كثيرة هي الوفود العراقية التي جاءت إلي العاصمة التركية وذهبت جميعها عائدة من حيث أتت, في المقابل لم يمنع القيظ الاستثنائي الذي سيطر علي فضاء البلاد, القائمين علي الدبلوماسية التركية من مواصلة قراءة حصيلة المناقشات المكثفة التي جرت مع المسئولين العراقيين, في محاولة لرسم سيناريو للمرحلة المقبلة وكيفية التعامل مع الجار المهم والتطورات التي يمر بها خاصة مع تصاعد آلية العنف, وجل اهتمام تركيا هو تشكيل حكومة جديدة معها يعاد طرح الملفات العالقة خصوصا الامنية من جانب ومعضلة شمال العراق الحاضن للنزعات الانفصالية التي تهدد وحدة الاناضول. صحيح لم تخرج أي تصريحات يفهم منها موقف رسمي محدد حيال نوري المالكي, وها هو الرئيس عبد الله جول يؤكد في كل لقاءاته مع القادمين من بغداد كان آخرها مباحثاته مع الجعفري التزام بلاده بعدم التدخل في الشأن الداخلي للعراق, إلا أن مايدور في الأروقة يشير الي رغبة تركية حقيقية في أن يكون إياد علاوي هو رئيس الوزراء العراقي الجديد, لانه أكثر تفهما لهواجس ومخاوف تركيا, والمهتمون بالملف العراقي يسوقون العديد من الاسباب وهي كثيرة منها علي سبيل المثال لا الحصر أن ائتلافه بني من وجهة نظر أنقرة علي قاعدة عريضة, شملت الجبهة التركمانية ومجموعة اسامة النجيفي في الموصل, والاهم من ذلك وجود النائب الاول لرئيس الجمهورية طارق الهاشمي في القائمة العراقية وليس خافيا الجهد الذي قام به الاتراك من وراء الكواليس لاقناع الأخير بالابتعاد عن البعثيين وقطع صلته بهم تماما والانخراط في صفوف العراقية وهو ما تحقق في نهاية الأمر. وتأسيسا علي ما سبق وبالعودة إلي نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة طرأ تحسن مهم علي وضع التركمان, امتداد العرق التركي, وذلك بزيادة ثقلهم في الحياة السياسية والذي تمثل في تمثيلهم بالبرلمان العراقي الجديد مقارنة بالسابق وهذا التطور لم يكن ليحدث بدون التنسيق بين أنقرة ورموز التركمان العراقيين وفاعليات القائمة العراقية, فضلا عن ذلك ترك هذا المتغير عددا من التأثيرات الايجابية علي الملف الشائك الخاص بإقليم كركوك فقد تراجع التحالف الكردي في الموصل مقابل تقدم تحالف العرب والتركمان والفوز بمقاعد متساوية مع الاكراد في مدينة كركوك وهذه النتيجة أضعفت إلي حد ما ربط كركوك اداريا بالادارة المحلية الكردية في شمال العراق, لكل هذا تأمل تركيا في حكومة متجانسة وليت يكون علي رأسها اياد علاوي. علي صعيد آخر متصل بدور تركيا إجمالا في العراق, واستعدادا للانسحاب الامريكي التدريجي من العراق اجرت أنقرةوواشنطن مباحثات مكثفة لوضع اللمسات الاخيرة لما هو مطلوب من العاصمة التركية أن تفعله لتسهيل اليات خروج جانب من القوات الأمريكية عبر أراضيها, وتأتي تلك المناقشات وسط أجواء ضبابية تكتنف العلاقات بين البلدين, علي خلفية التقارب التركي الايراني من جهة واستمرار الازمة مع اسرائيل من جهة ثانية, غير أن المراقبين السياسيين هنا في دوائر صنع القرار قللوا من تأثير تلك التوترات مؤكدين أن امريكا لا ترغب في عرقلة التعاون مع تركيا خصوصا في ظل المتغيرات الحاصلة بالفعل علي الساحة العراقية من جانب, والتطورات الدرامية في افغانستان وعلي أي حال يامل مهندسو السياسة الخارجية التركية في طرح نقاط التباين وسبل التغلب عليها في الاجتماع السياسي المشترك والذي سيبدأ بعد في واشنطن ويستمر يومين. ويخلص هؤلاء إلي نتيجة مؤداها أن الولاياتالمتحدةالامريكية لا يمكن لها التخلي عن دور تركيا المهم لانها تعلم جيدا المكانة السياسية والاستراتيجية للأناضول لجواره والشرق الاوسط وان امريكا تعلم جيدا بأنه لا يمكن ان تستمر الازمة التركية الاسرائيلية فهي حتما ستنتهي. وتوقع المحللون ألا تثير أنقرة عراقيل بشأن استخدام الولاياتالمتحدةالامريكية لقاعدة إنجرليك العسكرية في أضنة بالجنوب الشرقي لهضبة الاناضول أثناء عمليات الانسحاب وقالت مصادر إعلامية إن تركيا وافقت مبدئيا علي نقل معدات القوات الامريكية ما عدا عدم السماح لانتقال الاسلحة الثقيلة عبر تركيا, وطلب المسئولون الاتراك من الجانب الامريكي ضرورة ابلاغ أنقرة مسبقا واعداد قائمة بكل اللوازم المطلوب نقلها قبل وصولها من العراق الي قاعدة اينجرليك. وأشارت مصادر إلي أنه لا يوجد داع لاعداد اتفاقية جديدة بين تركيا وامريكا خاصة وان اتفاقيات التعاون الموقعة بين البلدين كافية في هذا الصدد, غير أن المصادر ذاتها قالت إنه بحال اصرار واشنطن علي نقل الاسلحة الثقيلة فالامر سيتطلب عقد اتفاقية جديدة ولن تمانع انقرة علي توقيعها.