رجع سراقة مؤمنا وقد خرج كافرا.. أصبح أول النهار طالبا لرأسيهما طمعا في المكافأة, وأمسي آخر النهار حارسا عليهما, ومضللا لمن يطلبهما. وشاع خبر هجرة الرسول في الصحراء كأنما طيرته عشرات من وكالات الأنباء, ووقف أهل الجزيرة العربية كلها يرقبون هذه المطاردة المثيرة بين الرسول وصاحبه ونظام كافر خرج بفرسانه وسلاحه بعد أن استباح دمهما. وكانت مشاعر أهل الجزيرة مع الرسول صلي الله عليه وسلم. وكل يوم كان أهل المدينة يخرجون لانتظار الرسول ويقفون ساعات طويلة وهم يحدقون في الأفق لعله يكون وراء هذه الرمال التي تتحرك هناك, وتنبيء عن قادم جديد. وقد استغرقت رحلة الرسول ما يقرب من أسبوعين, ثم وصل أخيرا إلي المدينة ونورها بقدومه.. وبدأت الهجرة تسفر عن وجهها الحقيقي. لم تكن الهجرة انسحابا من مكة إلي المدينة, وإنما كانت كسرا للحصار المضروب حول الإسلام, وكانت وهذا هو الأهم انتقالا من الدفاع عن الذات إلي تحقيق الذات.. وتم هذا بإنشاء الدولة المسلمة في المدينة.