انتهت الاثنين الماضي أي منذ اسبوع علي وجه التحديد أعمال المؤتمر السنوي للحزب الوطني, ومن حضر اجتماعات اللجان واستمع الي كلمة الرئيس مبارك يوم الافتتاح وتابع المناقشات التي جرت يكون قد خرج منها بعدة ملاحظات يمكن ايجازها في أن الحزب قد اكتمل نضجه وأن الحزب يري مصر بهمومها ومشاكلها ومستقبلها بزاوية واسعة, وأن الحزب ورجاله واعضاءه يحاصرون الحكومة كما ظهر من المناقشات ليس بمطالب ولكن ببرنامج عمل مبني علي واقع تحدث عنه بكل الصراحة أعضاء الحزب, وقبل هذا وبعده ان الرئيس حسني مبارك وهو يخاطب مصر والمصريين قبل ان يخاطب أعضاء الحزب الوطني قد حاصر الحكومة في برنامج واضح ومحدد والأهم من هذا أنه ليس مجرد خطوط عريضة, ولكنه طالب بربطه ببرنامج زمني للتنفيذ ومتابعة دقيقة يقوم بها شخصيا. فالحكومة حكومة الحزب لا تعمل علي هواها ولا تعمل من فراغ أو في فراغ, إذ ان هناك أعضاء يتحدثون وينقلون نبض الجماهير بشفافية وهناك قيادة وضعت برنامجا له أهداف واضحة ومحددة طالبت الحكومة بترجمته الي برنامج زمني, أي خطوات لها توقيتات, وأن تعلن ذلك وستتم المحاسبة. واللافت للنظر في مؤتمر هذا العام انه ليس مؤتمرا تقليديا يعقد سنويا, ولكنه مؤتمر غير عادي في ظروف جديدة ومتغيرة ومغايرة فهو يعقد عقب انتخابات برلمانية حصد فيها الحزب الوطني38% من مقاعد مجلس الشعب ويعقد في سنة انتخابية فاصلة قبل شهور من الانتخابات الرئاسية وهو أيضا ثالثا مؤتمر يعقد لمحاسبة الحكومة علي وعودها وعلي مدي التزامها بتنفيذ البرنامج الانتخابي للرئيس, ومن ثم فقد شهدت قاعات المؤتمر زحاما غير مسبوق من وجود الأعضاء داخلها وانخراطهم في المناقشات بغير تردد أو خوف وبجرأة وموضوعية, وكان خارج تلك القاعات مئات أيضا من الأعضاء الذين لم يجدوا موضعا أو مكانا داخل تلك القاعات, ولكنهم كانوا يتابعونها ويتحاورون. ان أبرز سمات هذا المؤتمر ثلاثية متكاملة هي: رئيس يملك رؤية استراتيجية واضحة ومحددة, وتكليف للحكومة بمهام محددة تحاسب عليها وعلي أدائها, وأعضاء حزب لا يرحمون تحدثوا ونقلوا نبض الشارع الي ساحات القاعات. حدد الرئيس ثلاث أولويات رئيسية هي: المزيد من الاستثمار والنمو واتاحة فرص العمل. المزيد من توسيع قاعدة العدل الاجتماعي بين أبناء الوطن ومحافظاته. المزيد من تدعيم المشاركة الشعبية بالتوسع في اللامركزية علي مستوي المحافظة. وقد صاحب هذه الأولويات برنامج للعمل حدده الرئيس مبارك في خطابه أمام المؤتمر ويشمل عدة محاور مترابطة مع بعضها وهي: المضي في سياسات الاصلاح الاقتصادي وبرامجه. الارتفاع بمتوسط معدلات النمو الي8% خلال السنوات الخمس المقبلة. قضية الاستثمار والتشغيل علي رأس الأولويات بما لذلك من مردود ايجابي علي دخول المواطنين واتاحة فرص العمل, وفتح أبواب الرزق أمام الشباب. الارتقاء بأداء الجهاز الاداري للدولة والتصدي لجرائم اساءة استخدام السلطة, والتعدي علي المال العام. مواصلة سياسة تحسين الأجور. السيطرة علي الاسعار وخفض معدلات التضخم. النهوض بأوضاع الفلاح المصري وزيادة دخله وانتاجيته والتصنيع الزراعي والمزيد من الجهود لمضاعفة الصادرات الزراعية. التوسع في المناطق والاستثمارات الصناعية علي مستوي المحافظات. تطوير منظومة التعليم والتوسع في اتاحة فرص التعليم المتطور بمختلف مستوياته وتخصصاته بما يحقق نقلة توعية في التعليم وجودته. تحقيق معدلات أعلي في تنفيذ برنامج الاستهداف الجغرافي للفقر ومضاعفة عدد الاسر المستفيدة من الضمان الاجتماعي للمرة الثانية وتوفير معاش لمن لا معاش له وتحسين الخدمات. طرح حلول غير تقليدية ومبتكرة للمشكلات المزمنة التي تواجه المواطنين في حياتهم اليومية. التوسع في اللا مركزية بما يلبي احتياجات المواطنين وأولوياتهم. هل نحن نريد برنامجا أفضل من هذا؟ أو رؤية استراتيجية أشمل وأعم؟ لقد مس البرنامج أعصاب المجتمع اقتصاديا واجتماعيا بالمضي في الاصلاح الاقتصادي, وتحقيق هدف نمو قدره8% وتوفير استثمارات وفرص عمل وتعليم متطور, وفلاح مرتفع الانتاجية, وادارة لا مركزية للمحافظات وحلول غير تقليدية لمشاكلنا المزمنة ورعاية اجتماعية للفقراء. لقد أردنا من هذا السرد اعطاء صورة بانورامية لهذه الرؤية المطلوب تنفيذها وفق برنامج زمني معلن يسمح بالمتابعة والمحاسبة. ولقد خاض المؤتمر مناقشات ساخنة في مختلف لجانه وفي مختلف القضايا التي طرحت للمناقشة سواء في قضايا الزراعة ومكافحة الفقر أو التنمية الاجتماعية والصحة والسكان. ومن بينها قضية الدعم مثلا قال عضو شرقاوي لوزير التضامن إن نصيب الفرد رغيف واحد يوميا.. وقال الوزير إن الدعم النقدي أكثر كفاءة من الدعم العيني, وفكرة اللجوء إلي تطبيقه مازالت قائمة, وفي مداخلة من أمين السياسات أن مثل هذه القضايا لا نستطيع ان نفرض فيها حلولا ولا نريد حل المشكلة بإيجاد مشكلة أكبروشهدت لجنة الزراعة سخونة في المناقشات حول الزراعة ومياه الري وعدم وصول الاسمدة الي المزارعين وزراعة الأرز, كما جرت مناقشات ساخنة أيضا في لجان الصحة والسكان حول الخدمات الصحية ومشروع قانون التأمين الصحي, اما مواسير الاسبستوس المسرطنة والتي جاءت في مداخلة من احد اعضاء الحزب بالوادي الجديد قال وزير الاسكان: انه وزير ويعلم جيدا تأثيرها علي حياة الانسان وأن مرور المياه بها لا يؤثر علي حياة الانسان, ولكن علي عمال التقطيع والتركيب. وكانت هناك مواجهات ساخنة حول تراخيص البناء علي الأرض الزراعية وارتفاع رسوم التراخيص والمطالبة بزيادة ارتفاعات المباني, وطرح المؤتمر المناقشات حول مشروعات القوانين الجديدة وفي مقدمتها ضرورة وضع ضوابط لاستغلال اراضي الدولة في القانون الجديد, فضلا عن حزمة التشريعات الجديدة التي ستطرح في الدورة التشريعية الحالية وأبرزها قانون التأمين الصحي والاجتماعي, وقانون ادارة اصول قطاع الأعمال العام وقانون الوظائف المدنية. انتهت فعاليات وأعمال المؤتمر بهذه الصياغة الجديدة, وخرج بكل هذه النتائج المهمة والآن الحصان أمام العربة.. نحن نريد ترجمة واضحة لكل هذه الرؤي في برنامج متكامل محدد زمنيا.. فقد حاصر الحزب الحكومة محاصرة لن تكون الأخيرة, فالحزب ملتزم أمام الجماهير متابع للاداة التنفيدية.