القانون المصري للجامعات عندما صدر كان يهدف إلي خدمة المجتمع والارتقاء به علميا وانسانيا وتنمية ثروته البشرية, ومع ذلك فإن أغلب الكليات في مصر تمنع استكمال الدراسات العليا للحاصلين علي تقدير جيد في مادة التخصص مع تقدير عام مقبول. , في الوقت الذي تسمح به بنفس الشروط للوافدين العرب والأجانب بما يعني أن دور هذه الكليات خرج من خدمة وتنمية المجتمع المصري خاصة لمن يعملون بالميدان والتخصص. مجموعة كبيرة من شباب وخريجي كلية الآثار بجامعة القاهرة كشفوا عن هذه المهزلة التي تؤكد التخبط داخل الجامعة الواحدة فهناك كليات مثل الحقوق لا تشترط أي شئ لاستكمال الدراسات العليا باعتبار أن أي شروط تمنع دراسة المصري أو استكمالها تكون غير قانونية أو دستورية, ومع ذلك فإن اللائحة بكلية الآثار بنفس الجامعة تمنعها تماما للمصريين, ويروي أحد الطلاب واقعة مؤسفة أنه عندما تقدم وزميل له غير مصري بأوراق التقدم قبلت إدارة الكلية أوراق الآخر ولم تقبل أوراقه برغم أنها حاصل علي نفس التقدير, وعندما ذهب لوكيلة الكلية ذكرت له أن الوافد يدفع مصروفات عالية, وأن عندها لائحة تؤكد هذا المعني بقبول غير المصريين فقط, بل وساعدتهم في مجالات التخصص وتوفير المعامل لرفع مستواهم العلمي, وعندما توجه إلي مكتب العميدة عدة مرات لم يجد إلا الصد ورفض المقابلة. ترميم الآثار الشاب المصري خريج الكلية يذكر أنه وزملاءه متخصصون في ترميم الآثار وهو تخصص دقيق وأتيح لهم دراسته في مدرسة ثانوية متخصصة بمدينة نصر وكانوا من الأوائل مما أتاح له الالتحاق بكلية الآثار, وأن دراساته العليا ستخدمه في مجال عمله الآن. لانه يحتاج دوما للتطوير والتنمية في هذا التخصص الدقيق, لذلك تقدم للكلية لتحضير رسالة الماجستير ولو علي حسابه الشخصي مثل الوافدين من الجنسيات الأخري, وجاء الرفض له بمثابة الحكم بالاعدام عليه وعلي زملائه وليحرمه من حقه الأصيل كمصري عاني من بعض الأزمات مما حرمه من الحصول علي التقدير الأعلي ومنها حادث مروع أطاح بأسرته في السنة الدراسية الأخيرة. توجه الشباب إلي نائب رئيس الجامعة للدراسات العليا وعرضوا المشكلة غير المسبوقة, فأكد لهم أن هذا غير قانوني بدليل أن كلية الحقوق تتيح الدراسات لكل التقديرات بلا استثناء, ثم اتصل بوكيلة الكلية المسئولة التي أكدت له أن اللائحة فعلا تنص علي الدراسات العليا للوافدين وتمتنع علي المصريين, ووعد النائب بتغيير اللائحة من خلال الكلية إلا أن المسئولين بها لديهم إصرار علي استمرار الوضع الحالي, فضلا عن رفض الجميع مقابلة هؤلاء الشباب, فتوجه المسئول بكلية الحقوق الذي أكد لهم أن هذا النص غير دستوري أو قانوني لأنه عندما تتاح الدراسات العليا لجميع الجنسيات الوافدة عدا الجنسية المصرية يكون ذلك مخالفا لجميع القوانين في العالم, وليس القانون المصري فقط, بل ويعاقب عليه القانون. تحسين الأداء توجه الشباب أيضا إلي وزارة التعليم العالي وقدموا شكاوي تفيد مطالبتهم بالالتحاق بالدراسات العليا بكلية الآثار بهدف تحسين وضعهم الدراسي, وبرغم أن هذا سيكلفهم الكثير ماديا, ولن يكون له عائد مادي في وظائفهم سوي أن سيحسن أداءهم التعليمي والوظيفي فقط, أي انهم متطوعون لخدمة الوطن وتحسين أداء ترميم الآثار فقط وحبا في العلم, ومع ذلك فإن الشكاوي كانت تتحول من الوزارة إلي الكلية مباشرة دون إجراء حل أو إبداء رأي, وعند مقابلة المستشار القانوني للوزارة قال: إنه يعلم أن هذا النص الموجود في اللائحة بالكلية غير قانوني أو دستوري لأن التعليم واجب طوال حياة الانسان لتطوير نفسه وبلده.. ثم لم يحدث شيء. عرض الشباب تحملهم مصروفات الدراسة الفعلية للدراسات العليا وطلبوا حتي مساواتهم بالوافدين السودانيين الذين حددت لهم مصروفات تساوي10% من المصروفات الأصلية التي تنص عليها قرارات الكلية ولائحتها وهي نحو5881 جنيها مصريا, ويسدد الفلسطينيون50% من قيمة الرسوم, بينما تكاليف الدراسة لرسالة الماجستير بالخارج تتعدي071 ألف جنيه, فضلا عن ضرورة الحصول علي إجازة من العمل أو الاستقالة, في حين أن قرار الجامعة يلزم الوافد بسداد الرسوم باليورو أو الدولار, وهذا ما أثار الطالبة الباحثة نجلاء وصفي وقولها: يعني الطالب الوافد يعفي من التقدير, ويتقدم للدراسات العليا بالجامعة المصرية, بينما المصري يحرم منها لأن جنسيته مصري, وهذا أغرب من الخيال. ويضيف أحد الشباب المتقدمين في تخصص الترميم علي سبيل المثال أن الوثيقة العالمية التي وضعتها الدكتورة نادية لقمة استشاري الترميم بوزارة الآثار تختلف عما حوته لائحة كلية الآثار, فالوثيقة الدولية تقول: إن مسئولية المرمم عن الأثر هي مسئولية مستمرة لاتنتهي بانتهاء عمليات العلاج ولكن تستمر باجراء عمليات المتابعة والصيانة الدورية, الأمر الذي يتطلب استمرار البحث العلمي والدراسات. أسس علمية كما أن منظمة اليونسكو العالمية أصدرت توصيات في هذا المجال, وضمن اتفاقات دولية بأن عمليات الترميم لابد أن تقوم علي أسس علمية تحرص علي عنصري التناغم والاحساس الجمالي ضمن عمليات الترميم مع الحفاظ علي الطابع الأصلي للآثار, وهذا لن يتأتي إلا بتطوير المرمم واتاحة الفرصة له لاستكمال دراساته العليا وتعد جانبا مهما لتطوير المهنة, ونصت أيضا علي التأكيد علي استخدام التقنيات الحديثة في أعمال الصيانة والترميم, فضلا عن تنظيم برامج دراسية في حلقات تعليمية للنهوض بمستوي العاملين بالآثار. الطريف في الموضوع أن معظم المتقدمين المرفوضين من كلية الآثار حاصلون علي جوائز وشهادات بها احتراما من الأجانب وليس من مصر, حيث استبعدتهم لائحة آثار القاهرة بعيدا عن أهداف الوطن في التنمية والتقدم. ويعلق الدكتور محمود كبيش عميد حقوق القاهرة بأن الكلية تعطي الفرصة لكل الخريجين لاستكمال الدراسات العليا, حتي الحاصلون علي تقدير مقبول, علي إعتبار أن أهداف التعليم العالي تتجه لتنمية القدرات البشرية والتعليمية لأبناء الوطن, غير أن البعض يسيئون استخدام هذه الفرصة ويدخلون الدراسات العليا دون جدية, مما يبدد جهد الأساتذة بالكلية, فالدراسات العليا حق للجميع مهما كان التقدير بشرط الجدية, في الوقت الذي تتاح فيه هذه الدراسات للوافدين فعلا ولكن بمصروفات. وأشار إلي أن المصروفات المقررة للوافدين تبلغ نحو1200 جنيه استرليني, وهو مبلغ لايشجع قدوم الدارسين لمصر وتحالف أهداف مصر القومية في الانتشار الثقافي والتعليمي ذلك لأن إعفاء الوافدين يكون عائده كبيرا من الناحية التعليمية والمادية والاقتصادية, لأن الدارس ينفق الكثير أثناء إقامته ويشجع غيره علي القدوم لمصر فضلا عن هذا التأثير الثقافي علي شخص الدارس مما يجعل له مردودا مهما علي سمعة البلاد, ويفتح الأبواب لأبنائها مع بلاده سياسيا واقتصاديا وغيرها وخير مثال يظهر في دولة فرنسا التي لا تفرق بين وطني ووافد في المصروفات التي تكون بسيطةج ومتاحة لأنهم يصرفون النتائج المترتبة علي دراسة الوافد إلي بلادهم من نواح كثيرة تفوق مصاريف الدراسة بمراحل. ويضرب مثلا بذلك عن انحسار دور مصر في إفريقيا, خاصة في السودان التي تأثرت علاقتنا بها سلبا في بعض المراحل نتيجة التباعد الدراسي وإغلاق فرع الخرطوم الذي كان يجتذب آلاف الطلاب سنويا ومما أسهم في تلك المرحلة في تقارب الشعبين وكذلك الحال لو أن التعليم في الدراسات العليا مجانا أو برسوم محدودة, فسوف يقوم بدور حيوي في فتح المجالات لمصر واقتصادها دوليا وهذا يحتاج إلي عقلية متفتحة لها نظرة ثاقبة وليست محدودة. القانون لا يمنع وأضاف د.محمود كبيش أن القانون لا يمنع الدراسات العليا لأي إنسان حاصل علي شهادة جامعية لأن هذا من حقه مادامت أن العوامل تساعد علي ذلك فبعض الكليات وضعت شروطا من لوائحها بتقدير جيد ومثلا لأن إمكاناتها لا تسمح بالتوسع في الدراسات العليا فكل كلية لها لائحة يضعها القيادات بها وهي سياسة داخلية لها ولكن ذلك لا يمنع من أن تكون الدراسات العليا متاحة مادامت تهدف للنهوض بالمواطن علميا وبشريا بل إن هذا المواطن يجب أن نشجعه لأنه سينهض بالوطن ويؤدي دوره الوظيفي بدرجة أكثر رقيا وتقدما, وهذا يتطلب أن تراعي الكليات وعلي رأسها الجامعة رعاية هذه الشريحة التي تطلب التطوير والتنمية من خلال الدراسات العليا.