الشعب المصري من سماته الصبر والقناعة.. ولكن قدرته علي الصبر قد لاتتعدي30 عاما. فقبل ثورة يناير2011 بثلاثين عاما ايضا كانت نهاية عصر السادات والتي بدأت بالقبض علي المثقفين باختلاف انتماءاتهم بالاضافة الي رجال الدين وقادة المعارضة وانتهت باغتياله علي ايدي جماعات متطرفة, وقبل ذلك بنحو30 عاما ايضا كانت ثورة يوليو في عام1952 علي ايدي الضباط الأحرر والتي انهت عصر الدولة الملكية وأرست نظاما جمهوريا جديدا, وقبل ذلك بنحو30 عاما ايضا كانت ثورة1919 ضد الاحتلال الانجليزي وماتبعها من تغيرات حتي اصدار الدستور المصري في عام1923 وقبل ذلك ايضا بنحو30 عاما كانت الثورة بقيادة أحمد عرابي خلال الفترة189 1882 من أجل الحرية. ان هذه الظاهرة قد تحتاج الي مزيد من الدراسة من علماء الاجتماع وربما ايضا من علماء المصريات لبحث وجود ظواهر مشابهة عند قدمائنا المصريين.. ولكن الأهم هو قدراتنا علي الاستفادة من هذه الثورات والتغييرات التاريخية في تشكيل مستقبلنا خلال المرحلة المقبلة. فنحن لانريد ان يكون التغيير القادم مجرد تغيير في أشخاص وانتقال السلطة والثروة من البعض الي حفنة جديدة من الناس تظهر للقفز علي ثورة الشباب, ولكننا نريده تغييرا نحو مزيد من العدالة وتكافؤ الفرص, كما لانريدها ثورة انتقامية تسعي الي تصفية الحسابات والبحث عن أكباش فداء, ولكن إيجاد نظام جديد يسمح باختلاف الرأي دون تخوين أو الاتهام بالعمالة. اننا نريد مرحلة قادمة لاتهدم كل ماتم بناؤه علي الصعيد الاقتصادي بدعوي تغيير السياسات الاقتصادية الماضية بكل مافيها من جيد ورديء, ولكننا نتطلع الي مرحلة جديدة تقضي علي الفساد وفي نفس الوقت تبني علي ماتحقق من مكاسب وتقدم اقتصادي خلال السنوات الماضية حتي وان لم يكن كافيا أو عادلا بالشكل المطلوب, وينبغي الحذر في تطلعات الأفراد والمواطنين فلا يوجد في العالم حل سحري يجعل الجميع أغنياء في وقت واحد, ولكن المهم أن نستفيد من الروح الجديدة للثورة في العمل والاجتهاد والسعي للابداع والتميز لتحقيق مزيد من البناء والتقدم. أما علي مستوي الحياة السياسية فنحن نحتاج الي تغيير كامل تختفي خلاله الكيانات والأحزاب الحالية, وتظهر خلاله أحزاب جديدة تنتهي في النهاية الي وجود حزبين أو ثلاثة أحزاب كبيرة تستند الي فكرة وبرامج سواء كانت ليبرالية أو يسارية أو أخري, بما يسمح ببناء ثقافة الاختلاف والتغيير والتداول في السلطة دون عنف وبلطجة ودون التأثير علي سلامة وأمن المواطنين. انني لم اكن من مؤيدي يناير باعتبار أن الثمن سوف يكون فادحا والنتيجة غير مضمونة حيث يمكن أن يقفز أشخاص أو مجموعات علي ما يحدث مما يؤيدي الي فقدان هدف الحرية والديمقراطية ولكن الثورة افرزت روحا ايجابية جديدة ينبغي البناء عليها ان المرحلة القادمة أصعب من سابقتها لأنه فيها سيتشكل نظام جديد نتمني أن يحافظ علي سمات وروح ثورة يناير السلمية والتي تتمثل في إيجاد دولة مدنية عصرية تتسم بمزيد من الحرية والعدالة والمساواة, وان لم ننجح في ذلك فان صبر المصريين قد لاينتظر30 سنة أخري.