علي أمره هو الذي يدفع الثمن.. ولو كان الفساد.. رجلا لقتلته مع الاعتذار للإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه. ولو كانت هناك كلمة تثير الغضب في الصين فلن تكون سوي كلمة الفساد.. يقول الاستاذ عادل حمودة رئيس تحرير جريدة الفجر في إحدي مقالاته: في الصين يؤمنون بأن الفساد هو السرطان الخفي الذي يدمر كل خلايا التنمية، ولا يترددون في سحقه دون تباطؤ ولو بعقوبة الموت شنقا، لا رحمة للفاسدين، ولا مكافأة لهم. ولكن في مصر يقول عادل حمودة: انهم يكرمون بمنحهم نياشين وأوسمة رفيعة، ويحصنون بعضوية المجالس التشريعية، ويقدرون علي ايذاء من يحاربهم بالسجن والتشهير، ولا تكشفهم الاجهزة الرقابية الا بتعليمات عليا ولأسباب شخصية غير مفهومة. ويؤكد عادل حمودة أن الفساد اصبح مؤسسة قوية وحاكمة ان