اليوم يوم راحة من الدعاية الانتخابية فوفقا للقانون فإن كل أنشطة الدعاية الانتخابية للأحزاب والمرشحين تنتهي اليوم أي قبل24 ساعة من الانتخابات. والهدف من ذلك هو إعطاء الناخب الفرصة للتأهل والتفكير في هدوء فيما يتعرض له من دعاية انتخابية ويتخذ قراره بشأن المرشح الذي سوف يصوت له. والتصويت في الانتخابات العامة هو شكل من أشكال الممارسة السياسية هو أحد حقوق الإنسان, وتختلف النظم القانونية في النظر إلي موضوع التصويت وهل هو حق أم واجب؟ فإذا نظرنا إليه علي أنه حق فردي فإنه يترتب علي ذلك أن يجوز للإنسان أن يمارسه أو لا يمارسه فهو باعتباره حقا يكون من الطبيعي أن يكون لكل شخص حرية القيام به أم لا. فالحق بحكم التعريف هو أمر شخصي ولا يجوز للسلطة العامة التدخل لفرض ممارسته علي الإنسان. أما إذا نظرنا إليه علي أنه واجب وطني يتعلق بالانتماء السياسي فإنه يصبح التزاما قانونيا يترتب علي عدم ممارسته العقاب. وعموما فإن الدول الديمقراطية العريقة تتعامل مع التصويت باعتباره حقا فرديا أما الدول النامية وحديثة الاستقلال فكثير منها يعتبره واجبا ملزما وإن كانت تتراخي في إلحاق العقاب بمن لا يذهب للتصويت, ومن هذه الدول مصر. وبغض النظر عما إذا كان التصويت حقا فرديا أو واجبا وطنيا فالأمر المؤكد أن تبلور هذا الحق في النظم القانونية والسياسية هو تطور حديث في التاريخ البشري ولم يكن معروفا علي النحو المطبق به الآن قبل بداية القرن العشرين, ففي الحضارات القديمة لم تكن فكرة مشاركة المواطنين في الانتخابات أمرا واردا لأنه لم يكن هناك انتخابات أصلا وكان انتقال السلطة يتم سلميا بالوراثة بين أفراد الأسرة الحاكمة أو بالقوة من خلال السيف والانقلاب المسلح. وعندما بدأت فكرة التصويت في الظهور لم تكن للجميع وإنما اقتصرت علي الأعيان والنبلاء وغيرهم من أصحاب الثروة كما اقتصرت علي الرجال دون النساء. وكان هناك نصاب مالي ينبغي توافره لدي المرء حتي يكتسب الحق في التصويت. وحسب دستور1866( أو كما اسمي اللائحة) فإنه اشترط ألا يكون الناخب من الفقراء المحتاجين ووضع الدستور نصابا ماليا ينبغي توافره في الناخب من حيث الضرائب التي يدفعها أو المرتب الذي يتقاضاه. ولم يكن هذا الوضع قاصرا علي مصر ففي انجلترا معقل الديمقراطية مارس أبناء الطبقة الوسطي الحق في التصويت مع اقرار الإصلاح الانتخابي عام.1832 وكان علي الطبقة العاملة الانتظار حتي نهاية القرن لتحصل علي نفس الحق. نفس الشيء حدث بالنسبة للمرأة فحق التصويت أقتصر علي الرجال في أغلب الدول الأوروبية طول القرن التاسع عشر وفي مطلع القرن العشرين لم يكن هناك سوي6 دول فقط التي أعطت حق التصويت للنساء. وفي مصر استمر حق التصويت مقصورا علي الرجال في دستور1923, وكان أول دستور يعطي للمرأة حي الانتخاب والترشح للبرلمان هو دستور1956 بعد قيام الثورة وإعلان الجمهورية. ومما تقدم يظهر أن حق التصويت ليس من الأمور التي مارسها الناس طول تاريخهم أو في كل الدول بل إنه ثمرة جهاد وكفاح من أجل المساواة. وأسهمت الثورات الديمقراطية الكبري في التاريخ الحديث وهي الانجليزية والأمريكية والفرنسية في دعم الاتجاه نحو كفالة حق التصويت لكل إنسان, وهو ما يشار إليه بتعبير رجل احد صوت واحد بمعني المساواة بين البشر في الحقوق السياسية بغض النظر عن التفاوت في الثروة والتعليم والسلطة وكذلك بغض النظر عن اللون والنوع والدين. حق التصويت إذن هو انجاز بشري وانساني هائل ينبغي أن يفهمه أكبر عدد من الناس... من الرجال والسيدات. وأن يدركوا أبعاده ومراميه فهو أولا يؤكد معني المساواة بين الناس وهو ثانيا تطبيق لمبدأ المواطنة التي تجمع أبناء الوطن الواحد وهو ثالثا ممارسة لمفهوم مشاركة الشعب في اختيار نوابه الذي بدونه لا توجد ديمقراطية أو نظام ديمقراطي. هذا هو أصل حق التصويت الذي يمارسه المصريون اليوم في انتخابات مجلس الشعب2010 الذي نتطلع لأن تكون خطوة إضافية علي طريق تكريس التطور الديمقراطي والمنافسة السلمية والتعددية الحزبية في بلادنا.