عقود طويلة مرت علي وجود قاعدة أنجيرليك في فضاء أضنة جنوب شر ق الاناضول, ولا ينتظر في الامد المنظور أن يبحث القائمون عليها وكذا الدولة التي تحتضنها عن مكان آخر لها. إلا أن الأمر لا يمنع من جدل يثار حولها بين الحين والآخر خصوصا مع الازمات الاقليمية والدولية والتي تكون فيها الولاياتالمتحدة وهي كذلك دائما طرفا فيها, ورغم حميمية العلاقات بين أنقرة وواشنطن إلا أن العاصمتين سبق واصطدما أكثر من مرة لتعارض الرؤي بينهما وتباين مصالحها, حيال الأهداف المفترض أن تقوم بها تلك الثكنة العسكرية الاستراتيجية المهمة, وتأسيسا علي ذلك كانت ومازالت القاعدة موضع مساومات بين البلدين ومن أكثر المعضلات التي واجهت الدولتان في هذا الصدد الشأن العراقي وتداعياته بدءا من غزو الكويت مرورا بحرب الخليج الثانية, وإنتهاء بسقوط البعث وإحتلال العراق نفسه ولأن الأخير جار وشريك في حدود طويلة فقد سعي أهل الحل والعقد في الاناضول إلي تجنب إستخدام قاعدة إنجريليك ليس حرصا علي نظام صدام حسين في حد ذاته وإنما في تجارة متخمة بالمليارات حتي وأن كان يعد إقتصادا موازيا فهو في النهاية قد خفف من الضغوط علي الحكومات المتعاقبة والتي تضررت بشكل بالغ من الحصار الذي فرض علي هذا البلد فضلا عن الدواعي الأمنية ومواجهة الاكراد الانفصاليين الذين كانوا ومازالوا من شمال العراق. لكن في هذه الايام تعيش النخبة جدلا في قضية أخري ليست مفصولة عن إنجيرليك بيد أنها تتعلق أيضا بحلف الاطلنطي بوجه عام والولاياتالمتحدة بشكل خاص, والأهم من هذا وذاك سيادة القرار التركي في ثوبه الاردوغاني, وهذا هو بيت القصيد, وتتمثل في نصب درع صاروخية علي الاراضي التركية, الهدف منه حماية اليونان وبلغاريا ورومانيا من أي جنون محتمل يقوم به الكوريون الشماليون والأهم صد صواريخ شهاب الايرانية, وهذا هو الفارق الجديد فمعضلة الجوار انتقلت من بغداد إلي طهران التي باتت لا تقل أهمية عن الهلال الخصيب خصوصا في السنوات الأخيرة, تلك الأهمية التي أكتسبت مزيدا من الزخم مع إعتلاء حزب العدالة والتنمية الحكم قبل سبع سنوات وتنامي التوجهات الدينية التي باتت تغلف أداء السياسة الخارجية لوريثة الامبراطورية العثمانية, هذا الاداء الذي أعلن عن برفضه إقامة نظام دفاعي يستهدف دولا أخري ولا سيما الجارة الفارسية, وفي المقابل يري ضرورة تقييم التهديدات في إطار المفاهيم العالقة بالأسلحة النووية أن وجدت والإرهابيين وليس علي أساس الدول ونظم حكمها. وفي سياق التسخين وتصعيد العداء ضد الغرب إجمالا وإستثمار عواطف البسطاء المتحفزين أصلا ضد كل ما هو أمريكي, طالب نعمان كورتولموش رئيس صوت الشعب أحد الأحزاب الجديدة ذات الايديولوجية الدينية, والوجه الاسلامي البازغ والمنافس لاردوغان, الحكومة بالتوجه إلي الاستفتاء الشعبي بشأن نشر الدرع الصاروخي من عدمه, ومضي كورتولموش قائلا يكفي البلاد بقاعدة انجيرليك النموذج الحي علي المشاريع الامبريالية الهدامة في الاناضول, مؤكدا ان حل الاطلنطي يعمل كمؤسسة تابعة لوزارة الخارجية الامريكية! هذا هو الوجه الأول من العملة, أما وجهها الآخر فيتعلق بالدولة العبرية, فطبقا للمعلومات التي تواترت خلال الايام الماضية, طلبت انقرة ضمانة بالأ يتم تسليم أية معلومات تتلقاها المنظومة الصاروخية إلي دول ليست عضوا في حلف شمال الاطلنطي( الناتو) والاشارة واضحة الا وهي إسرائيل الطريف أن العاصمة التركية وهي تبدي مخاوفها من الدرع الصاروخية وأن الاخير يمكن أن يضر علاقاتها المتنامية بروسيا الاتحادية إلا أن القمة الاخيرة التي عقدها الرئيس الفرنسي نيكولاي ساركوزي والمستشارة الألمانية وضمت الرئيس الروسي ميدفيديف دعمت المنظومة الدفاعية ضد إيران أمام التبريرات والحجج التي ساقها رجب طيب أروغان لم يخف قادة القارة الأوروبية العجوز ومعهم الولاياتالمتحدة تحفظهم, وطالبوا الساسة الاتراك بمراعاة التزاماتهم حيال الناتو, وداخل تركيا نفسها, راح محللون, وقد هالهم إنحراف بلادهم وإنجرافها في عكس ما كانت تسير فيه منذ ميلاد الجمهورية, يوجهون انتقادات إلي الحكومة مطالبين إياها باتخاذ قرارات تصب في صالح البلاد, وعليها الا تنسي أنها كانت الصوت الوحيد الذي اعترض علي إختيار رئيس الوزراء الدنماركي رسمواسن الامين الحالي لحلف الاطلنطي علي خلفية الرسوم المسيئة للاسلام والمسلمين, وهو ما شكل آنذاك صدمة لكل المسئولين الاوروبيين بلا استثناء ومن ثم عليها تصحيح الامر خاصة وأن الموقف الذي ستتخذه حيال مشروع الدرع الصاروخية سيكون له أهمية كبيرة في تشكيل النظرة الغربية لتركيا مستقبلا. وفي الغالب ستوافق أنقرة في القمة التي ستختتم أعمالها اليوم بالعاصمة البرتغالية لشبونة علي نصب هذه المنظومة الدفاعية, ولا بأس من تلبية بعض الشروط كعدم الإعلان عن انها موجهة ضد صواريخ إيرانية أو سورية, وإستمرار أعمال قاعدة ازمير المطلة علي بحر ايجه وهو ما يعني سحب طلب إدارة الرئيس الامريكي أوباما التي أرادت غلقها ترشيدا لنفقات الحلف ومحاولة تقليصها للحد الادني, وفي إطار المساومات ذاتها البحث في إمكانية تخفيض اسعار فاتورة شراء صواريخ باترويت متوسطة المدي بمقدار مليار دولار إلي آخره من التفاصيل, أما المضمون فالدرع سيدشن في النهاية...