لا أعرف علي وجه التحديد كيف وصلوا إلي هذا الرقم وهو100 مليار جنيه مطلوبة كاستثمارات لبناء البنية الأساسية في مصر تطرح للقطاع الخاص, ولم أفهم علي أي أساس تم تحديد هذا الرقم؟ وما هي مكوناته؟ ولا أعرف كذلك لماذا يقال إنها سوف تسند إلي القطاع الخاص فتسيل لعابه وهو الذي سوف يتصدي للقيام بهذه المشروعات وفق نظام صدر له قانون يسميPPP أي مشاركة القطاع الخاص مع الحكومة. ولما كان القطاع الخاص ليست لديه كل هذه الأموال فهو سوف يستلفها من الشعب في صورة سندات ونخشي أن تمتد اليد اليمني للقطاع الخاص لتحصل علي جانب منها من البنوك ثم تمتد اليد اليسري لتحصيل قيمة استخدام هذه البنية الأساسية من جيب المواطن دون أن تكون هناك ضوابط وأسعار محددة لاستخدامها. وثمة عوامل عديدة دفعت إلي اصدار هذا القانون للتغلب علي نقص الموارد لدي الدولة وتخفيف العبء علي الميزانية وأهمية زيادة الاستثمارات وتحسين تقديم الخدمات بالجمع بين رقابة الدولة وبين استخدام امكانيات القطاع الخاص الفنية والمالية وتحويل المخاطر في هذه المشروعات من الدولة إلي القطاع الخاص وتنشيط سوق السندات. وقد تضمن القانون مواصفات القطاع الخاص المسموح له بعمليات المشاركة وكذلك ضمانات تسمح برقابة الدولة علي تنفيذ هذه المشروعات وضمان حق الحكومة في حالة اخلال القطاع الخاص بالتزاماته. ومن ثم يبدو وكأن القانون مثاليا ولا يثير اية تساؤلات أو تحفظات إلا أن ذلك ليس بالضرورة صحيحا وفق مناقشات جرت في معهد التخطيط القومي حول دراسة قدمتها د. سهير أبو العينين ودراسة أخري قدمها د. خالد سري صيام( مستشار وزير المالية آنذاك). وهذه الفكرة فكرة مشاركة القطاع الخاص مع الحكومة في مشروعات البنية الأساسية ليست ابتكارا أو فكرة مصرية ولكنها نشأت في المملكة المتحدة منذ ثلاثين عاما في الثمانينيات ثم تزايد استخدامها في العالم وقد اختلفت نتائج الدول في درجة نجاحها اذ بعضها يتم في سلاسة في دول مثل كندا وبعض اجزاء من انجلترا والهند وجنوب أفريقيا, ولكن هناك العديد من المشروعات التي اثارت جدلا كبيرا في استراليا ونيوزيلندا ودول وسط وشرق أوروبا بل في المملكة المتحدة ذاتها مخترعة الفكرة, وتشير دراسة للدكتور حامد مبارك الي أن40% من المشروعات التي دخل فيها القطاع الخاص في أمريكا أعيد التفاوض فيها أو الغيت. وفي دول وسط وشرق أوروبا صدر تقرير يوصي بوقف هذه المشروعات لحين اجراء تقييمات متعمقة ومحايدة للآثار طويلة الأجل للمشروعات التي اقيمت وشروط التعاقد عليها وهي اقيمت تحت ضغط المؤسسات الدولية. وقد أظهرت تلك المشروعات والمشاركة وفقا للتجارب عددا من المشكلات الكثيرة لاسباب عديدة في مقدمتها أن هناك اطرافا لهم مصالح مباشرة في هذه المشروعات مثل المكاتب الاستشارية والمكاتب القانونية وشركات التمويل التي انشأها البعض لاقتناص الفرص وكلها تروج للنظام وتتحيز له. وأخطر ما يوجه إلي هذا النظام هو ضيق الحوار حول عملية التمويل, حيث يقتصر الحوار حول الجوانب الفنية والإجرائية والتنفيذية بينما النظام معقد جدا وحتي لو تمت اعادة التفاوض واعادة تمويل القطاع الخاص فإن هذه الأمور وقد تخفي معدلات عائد مبالغ فيه للقطاع الخاص, وقد أدت بعض هذه الفضائح في هذا السياق في انجلترا الي تعرض هذا النظام الي انتقادات عنيفة. كما تغيب المنافسة في هذه المشروعات لانها ذات طبيعة احتكارية. كما كشفت التجارب عن انه أحيانا تطرح مشروعات أكبر من الحجم المطلوب لجعلها أكثر جاذبية للقطاع الخاص حتي لو كان ذلك علي حساب المصلحة العامة, كما حدث في المملكة المتحدة في مشروع لتجديد مستشفي وعلقت السلطات الصحية علي المشروع بأنه تم تفصيله ليناسب احتياجات المستثمر الخاص. وقد يكون القانون المصري قد أخذ في الاعتبار عددا من الجوانب التي تثار حول موضوع مشاركة القطاع الخاص, ومع ذلك تبقي هناك تساؤلات لتلافي أخطاء تجارب دول أخري تتعلق بضمان عدم احتكار القطاع الخاص وتحديد سعر الخدمة بعد انتهاء المشروع وهل سيؤول إلي الدولة بعد انتهاء المدة وما هي ضمانات الرقابة وهل ستتخلي الدولة عن مسئولياتها تجاه توفير الخدمات والمرافق العامة ولماذا لا تعالج الدولة نقص التمويل بالنظر في تصاعدية الضرائب أو فرض ضرائب علي التصرفات العقارية مثلا وعلي الأموال الساخنة التي تدخل الي البورصة وتجني الأرباح وتغادر البلاد ونفرح بأن الأجانب دخلوا وأن البورصة ارتفعت تحت تأثير مشترياتهم وهل تتحول الخصخصة الي المرافق فتتحول إلي مشروعات تجارية تبحث عن الربح والخوف من عدم الالتزام بشروط التعاقد وتراخي الصيانة وبالتالي تسلم المشروعات للدولة متهالكة في نهاية مدة العقد. ومن ثم نتساءل: هل القطاع الخاص أكثر قدرة علي تحقيق الكفاءة من القطاع العام؟ الإجابة قد تكون نعم ولكنها مشروطة في ظل تلك المصاعب والتحديات والإخفاقات التي واجهتها تلك المشروعات في انحاء مختلفة من العالم. صحيح ان الحديث في هذا الموضوع مليء بالمحاذير وليس المحظورات ولكنه رأي في قضية يمكن مناقشتها إذ ليس كل ما يطرح من افكار تكون بالضرورة مناسبة لبلدنا. إننا هنا نطرح استفهاما حول طبيعة إدارة الاقتصاد هل هي إدارة مالية تعني بالتمويل أم ادارة اقتصادية تهتم بالهيكل الاقتصادي للدولة وهو الزراعة والصناعة والتكنولوجيا. هناك أسئلة تتعلق بتنفيذ هذه المشروعات؟ من الذي سيقوم بها؟ شركات أجنبية أم مصرية؟ عمال من مصر أم عمال أجانب؟ هل لدينا الطاقة الكافية لانجاز هذه المشروعات؟ ولماذا لا تطرح الحكومة سندات لتمويل المشروعات؟ وما هي قواعد تسعير الخدمات وكيف سيتحملها المواطن. تلك هي بعض الأسئلة التي تستدعي ان نأخذ الموضوع بحذر وفكر عميق قبل أن تعطي اشارة خضراء للقطاع الخاص للمشاركة.