حين بدأت ثورة25 يناير2011 ارتفعت اصوات تعتبرها مجرد مظاهرات لا تلبث أن تنفض, ومع تزايد زخم الثورة تغيرت النغمة لتركز تلك الأصوات علي من اندسوا في صفوف الشباب الأبرياء ليحولوا مظاهراتهم إلي تمرد علي السلطة, ولكن لم تلبث تلك السلطة أن سقطت في11 فبراير.2011 ولم يعد مجال لإنكار ما حدث. ولم تلبث أن ارتفعت نغمة جديدة: لقد انتهت الثورة. لقد ارتقي هؤلاء الثوار صاروخا ليحطوا علي ظهر القمر لتكون اقصي أمانيهم الحصول علي كيلو كباب. هل سمعتم عن ثورة انتصرت دون أن يعتلي الثوار كراسي السلطة؟. مازال النظام القديم قائما بشخوصه وأدواته ومازال رأس النظام متمترسا في شرم الشيخ يمارس السلطة عن بعد ألا يكفيكم ما أسفرت عنه نتائج الاستفتاء لتتأكدوا أن تحالف الإسلاميين مع فلول الحزب الوطني قد أعلن انتهاء حلم الثورة؟. ولعله غاب عن هؤلاء ان ثوار يناير قد أضافوا لتاريخ الثورات آلية جديدة غير مسبوقة, تتسق مع الطابع الفريد لثورتهم التي نجحت دون قائد فرد. كانت قيادة الثورة متمثلة في تآلف بين مختلف الأطياف والقوي التي توالي التحاقها بالثوار حتي يوم الانتصار, ويختلف ذلك التآلف عن أشكال وآليات التحالف التي عرفتها الحركات الثورية التاريخية حيث كان إنجاز التحالف يسبق بالضرورة القيام بالثورة ولكن التآلفالذي قامت عليه ثورة52 يناير كان يتشكل تدريجيا خلال تحرك الثوار لتحقيق هدفهم المتمثل في اسقاط النظام وهو الشعار الذي كان يجتذب بالتدريج المزيد من ألوان الطيف للشعب المصري لتندمج في ذلك التآلف الثوري. وبعد نجاح الثوار في الاطاحة برأس النظام, لم يكن ممكنا استيلاؤهم علي السلطة بالشكل التقليدي, فالاستيلاء علي السلطة يستلزم تحالفا بين الأطراف التي ضمها التآلف الثوري بحيث يحصل كل فريق علي ما يتناسب مع ثقله النسبي في إنجاز الثورة, ولم يكن تحقيق ذلك التحالف ممكنا بحكم طبيعة ذلك التآلف الثوري الفريد. ومن ناحية أخري فإن الرئيس السابق قد تخلي عن سلطاته للمجلس الأعلي للقوات المسلحة الذي لعب دورا مهما لا ينكره احد في نجاح الثورة ومن ثم لا يمكن اخلاقيا ولا سياسيا استبعاده من صفوف التحالف, كما لا يمكن عمليا الوقوف في وجهه وانتزاع السلطة منه. واختار الثوار ربما بشكل تلقائي أن يستبدلوا بتولي السلطة, دور الضمير أو المراقب الفعال بل والموجه لأداء السلطة, ومن خلال هذا الدور المبتكر غير المسبوق مارس الثوار ومازالوا يمارسون دورهم الرقابي الفعال, وتحققت بالفعل ومازالت تتوالي انجازات الثورة: أولا:3 مارس بعد مضي02 يوما علي الانتصار لقد شرع الثوار بعد الانتصار في المطالبة برحيل الفريق أحمد شفيق رئيس مجلس الوزراء, واستمرت الاحتجاجات حتي تمت بالفعل إقالته, بل واستجاب المجلس الاعلي للقوات المسلحة لترشيح الثوار للدكتور عصام شرف رئيسا للوزراء. ثانيا:5 مارس بعد مضي22 يوما علي الانتصار لعله لم يكن من قبيل الصدف أنه لم تمض ساعات علي تولي الدكتور عصام شرف للوزارة أن تبادر قوي الثورة المضادة التي قرأت الرسالة جيدا بإحراق كنيسة أطفيح, وإشعال مواجهات دامية بين بعض المسلمين وبعض المسيحيين, ونشر شائعة عن نية المسيحيين إحراق مسجد السيدة نفيسة. واكتملت بذلك تهيئة المشهد للانفجار. غير ان آلاف المسيحيين تحيطهم روح ثورة25 يناير توجهوا إلي مبني التليفزيون وليس إلي الكاتدرائية ليرفعوا مطالبهم إلي الدولة المصرية المسئولة عن الجميع, ولم يلبث أن التحق بهم شباب الثوار من مختلف ألوان الطيف المصري من الإخوان المسلمين إلي الحزبيين إلي اليساريين ليهتف الجميع لوحدة الوطن, ويتم إحباط المؤامرة. ثالثا:15 مارس بعد مضي32 علي الانتصار كان مطلب إلغاء جهاز مباحث أمن الدولة مطلبا من مطالب الثوار, ولم يركب العند التقليدي رءوس السلطة, ولم تعتبر نزولها علي رغبة الجماهير إقلالا من شأنها فصدر القرار بإلغاء جهاز مباحث أمن الدولة وإنشاء جهاز الأمن الوطني. رابعا:19 مارس بعد مضي36 يوما علي الانتصار تدفق ملايين المصريين للإدلاء بأصواتهم في دلالة لا تقل بحال عن دلالة تدفق الملايين يومي الثورة والانتصار, ولا يستطيع احد أن ينكر ان ثوار يناير وشهداءهم هم الذين اهدوا لشعبهم هذا العرس في ظل مساع محمومة لتحويل العرس إلي كارثة من خلال شحن طائفي غير مسبوق. خامسا:29 مارس بعد مضي46 يوما علي الثورة شهدت الجامعات المصرية لأول مرة منذ سنوات طوال انتخابات حرة. سادسا:2 أبريل بعد مضي51 يوما علي الثورة يتم تغيير قيادات التليفزيون بعد تغيير قيادات الصحافة القومية بل وايضا تغيير المسئول عن الحوار الوطني, وكلها كانت ضمن مطالب الثوار. وينبغي هنا ألا يفوتنا في كل ما سبق أن المجلس الأعلي للقوات المسلحة علي غير ما اعتدناه من قادة الدولة من العسكريين عبر ستين عاما لم يترفع عن الأخذ علنا بما يطرحه الثوار, وقد يكون ذلك تأكيدا للوجه الآخر للمجلس كصاحب دور متميز في ذلك التآلف الثوري. تري ألا تؤكد تلك الانجازات أن الثورة ماضية في طريقها؟ ولكن هل لأحد أن يتجاهل ما تواجهه الثورة من مخاطر لعل في مقدمتها الانفلات الأمني وما يصاحبه من تزايد النبرة الطائفية وما قد يؤدي إليه كل ذلك من مخاطر الاحتواء الخارجي للثورة والوطن معا؟ والسؤال هو كيف يمكن للثورة الاستمرار والتصدي في نفس الوقت لتلك المخاطر؟ المزيد من مقالات د. قدري حفني