أسعار الذهب اليوم الأربعاء 19 نوفمبر 2025    أسعار الحديد والأسمنت اليوم الأربعاء 19 نوفمبر 2025    الاتصالات: الأكاديمية العسكرية توفر سبل الإقامة ل 30095 طالب بمبادرة الرواد الرقمين    أكثر من 30 إصابة في هجوم روسي بطائرات مسيرة على مدينة خاركيف شرق أوكرانيا    زيلينسكي يزور تركيا لإحياء مساعي السلام في أوكرانيا    ترامب يوجه رسالة خاصة ل كريستيانو رونالدو: أعتقد أن بارون يحترمني كوالده أكثر قليلا الآن    جامايكا وسورينام يكملان الملحق العالمي المؤهل لكأس العالم    غلق الطريق الصحراوى من بوابات الإسكندرية لوجود شبورة مائية تعيق الرؤية    خيرية أحمد، فاكهة السينما التي دخلت الفن لظروف أسرية وهذه قصة الرجل الوحيد في حياتها    شهر جمادي الثاني وسر تسميته بهذا الاسم.. تعرف عليه    الرئيس السيسي: البلد لو اتهدت مش هتقوم... ومحتاجين 50 تريليون جنيه لحل أزماتها    إسعاد يونس ومحمد إمام ومى عز الدين يوجهون رسائل دعم لتامر حسنى: الله يشفيك ويعافيك    ارتفاع أسعار الذهب في بداية تعاملات البورصة.. الأربعاء 19 نوفمبر    البيت الأبيض: اتفاقية المعادن مع السعودية مماثلة لما أبرمناه مع الشركاء التجاريين الآخرين    بشري سارة للمعلمين والمديرين| 2000 جنيه حافز تدريس من أكتوبر 2026 وفق شروط    حقيقة ظهور فيروس ماربورج في مصر وهل الوضع أمن؟ متحدث الصحة يكشف    شبانة: الأهلي أغلق باب العودة أمام كهربا نهائيًا    أوكرانيا تطالب روسيا بتعويضات مناخية بقيمة 43 مليار دولار في كوب 30    ترتيب الدوري الإيطالي قبل انطلاق الجولة القادمة    النيابة العامة تُحوِّل المضبوطات الذهبية إلى احتياطي إستراتيجي للدولة    "النواب" و"الشيوخ" الأمريكي يصوتان لصالح الإفراج عن ملفات إبستين    شمال سيناء تنهي استعداداتها لانتخابات مجلس النواب 2025    "الوطنية للانتخابات": إلغاء نتائج 19 دائرة سببه مخالفات جوهرية أثرت على إرادة الناخب    فرحات: رسائل السيسي ترسم ملامح برلمان مسؤول يدعم الدولة    نشأت الديهي: لا تختاروا مرشحي الانتخابات على أساس المال    انقلاب جرار صيانة في محطة التوفيقية بالبحيرة.. وتوقف حركة القطارات    مصرع شاب وإصابة اثنين آخرين في انقلاب سيارتي تريلا بصحراوي الأقصر    ما هي أكثر الأمراض النفسية انتشارًا بين الأطفال في مصر؟.. التفاصيل الكاملة عن الاضطرابات النفسية داخل مستشفيات الصحة النفسية    مصرع شاب وإصابة اثنين في انقلاب سيارتي تريلا بالأقصر    إحالة مخالفات جمعية منتجي الأرز والقمح للنيابة العامة.. وزير الزراعة يكشف حجم التجاوزات وخطة الإصلاح    النائب العام يؤكد قدرة مؤسسات الدولة على تحويل الأصول الراكدة لقيمة اقتصادية فاعلة.. فيديو    أبرزهم أحمد مجدي ومريم الخشت.. نجوم الفن يتألقون في العرض العالمي لفيلم «بنات الباشا»    في ذكرى رحيله.. أبرز أعمال مارسيل بروست التي استكشفت الزمن والذاكرة والهوية وطبيعة الإنسان    معرض «الأبد هو الآن» يضيء أهرامات الجيزة بليلة عالمية تجمع رموز الفن والثقافة    سويسرا تلحق بركب المتأهلين لكأس العالم 2026    الأحزاب تتوحد خلف شعار النزاهة والشفافية.. بيان رئاسي يهز المشهد الانتخابي    جميع المنتخبات المتأهلة إلى كأس العالم 2026    شجار جماعي.. حادثة عنف بين جنود الجيش الإسرائيلي ووقوع إصابات    آسر نجل الراحل محمد صبري: أعشق الزمالك.. وأتمنى أن أرى شقيقتي رولا أفضل مذيعة    أسامة كمال: الجلوس دون تطوير لم يعد مقبولًا في زمن التكنولوجيا المتسارعة    دينا محمد صبري: كنت أريد لعب كرة القدم منذ صغري.. وكان حلم والدي أن أكون مهندسة    أحمد الشناوي: الفار أنقذ الحكام    حبس المتهمين في واقعة إصابة طبيب بطلق ناري في قنا    عاجل مستشار التحول الرقمي: ليس كل التطبيقات آمنة وأحذر من استخدام تطبيقات الزواج الإلكترونية الأجنبية    جامعة طيبة التكنولوجية بالأقصر تطلق مؤتمرها الرابع لشباب التكنولوجيين منتصف ديسمبر    تحريات لكشف ملابسات العثور على جثة شخص في الطالبية    زيورخ السويسري يرد على المفاوضات مع لاعب الزمالك    أحمد فؤاد ل مصطفى محمد: عُد للدورى المصرى قبل أن يتجاوزك الزمن    مشروبات طبيعية تساعد على النوم العميق للأطفال    طيران الإمارات يطلب 65 طائرة إضافية من بوينغ 777X بقيمة 38 مليار دولار خلال معرض دبي للطيران 2025    فيلم وهم ل سميرة غزال وفرح طارق ضمن قائمة أفلام الطلبة فى مهرجان الفيوم    هيئة الدواء: نعتزم ضخ 150 ألف عبوة من عقار الديجوكسين لعلاج أمراض القلب خلال الفترة المقبلة    داعية: حديث "اغتنم خمسًا قبل خمس" رسالة ربانية لإدارة العمر والوقت(فيديو)    هل يجوز أداء العشاء قبل الفجر لمن ينام مبكرًا؟.. أمين الفتوى يجيب    التنسيقية تنظم رابع صالون سياسي للتعريف ببرامج المرشحين بالمرحلة الثانية لانتخابات النواب    مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 18نوفمبر 2025 فى المنيا....اعرف صلاتك    الملتقى الفقهي بالجامع الأزهر: مقارنة المهور هي الوقود الذي يشعل نيران التكلفة في الزواج    كيف يحدث هبوط سكر الدم دون الإصابة بمرض السكري؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كلمة أخيرة عن الانتخابات البرلمانية
نشر في الأهرام اليومي يوم 10 - 12 - 2010

لم يكن ممكنا أن نقلب الصفحة ونذهب إلي موضوعات أخري وهناك كل هذا الغضب من القراء علي مقالاتي الأخيرة تعليقا علي الانتخابات النيابية والتي علي كثرتها خلت من تعليق إيجابي واحد‏.‏ صحيح أن هؤلاء يمثلون شريحة محدودة من الشعب المصري الذين ينتمون إلي الطبقة الوسطي المصرية التي تمتلك الكمبيوتر‏,‏ ولديها من الدافع لكي تعلق علي ما هو مكتوب سواء باللغة العربية أو الإنجليزية‏,‏ إلا أنها شريحة تتمتع بالإيجابية والحيوية الشديدة‏.‏ وللحق فإنهم لم يكونوا وحدهم الذين أتوا بهذه التعليقات‏,‏ بل شاركهم فيها جمع من الزملاء الذين يعتزون بي وأعتز بهم‏.‏ ولذلك كانت هذه الكلمة الأخيرة ضرورية حتي نضع الأمور كلها في نصابها‏,‏ ويتحمل الجميع مسئولياتهم من الكاتب إلي القارئ إلي الزميل في العمل الصحفي والسياسي‏.‏
وبصراحة كاملة إن المبدأ الرئيسي الذي اعتمدته في حياتي الفكرية والسياسية هو أنه لا خير في الإنسان ما لم يقل الحقيقة التي يعتقد فيها استنادا بالطبع إلي شواهد وبراهين كما أنه لا خير في الجمهور ما لم يستمعوا أو يقرأوا ما طرح‏.‏ ويكون ذلك أكثر من الضروري عندما تسود حالة من التفكير الجماعي تسيطر علي النخبة وتمنعها من قبول كل ما هو خارج عليها بينما ترحب بكل من يعطيها ما يؤكد ما توافقت عليه وبدا وكأنه الحقيقة المقدسة‏.‏ وفي أواخر السبعينيات من القرن الماضي شاع كتاب في علم السياسة عنوانه ضحايا التفكير الجماعي أو‏VictimsofGroupThink‏ لمؤلفه أرفينج جانيس الذي كان أحد دارسي العلاقات الدولية المرموقين‏.‏ هذه النوعية من التفكير الجماعي لها أصول في علم الاجتماع السياسي حول الظواهر الجماهيرية والكيفية التي ينتشر بها العنف والخوف في المجتمع‏.‏
شيء من هذا يجري الآن فيما يتعلق بالانتخابات المصرية الأخيرة من أجل انتخاب أعضاء مجلس الشعب حيث تكونت عقيدة واسعة لدي قطاع من النخبة بأن هذه الانتخابات زورت نتيجة الفوز الكاسح للحزب الوطني الديمقراطي‏,‏ والسحق الانتخابي الذي جري لجماعة الإخوان المسلمين المحظورة‏,‏ والتواضع في النتائج التي حصلت عليها الأحزاب المدنية مثل الوفد والتجمع وغيرهما وهم الذين اعتقدوا بإمكانية الحصول علي عدد كبير من المقاعد‏.‏ وظهر ذلك في جميع التعليقات التي وردت علي المقالات التي كتبتها‏,‏ حيث لم يتناول أحد أبدا الحجج التي ذكرتها وبعد أن تم حذفها عن عمد لم يبق من حجة إلا أنه لا يجوز لحزب أن يفوز بهذا الاكتساح‏;‏ كما لا يجوز لكاتب عاقل أن يعتقد في ذلك‏,‏ إلا إذا كان متحيزا أو عضوا مباشرا في هذا الحزب‏.‏
ولكن ذلك تحديدا كان هو المفاجأة الكبري للانتخابات التي أصبحت معقولة تماما لأن الحزب الوطني الديمقراطي استعد لهذه المعركة منذ خمس سنوات بطريقة علمية دقيقة تقوم علي الدراسة لجميع الدوائر الانتخابية‏;‏ بينما كانت الأحزاب السياسية المشروعة مشغولة بصراعاتها الداخلية‏,‏ واضطراب حالها بين المقاطعة والمشاركة‏;‏ أما الحزب غير المشروع لجماعة الإخوان المسلمين فلم يتعرض لانقسامات داخلية فقط‏,‏ بل إنه فشل تماما في إصدار برنامج واضح وصريح لدولة مدنية‏,‏ وأكثر من ذلك مارس سياسات‏,‏ وأصدر تصريحات‏,‏ تجعل الحزب يضع الأممية الإسلامية فوق الوطنية المصرية‏.‏ كان هناك حزب موحد له برنامج واضح ودقيق ومفصل بالتكاليف والأثمان والممارسة‏,‏ في مقابل أحزاب تراوحت شعاراتها بين الشدة والعنف حسب درجة تفرغها من الخلافات والانقسامات الداخلية‏.‏
وبالتأكيد لم يكن ذلك غائبا عن أحد من القراء والمعلقين‏,‏ ولكنهم تجاهلوه‏,‏ ولم يتجاهلوا ذلك فقط‏,‏ بل إنهم لم يدركوا أبدا إن كافة التجاوزات‏,‏ والانتهاكات‏,‏ بل حتي تزوير الصناديق جري إدراكه‏,‏ وذكره‏,‏ والتعامل معه‏,‏ من قبل اللجنة العليا للانتخابات والجهاز القضائي المصري وفقا للقانون‏.‏ هذه المخالفات كلها ذكرها القراء والكتاب واحدة بعد أخري وبتفصيل كبير علي سبيل البرهنة والدليل‏,‏ ولكن الغائب دائما والمسكوت عنه كان العدد الكلي للدوائر‏,‏ والعدد الكلي للصناديق الانتخابية‏,‏ وما تم إلغاؤه من دوائر انتخابية‏,‏ وموقع عدد حوادث العنف والتجاوز والتزوير مقارنة بالانتخابات المصرية السابقة منذ عام‏1924‏ حتي اليوم في مقارنة لا يستقيم قبلها أو بعدها ميزان‏.‏ وببساطة فإن الرسائل والمقالات تجاهلت وضع الأمور في نصابها الصحيح في بلد نام لم يعرف رغم كل ما يشاع الكثير من التقاليد الديمقراطية التي تجعله يتصرف في الانتخابات العامة بنفس الطريقة التي يتصرف بها أهل سويسرا أو هولندا أو حتي تركيا‏.‏
قرائي الأعزاء‏,‏ وزملائي الأعزاء أيضا تجاهلوا كل ذلك‏,‏ وبات مطلوبا من الكاتب أن يكون جزءا من التفكير الجماعي الذي لا يتجاهل ذلك كله فقط‏,‏ ولكنه لا يرد في ذهنه ولو لمرة واحدة فقط طرح نفس النوعية من التقييم علي الأحزاب المشاركة في الانتخابات التي ارتكبت أخطاء وخطايا فادحة‏.‏ وفي الحقيقة‏,‏ فإن ذلك يثبت سلامة موقفي منذ وقت بعيد داخل الحزب الوطني الديمقراطي وخارجه في أن الرقابة الخارجية علي الانتخابات كانت هي التي سوف تنقذ مصر‏,‏ والحزب الوطني الديمقراطي خاصة‏,‏ من كل هذه البلبلة حول نزاهة الانتخابات لأن هذه الرقابة تجري كما حدث في بلدان أخري كثيرة بما فيها الولايات المتحدة والدول الغربية بالمناسبة وفق قواعد علمية لا تستبعد أرقاما‏,‏ ولا تقتل تاريخا‏,‏ ولا تستسلم للظواهر الجماهيرية‏,‏ ولا تقع ضحايا للتفكير الجماعي‏,‏ وتخرج الحقيقة بعد ذلك في سياقها وحجمها الصحيح‏.‏ ولكن الحزب الوطني الديمقراطي‏,‏ ومعه بقية الأحزاب الأخري‏,‏ كانوا حريصين علي السيادة المصرية‏,‏ أكثر من حرصهم علي حماية مصر من البلبلة الدورية التي تجري مع كل انتخابات وترفع الحرارة السياسية في البلاد إلي درجة تمنع التوافق علي سياسات مهمة لمستقبل الوطن‏.‏
المدهش في الأمر أن المحافظين بشدة علي السيادة الوطنية لم يزعجهم أبدا الاعتداء علي العفة الكروية المصرية عندما باتت ظاهرة الاستعانة بالحكام الأجانب تقترب من أن تكون هي الأصل بعد أن كانت الاستثناء‏.‏ فقد كان من المعتاد الاستعانة بالتحكيم الأجنبي لإدارة مباراة القمة بين الأهلي والزمالك‏,‏ وفي أحيان أخري يكون الطرف الآخر هو النادي الإسماعيلي سواء في مسابقة الدوري الممتاز أو كأس مصر‏,‏ ثم انضم إليها أطراف أخري في المواجهات الفاصلة مثل الأندية الصاعدة إنبي وطلائع الجيش وحرس الحدود تفاديا لحدوث أي مشكلات‏,‏ حتي لا يتم التشكيك في صحة نتيجة المباراة‏.‏ لكن اللافت للنظر أن بعض الأندية المحلية طالبت بحكام أجانب لإدارة مبارياتها سواء مع النادي الأهلي أو غيره من الأندية العادية‏,‏ لدرجة أن البعض اعتبرها موضة جديدة‏,‏ حيث تزايدت طلبات الأندية للاتحاد المصري لكرة القدم بإرسال طلبات إلي الاتحادات الأوروبية سواء إلي أسبانيا وإيطاليا وألمانيا وسويسرا وفرنسا وبلجيكا لترشيح حكام‏.‏
ورغم أنه لا يتوافر إحصاء يمكن الاعتماد عليه للتعرف علي مدي الاستعانة بالحكام الأجانب خلال العام‏2010‏ فإن المتابعة الدقيقة لجدول مباريات الدوري العام‏,‏ والكأس‏,‏ سوف تكشف الحقيقة المرة التي لم يجد فيها أحد غضاضة لأسباب معروفة للحفاظ علي الأمن العام أو لمجرد الحفاظ علي نزاهة المباريات الرياضية‏.‏ وكانت الحال كذلك أيضا فيما يخص عمليات اقتصادية قبلت فيها مصر التحكيم أمام محاكم أجنبية لضمان العدالة والتأكد من النزاهة والعفة الاقتصادية بذات القدر الذي يجري فيه الحفاظ علي الشرف الكروي‏.‏
وفي يقيني أن الحزب الوطني الديمقراطي كان سيخرج مرفوع الراية في حالة المتابعة الأجنبية للانتخابات العامة لأن مشهد الأحزاب السياسية كان واهنا بصفة عامة‏,‏ ودخلت الانتخابات كما لو أنها لم تكن تعرف بحدوثها من الأصل‏.‏ والمرجح أن الحالة الحالية من الغضب الشديد لدي الأحزاب‏,‏ والضوضاء الإعلامية حول تزوير الانتخابات تجري بمثل هذا الحماس للتغطية علي الأخطاء الفادحة التي وقعت فيها الأحزاب السياسية وقياداتها‏,‏ ولتفادي ما هو واجب عليها من ضرورة الإصلاح الجذري الذي سار عليه الحزب الوطني الديمقراطي الذي فعل من قواعده الحزبية وجذب الشباب إليه‏,‏ وجعل جماهيره أكثر معرفة بالمستقبل الذي يقودهم إليه الحزب من خلال برنامج واضح يمكن القياس والمراجعة عليه‏.‏
وفي مقال آخر بالأهرام صيد سمكة القرش تناولت حالة جماعة الإخوان المحظورة‏.‏ وهذه المرة فإن الأحزاب السياسية الشرعية هي موضوعنا‏,‏ وموضوع أسفنا أيضا لأنه كان منوطا بها أن تقيم النظام السياسي المصري علي قدميه ما بين الحكومة والمعارضة والأغلبية والأقلية‏.‏ ووسط ذلك كله فإن لحزب الوفد مكانة خاصة بحكم التاريخ‏,‏ والقدرات المالية والإعلامية خاصة بعد قيادة الدكتور السيد البدوي له فضلا عن الاعتدال السياسي والخلفية الليبرالية الفكرية‏.‏ ولا أستبعد من الأمر بعدا شخصيا يميل إلي المسار التاريخي الليبرالي لحزب الوفد‏,‏ ووجود أصدقاء أعزاء فيه‏,‏ ولكن الحقيقة التي لا يمكن تجاهلها أن الحزب سار في منحني من التراجع رغم عودته المبشرة في مطلع الثمانينيات‏.‏
فقد حصل حزب الوفد في انتخابات‏1984‏ علي‏50‏ مقعدا‏,‏ وهي أعلي نسبة مقاعد يحصدها الحزب منذ العودة إلي التعددية الحزبية في منتصف السبعينيات‏,‏ ولم يكن ذلك عائدا إلي نشاطه وحيويته فقط بقدر ما عاد إلي تحالفه مع جماعة الإخوان المسلمين المحظورة قانونا‏,‏ ولم يكن هناك حزب إلي جانب الحزب الوطني الديمقراطي يحظي بتمثيل في هذا البرلمان‏.‏ وقد أدي التحالف الذي جمع الإخوان بالوفد إلي حدوث خلافات داخلية في الحزب نتيجة الفجوة الشاسعة في التصورات الفكرية والتوجهات السياسية لكل منهما‏,‏ فالوفد يؤمن بالدولة المدنية الحديثة وهو ما يتعارض مع الفكر الإخواني القائم علي الخلط بين الدين والدولة‏,‏ وهو ما أدي في مرحلة لاحقة إلي تفكك هذا التحالف‏,‏ ولكن الثمن كان شكا كبيرا لا يزال الحزب يعاني منه في مدي الإخلاص لمبادئ الوفد التاريخية‏.‏
وفي انتخابات‏1987‏ حصل حزب الوفد علي‏36‏ مقعدا‏,‏ وقاطع انتخابات‏1990‏ ثم دفع ثمن المقاطعة غاليا في انتخابات‏1995‏ حيث حصل علي ستة مقاعد‏.‏ وفي انتخابات‏2000‏ حصل الوفد علي سبعة مقاعد وفي انتخابات‏2005‏ حصل الحزب علي ستة مقاعد‏,‏ وأخيرا حصل علي ستة مقاعد في انتخابات‏2010‏ ومعني ذلك أن الحزب لم يخرج في الانتخابات الحالية علي نتائج تختلف عما اعتاد الحصول عليه في الانتخابات الثلاثة الأخيرة‏.‏
وربما كان ممكنا للحزب أن يخرج عن تقاليده في الانتخابات التشريعية‏,‏ ويرفع من عدد مقاعده في مجلس الشعب‏,‏ لولا وجود حالة من السيولة في الانتماءات للحزب حتي بين أبرز أعضائه‏.‏ وعلي سبيل المثال فقد انتمت الدكتورة مني مكرم عبيد رئيس لجنة الشئون الخارجية بحزب الوفد إلي الحزب فترة تصل إلي‏9‏ أعوام في عهد السيد فؤاد سراج الدين‏,‏ لكنها استقالت في عام‏1990‏ وخرجت عن إجماع الحزب ثم قدمت استقالتها لكي تحصل علي مقعد في مجلس الشعب في الدورة البرلمانية‏(1990‏ 1995)‏ ضمن العشرة الذين يعينهم رئيس الجمهورية‏.‏ وفي نوفمبر‏2004‏ وبعد أن خرجت من قائمة التعيين في مجلس الشعب‏,‏ وجدت لنفسها مسارا آخر تحت راية حزب الغد‏,‏ وانتخبت الدكتورة مني مكرم عبيد سكرتيرا عاما للحزب وترأست الحزب بعد إلقاء القبض علي رئيسه الدكتور أيمن نور‏,‏ ثم استقالت من منصبها في مايو‏2005‏ وانضمت إخيرا إلي حزب الوفد‏,‏ حيث ترشحت علي قائمته في الانتخابات علي مقعد الكوتا في دائرة القليوبية‏,‏ رغم أنها تترشح دوما في دائرة شبرا‏.‏ مثل هذه الدورة بين الأحزاب والمواقع لم تكن لتقنع كثيرا ناخبين جددا يفشل المرشح أو المرشحة أمامهم في التعرف علي أسماء القري والمراكز التي سوف يمثلها في البرلمان‏.‏ وكان ذلك حادثا في مواجهة مرشحين متمرسين في معرفة أبعاد الدائرة وعائلاتها وأركانها الاقتصادية والاجتماعية وجرت لهم استطلاعات للرأي العام كانت تعرف توجهات الناخبين شارعا بعد شارع‏,‏ وأكثر من ذلك كان لديهم برنامج تفصيلي ليس فقط علي المستوي القومي‏,‏ وإنما أكثر من ذلك تفصيلا علي المستوي المحلي‏.‏
والحقيقة أن خطأ كبيرا حدث من قيادة حزب الوفد عندما بدت متعجلة للغاية في حشد أعداد كبيرة من الشخصيات لم يكن لهم صلات مباشرة بالحزب قبل وقت قريب‏.‏ فبعد يوم واحد من تقديم الاستقالة من عضوية ومنصب الأمين العام لحزب الجبهة الديمقراطية‏,‏ انضمت السيدة مارجريت عازر إلي حزب الوفد في نوفمبر‏2010‏ وذلك علي خلفية التباينات الحادة التي نشبت داخل الحزب بين الدكتور أسامة الغزالي حرب رئيس الحزب‏,‏ وتيار الإصلاح الذي تقدمته السكرتير العام مارجريت عازر‏.‏ فضلا عن ذلك‏,‏ بدت أن هناك حملة لانضمام عدد من الفنانين والرياضيين والمثقفين للوفد دون أن يتوافر لديهم اهتمام كاف سواء بمبادئ الوفد أو هموم السياسة أو آليات التواصل مع الجماهير‏.‏
وربما لم يكن سرا علي أحد أن السيدة الفاضلة والممثلة القديرة سميرة أحمد قد ألمحت إلي الحزب الوطني الديمقراطي لترشيحها في الانتخابات‏,‏ وبعد أن حصلت علي اعتذار رقيق بأن الحزب كان له أسلوبه الديمقراطي في اختيار مرشحيه يقوم علي الانتخابات التمهيدية واستطلاعات الرأي العام والمجمع الانتخابي وهو ما لم يحدث في أي من الأحزاب الأخري فإنها تحولت إلي حزب الوفد لكي يتم ترشيحها في دائرة تبعد تماما عن موطنها السكني‏,‏ ونشاطها الاجتماعي‏,‏ فضلا عن أنه لم يكن لديها نشاط سياسي يزيد علي ما كان موجودا في أفلامها المتميزة‏.‏ وبلغ التعجل بالحزب مبلغه أنه أعلن عن تقدمه بترشيح‏222‏ مرشحا للانتخابات للتدليل علي اتساع نطاق التأثير للحزب وقدراته التنظيمية‏,‏ وإذا بالواقع الفعلي الذي أعلنته اللجنة العليا للانتخابات في النهاية أن عدد المرشحين عن الحزب العريق أصبح فجأة‏186‏ مرشحا‏.‏
والحقيقة أن ثمة تفسيرات عديدة للخسارة الكبيرة التي منيت بها الأحزاب المدنية في انتخابات مجلس الشعب الأخيرة لاسيما حزب الوفد‏.‏
أولها‏,‏ عدم التحضير الجيد للانتخابات من خلال الاستعداد المبكر لها ودراسة طبيعة وظروف الدوائر التي تقدم مرشحو الأحزاب للترشيح فيها من خلال إجراء استطلاعات رأي‏,‏ علي سبيل المثال‏,‏ وتبين فرص المرشحين في الفوز في هذه الدوائر علي عكس ما قام به الحزب الوطني‏.‏ وقد كان تقدم بعض المرشحين علي قائمة العديد من الأحزاب في دوائر غير التي يقطنونها سببا مهما فيما آلت إليه نتائج الانتخابات‏,‏ علي نحو ما يتضح جليا في حالة الأستاذ منير فخري عبد النور الذي ترشح في دائرة جرجا‏,‏ وكان يفترض ترشحه في الدائرة التي مثلها ويعرفها جيدا وهي دائرة الوايلي‏.‏
وثانيها‏,‏ الخلافات العميقة التي تعصف ببعض هذه الأحزاب وعلي رأسها حزب الوفد‏,‏ خصوصا في ظل افتقاده الشخصية الكاريزمية التي تستطيع جمع كل الأجنحة والتيارات داخل الحزب تحت لوائها‏.‏ فعلي سبيل المثال‏,‏ لم يؤد الفوز الذي حققه الدكتور السيد البدوي في انتخابات رئاسة الحزب التي جرت في مايو‏2010,‏ علي رئيس الحزب السابق محمود أباظة‏,‏ إلي تقليص حدة الخلافات داخل الحزب‏,‏ إذ سرعان ما نشبت الخلافات مرة أخري بين جبهة الدكتور البدوي وجبهة محمود أباظة‏,‏ حول تعديل لائحة الحزب التي طالب بها الدكتور البدوي‏,‏ حيث أكد أن التعديلات التي أدخلت عليها في عام‏2006‏ لم تكن كافية‏.‏
وثالثها أن هذه الأحزاب‏,‏ بما فيها حزب الوفد‏,‏ لم تميز ما بين النجومية الإعلامية التي يمكن أن تتمتع بها ممثلة قديرة مثل السيدة سميرة أحمد‏,‏ أو لاعب ماهر وإعلامي قدير مثل طاهر أبوزيد‏,‏ والقدرة علي خدمة دائرة بعينها فكان الفشل حليفهما‏.‏ ورابعها أن الأحزاب المدنية‏,‏ لم يكن لديها إدراك كامل بالطبيعة المحلية والإقليمية للانتخابات التشريعية بمعني أن لها علاقة مباشرة بمشاكل وقضايا وتركيبات اجتماعية واقتصادية لصيقة بالدائرة الانتخابية‏.‏ وقد ساهم الإعلام الخاص والمستقل والناطق باللغة العربية من محطات عربية أو أجنبية في هذا الفهم الخاطئ للانتخابات‏,‏ فمادام للمرشح حيثية في برامج المساء‏,‏ وماهرا في الحديث عن الفساد وزيادة الأسعار وغياب دور مصر الإقليمي‏,‏ فإنه لا بد بالضرورة سوف يحصل علي شعبية طاغية في دائرته الانتخابية التي كان عليها في كل الأحوال أن تطرح علي نفسها السؤال‏:‏ هل هي من حيث المدارس والمستشفيات والبنية الأساسية أفضل حالا مما كانت عليه منذ خمس سنوات أم لا‏,‏ وهل يستطيع هذا المرشح أو ذاك أن يعطيها ما هو أفضل؟
هذه كلمة أخيرة بالنسبة للانتخابات العامة الأخيرة‏,‏ ولكنها بالتأكيد ليست كلمة أخيرة في إصلاح السياسة المصرية التي تحتاج كلها لمراجعة تخص الأحزاب السياسية بما فيها الحزب الوطني حتي بما فيها حركة الإخوان المسلمين‏.‏ ولكن حتي تكون هذه المراجعة مجدية فإننا نحتاج قدرا كبيرا من الشجاعة حتي نخرج علي القوالب المحفوظة للسياسة المصرية‏.‏ وهذا حديث سوف يطول والكلمة الأخيرة فيه لا تزال بعيدة‏!.‏
[email protected]
المزيد من مقالات د.عبد المنعم سعيد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.