كتب - محمد فؤاد: شهدت العلاقات بين الصين وإفريقيا تقدما كبيرا في الآونة الأخيرة في عدة مجالات وأصبح للصين استثمارات هائلة في القارة السمراء ليكون بذلك أكبر دليل علي إحساس العملاق الأصفر بأهمية إفريقيا وما تزخر به من ثروات ومواد خام من اجل تنمية الصناعة الصينية التي غزت العالم. والحقيقة أن العملاق الأصفر عندما قرر الدخول في إفريقيا كان ذكيا فلم يدخل فقط من باب شراء الثروات الطبيعية أو استغلالها والاستفادة منها فقط بل دخل من مساعدة الدول الإفريقية للنهوض من عثرتها فساعد مثلا في العديد من المشروعات التنموية الإفريقية وكذلك تم إعفاء الدول الإفريقية من ديونها وتم إنشاء العديد من المستشفيات في العديد من الدول الإفريقية. وأكبر دليل علي ذلك أن الرئيس الصيني هو جينتاو عندما زار إفريقيا كان يقول إنه جاء للقاء الأصدقاء وليس للاجتماع مع مجرد مصدرين وذلك في محاولة لإظهار أن العلاقات بين الصين وإفريقيا تقوم علي الشراكة. فعلي سبيل المثال وقعت الصين اتفاقيات لتقديم مساعدات مالية إلي48 دولة إفريقية كما أعفت32 دولة من الديون المستحقة للصين علي تلك الدول وبنت الصين في إفريقيا نحو33 مستشفي, وبنت عشرة مراكز لعلاج الملاريا في إفريقيا وقدمت21 خبيرا إلي إفريقيا للمساعدة علي التصدي لهذا المرض. والأمر لا يتوقف علي المجال الطبي فقد أنشأت الصين نحو62 مدرسة ريفية في إفريقيا علي أن يصل العدد الذي يجب أن يتم بناؤها إلي نحو100 مدرسة. والصين أيضا أرسلت إلي إفريقيا خبراء في مجال الزراعة وتم إنشاء نحو14 مركزا فنيا زراعيا للصين في القارة السمراء. كما تم تدريب عدد كبير من المسئولين الأفارقة في هذا المجال. ومن هنا يتبين أن الصين لم تدخل إفريقيا من باب المستعمر أو المستغل للقارة السمراء بل من باب الداعم والمساند, وربما كان هذا سبب نجاح تأثيرها في العديد من الدول الإفريقية, حيث أصبح لها ثقل وتأثير في القارة. وحتي البنك الدولي أشار في تقريره الصادر في عام2008 إلي أن الاستثمارات الصينية في إفريقيا أسهمت بشكل كبير في الحد من الفقر في القارة السمراء. فلو نظرنا علي الصعيد الاقتصادي فسنجد أن الإحصائيات تشير إلي أن حجم التبادل التجاري بين الصين وإفريقيا قد زاد عشرة أضعاف ليصل إلي107 مليارات دولار في2008 أي بزيادة تصل إلي45% خلال سنة واحدة. والرقم السابق يعني تجاوز حجم التبادل التجاري مع الولاياتالمتحدةالأمريكية وذلك للمرة الأولي. ولو نظرنا إلي حجم الاستثمارات الصينية المباشرة في إفريقيا فسنجد أنه ارتفع بمقدار490 مليون دولار ليصل إلي7.8 مليار دولار العام الماضي. ولكن في حقيقة الأمر بالبحث عن المناطق التي تهتم الصين بأن يكون لها علاقات معها في إفريقيا فسنجد أنها في منطقة مريعة تمتد من نيجيريا شمالا إلي غينيا الاستوائية والجابون وأنجولا غربا ثم السودان وتشاد شرقا فزامبيا وموزمبيق جنوبا. ومن الملاحظ أن هذه المنطقة المربعة تضم دولا غنية بالموارد الطبيعية التي تحتاج إليها الصين مثل البلوتونيوم في غينيا ونيجيريا. وهذا لا يمنع من وجود تحديات للدور الصيني في إفريقيا, فعلي سبيل المثال توجد آثار سلبية للغزو التجاري الصيني لإفريقيا فقد تدهورت صناعة النسيج في جنوب إفريقيا بعد أن زادت صادرات الصين من النسيج إلي كيب تاون بمقدار40%. وكذلك توجد منافسة بين الصين ودول أخري مثل الولاياتالمتحدةالأمريكية وأوروبا وعدد من الدول الآسيوية مثل الهند واليابان وماليزيا وغيرها. هنا يمكن أن نشير إلي أن العلاقات بين الصين وإفريقيا ترتكز علي عدة خواص أساسية أولا أنها تسير وفق استراتيجية مدروسة بدقة تعتمد علي العمل علي جعل الأفارقة يهرولون ناحية الصين. والجزئية الثانية التي تهتم بها الصين في علاقاتها مع إفريقيا أنها تعمل علي أن يكون قولها مقرونا بالعمل وتتجنب الوعود فقط التي تطلقها العديد من الدول الغربية. والجزئية الثالثة في علاقات الصين بإفريقيا أنها لا تعتمد فقط علي البعد السياسي أو المنفعة الاقتصادية مع إفريقيا بل تتعداها كما قلنا إلي شق المساعدات والدعم للدول الإفريقية. وينبع ذلك من إحساس الصين بأن لها منافسين أشداء في إفريقيا فبالتالي تحاول أن تجذب إليها الأفارقة بقدر المستطاع. وهنا نشير إلي أن المستقبل يقول إن علاقات الصين بإفريقيا ستشهد ازدهارا في الفترة المقبلة لأن الأفارقة يرون في الصين بديلا مناسبا عن الدول الغربية التي استعمرت القارة السمراء واستغلتها لسنوات طويلة ولكن ستواجه الصين اقتصاديات أخري ناشئة مثل الهند ومتقدمة مثل اليابان يمكن أن تنافس بكين علي إفريقيا ربما توقف لفترة هذا النمو المطرد في العلاقات بين الجانبين. وللأسف الشديد أن الدول العربية وحتي الآن تقف متفرجة لتهافت القوي الغربية والآسيوية علي إفريقيا ولا تحرك ساكنا برغم أن العديد من تلك الدول تملك أموالا تجعلها تستطيع أن تنشئ في إفريقيا نهضة كبيرة بما يعود بالنفع علي الجانبين. [email protected]