أيام قليلة تفصل بين صدور قرار لمجلس الأمن رقم 1757 بتشكيل المحكمة الدولية الخاصة بمحاكمة قتلة رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، وانعقاد قمة مجموعة الدول الثماني الصناعية الكبري في مدينة هيليجندام الألمانية في الفترة من 6-8 يونيو 2007. لا توجد في الحقيقة علاقة مباشرة بين الحدثين. اللهم إلا أن حدوثهما المتزامن قد ركز الضوء علي الكيفية التي يعمل بها العالم الآن علي المستوي العولمي العابر للدول، من أول تحقيق العدالة في قضايا اغتيالات حدثت في بلد صغير مثل لبنان، إلي النظر في كيفية إدارة الاقتصاد العالمي، والتعامل مع مشاكل الدنيا الكبري وظواهرها التي تتلاشي عندها الحدود والحواجز بين الدول. في موضوع تشكيل المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الحريري وآخرين، يبرز مجلس الأمن كمؤسسة عالمية مسئولة عن الأمن والسلام الدوليين من خلال انفراده بسلطة فرض القانون وتحقيق العدالة، متخطيا بذلك سيادة الدول، بعد أن عجزت السلطات المحلية لظروف سياسية وعملية عن محاكمة مرتكبي هذه الجرائم فضلا عن القبض علي المخططين لها والمحرضين عليها. والمدهش أن الجدل الطويل الذي دار حول موضوع المحكمة في داخل لبنان وخارجها، لم يمنع في النهاية من صدور القرار بأغلبية عشرة أصوات وامتناع خمسة عن التصويت، من بينها روسيا والصين اللتان امتنعتا عن استخدام حق الفيتو لمنع صدور القرار. أما الموضوع الثاني والخاص باجتماع قمة مجموعة الدول الثماني الصناعية الكبري، أو "الجي-8" كما يطلقون عليها، فيشير إلي مؤسسة أخري مهمة تعمل بجانب مجلس الأمن في عملية إدارة العالم ولكن من خارج إطار الأممالمتحدة. وعادة لا تُلقي خطب عصماء في قمة مجموعة الثماني، ولا يُمارس فيها حق الفيتو، ولكن يُنظر إلي العالم من خلال هذه المجموعة الخاصة والغنية كوحدة ديناميكية يتفاعل فيها الاقتصاد مع البشر مع البيئة مع التاريخ في مسيرة تتصاعد فيها وتكبر وتيرة العمليات الكبري العابرة للحدود والشعوب أو "العولمة" بتعبير آخر. وفي داخل مؤتمرات قمة مجموعة الثماني يدور عادة حوار من نوع خاص بين عدد محدود من الدول الغنية ذات النصيب الأكبر من الإنتاج العالمي، حيث يتغلب الجانب النفعي علي الجانب القانوني، ويسعي الحوار في النهاية إلي تحقيق مزيد من الكفاءة لعملية قيادة العالم نحو المستقبل. وباختصار تعمل مجموعة الثماني كمجلس للوردات العالم، في حين تعمل الجمعية العامة للأمم المتحدة كمجلس للعموم، أما مجلس الأمن فيجمع بين الصفتين: حق القوة في القيادة، وقوة الحق في إعمال القانون الدولي وفرض الشرعية الدولية. ومن المعلوم أن هذه المؤسسات بصورها المختلفة والمتخصصة في إدارة العالم من أول الأممالمتحدة إلي مجموعة الدول الثماني لم يكن لها وجود قبل الحرب العالمية الثانية، فقد كانت الدولة هي كل شئ ولا شئ يعلو عليها، ولكن حركة التاريخ والتقدم التكنولوجي وتشابك العلاقات بين الدول وزيادة الاعتماد المتبادل بينها خلقت أدوات جديدة فوق مستوي الدولة لإدارة العالم، وجعله يعمل بطريقة أفضل حتي لو تمرد علي تلك الحقيقة دول وجماعات. وفي هذه المقالة سوف نركز علي مجموعة الدول الثماني ومؤتمرها القادم في ألمانيا بوصفها أداة مهمة في منظومة الإدارة العالمية، وعلي كيفية تطورها منذ النشأة حتي وصولها إلي وضعها الحالي. والعامل الأساسي وراء ظهور هذه المجموعة يجمع بين الاقتصاد والسياسة والرغبة في الارتفاع بكفاءة القيادة علي المستوي العالمي. والهدف الرئيسي وراء ذلك توسيع السوق، وتحرير التجارة، وهي أهداف لا يتكلم عنها الناس كثيرا لكنها في حقيقة الأمر تمثل المحركات الأساسية في تطور تاريخ العالم، وأمور الحرب والسلام، وصعود الإمبراطوريات وسقوطها. وكل ما تحقق مؤخرا بعد سقوط الاتحاد السوفييتي من توسع الاتحاد الأوروبي، وتمدد حلف الناتو، وحتي أحداث 11 سبتمبر وحروب أفغانستان والعراق يراها البعض من منظور اقتصادي بحت كأحد مظاهر السعي "الطبيعي" و "المخطط" لتوسيع السوق وتحرير التجارة ودفع النمو العالمي في زمن ارتفعت فيه إنتاجية السلع والمعلومات إلي مستويات فلكية. لقد ظهرت فكرة تكوين المجموعة بعد أزمة الطاقة العالمية في أعقاب حرب أكتوبر 1973، وبدأت بست دول فقط هي: فرنسا وبريطانيا وأمريكا وألمانيا وإيطاليا واليابان، اجتمعوا لأول مرة في نوفمبر 1975 في مدينة "رامبوييه" بفرنسا. وفي السنة التالية، انضمت كندا لتصبح الدولة السابعة، ويصبح اسم المجموعة مجموعة الدول السبع. ولقد دُعيت روسيا في البداية سنة 1991 لحوار مع الدول الأعضاء بعد انتهاء أعمال المؤتمر، وكانت تمر وقتها بفترة التحول من الاتحاد السوفييتي إلي روسيا الاتحادية. وظلت روسيا علي هامش المجموعة حتي أصبحت عضوا كاملا في مؤتمر برمنجهام سنة 1998، وبذلك تحول اسم المجموعة إلي مجموعة الثماني بدلا من مجموعة الدول السبع، أو (السبع + روسيا خلال مرحلة معينة). وحتي الآن هناك ملفات مقصورة علي الدول السبع فقط لا تحضر روسيا النقاش فيها، لأنها ربما اقتصاديا وسياسيا مازالت تفكر خارج السرب الغربي. ويحضر مؤتمرات مجموعة الثماني ممثل للاتحاد الأوروبي، ورئيس الدولة التي تتولي رئاسته خلال فترة انعقاد المؤتمر. ومع الوقت بدأ التفكير في دعوة عدد آخر من رؤساء الدول النامية طبقا لنوعية الموضوعات المطروحة، وعادة ما يتم اللقاء معهم عشية المؤتمر أو بعد انتهائه وقد بدأ هذا التقليد لأول مرة سنة 1989. والرئيس مبارك مدعو هذا العام لحضور المؤتمر في ألمانيا مع رؤساء نيجيريا والجزائر وجنوب إفريقيا والسنغال. والحكمة من هذا التقليد هي تخفيف النزعة الأرستقراطية عن المجموعة، وإعطاء فرصة لزعماء الدول النامية لعرض وجهات نظرهم في المشاكل العالمية وأيضا المشاكل التي تخص بلادهم والأقاليم التي ينتمون إليها. وقد ساعدت هذه اللقاءات في تغيير أجندة المجموعة من اقتصار البحث والنقاش علي المشاكل الكلية التي تواجه العالم، إلي المشاكل الإقليمية التي تخص كل إقليم علي حدة. وتقع في مقدمة اهتمامات مجموعة الثماني قضية النمو العالمي والمشاكل المرتبطة به، وانتشار الفقر في المناطق المختلفة من العالم والتي مازالت تحبو وراء العالم المتقدم فلا هي قادرة علي التعاطي معه بيعا أو شراء، ولا هي قادرة علي منع شرها بعيدا عنه بسبب الهجرة وتقدم وسائل النقل والاتصالات. والخبر الجيد أنه خلال العقود الثلاثة الماضية انضم إلي مجموعة العالم المتقدم دول كثيرة ومناطق شاسعة مثل منطقة جنوب شرق آسيا، ودول أوروبا الشرقية، ومجموعة الدول اللاتينية، حيث نجحت في أن تصبح جزءا من الاقتصاد العالمي، وفتحت حدودها للاستثمارات الأجنبية، وبدأت في تحمل مسئولياتها الإقليمية والعالمية بجانب الدول الكبري. وينعقد مؤتمر قمة مجموعة الثماني في مدينة "هيليجندام" الألمانية تحت عنوان "النمو والمسئولية" وهو عنوان يُعرف في داخله بامتياز دور الدولة في إطار العولمة. فعلي الدولة أن تضع النمو فوق كل الأهداف الأخري، والمقصود النمو الوطني والعالمي. وهناك من يعتقد أن النمو قادر علي حل المشاكل السياسية المعقدة وليس العكس، فكل أحقاد الماضي الأوروبي القديم والحديث ذابت في بحر رخاء الاتحاد الأوروبي الحالي. أما المسئولية فيجب أن تكون فرضا علي الجميع، الكبير والصغير، لأن التحديات العالمية لا يمكن التعاطي معها فقط بجهد الدول الغنية والقوية. وفي هذا الإطار سوف تحتوي أجندة قمة مجموعة الثماني علي قائمة طويلة تشمل: الاقتصاد العالمي وحرية التجارة، والبطالة، وشفافية الأسواق المالية، وحرية الاستثمار، وتغير المناخ، وحرية الإبداع والحقوق الفكرية. وسوف يبحث المؤتمر ملفا خاصا بإفريقيا يحتوي علي قضايا الإصلاح الاقتصادي والسياسي، والصحة ومكافحة مرض الإيدز، ودعم الاستثمار، وقضايا الأمن والسلام في القارة السوداء.