بعد أيام قليلة من اغتيال رفيق الحريري, طلبت زوجته السيدة نازك الحريري من السيد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله المساعدة في كشف غموض الحادث, واستجاب نصر الله. وأرسل بعض خبراء الحزب لفحص موقع الجريمة لكنه لم يستطع التوصل الي نتيجة محددة تفيد التحقيق, خاصة مع انطلاق الاتهامات ضد سوريا التي كانت تهيمن عسكريا وسياسيا علي لبنان في ذلك الوقت. بعد أكثر من خمس سنوات علي حادث الاغتيال, أعلن نصرالله أن لديه قرائن علي أن اسرائيل هي من قتل الحريري, الأمر الذي أثار تساؤلا مهما: لماذا صمت حزب الله طوال هذه السنوات وأخفي هذه المعلومات, ولماذا يعلنها الآن؟ لقد شهد لبنان مئات الاغتيالات, لكن اغتيال الحريري بكل ثقله السياسي والاقتصادي وعلاقاته العربية والدولية كان زلزالا قلب الأوضاع في لبنان رأسا علي عقب, وتحول الي لغز أشارت فيه أصابع الاتهام الي جهات عديدة منها سوريا واسرائيل وحزب الله وجماعات اصولية والمافيا, ولم يكن هناك بديل عن تشكيل لجنة تحقيق دولية لمحاولة الوصول الي الحقيقة, ولقي تشكيل هذه اللجنة معارضة كبيرة من بعض القوي اللبنانية الحليفة لسوريا وعلي رأسها حزب الله, لكن الضغط الشعبي والاهتمام الدولي أديا الي تشكيل اللجنة ثم صدور قرار من مجلس الأمن عام2007 بتشكيل محكمة دولية لمحاكمة قتلة الحريري. وحتي أوائل العام الماضي كانت الأغلبية في لبنان والعالم توجه أصابع الاتهام الي سوريا بسبب الخلافات التي كانت بين الحريري والنظام السوري وقت اغتياله, نتيجة شكوك سوريا بوقوف الحريري خلف قرار مجلس الأمن رقم1559 الذي دعا الي خروج الجيش السوري من لبنان, ومخاوف سوريا من تصاعد شعبية الحريري داخل لبنان متخطيا حدود الطائفة السنية. وفجأة كشفت مجلة دير شبيجل الألمانية عن قصة مختلفة لتفاصيل اغتيال الحريري, قالت فيها أنه تم تحديد أرقام ثمانية هواتف جوالة يشتبه في أنه تم استخدامها من قبل المجموعة التي قامت بالاغتيال, وإن المحققين اعتبروا أن تلك الهواتف الجوالة هي حلقة الجحيم الأولي, وتم شرائها جميعا في يوم واحد من مدينة طرابلس اللبنانية الشمالية. وقد دخلت تلك الهواتف الخدمة قبل ستة أسابيع من عملية الاغتيال, ولم يتم استخدامها إلا للاتصال فقط بين مستخدميهاعلي ألا يتم استخدامها بعد تنفيذ الهجوم. لكن وبحسب الصحيفة, كانت هناك حلقة جحيم ثانية, تتمثل في شبكة مؤلفة مما يقرب من20 هاتفا جوالا تم تحديدها علي مقربة من الهواتف الثمانية الأولي, وكان لافتا وجود مستخدمي تلك الهواتف الجوالة في كلتا المجموعتين بنفس الأماكن مرارا وتكرارا, كما أنهم كانوا يوجدون في بعض الأحيان علي مقربة من موقع الهجوم, ونجح المحققون في تحديد هوية أحد المشتبه فيهم بعد أن تحدث لمرة واحدة مع صديقته عبر أحد الهواتف الساخنة ويعتقد وفقا للمجلة أن هذا المشتبه فيه هو شخص يدعي عبد المجيد غملوش, وهو من بلدة رومين الواقعة في جنوب لبنان, وهو أحد أعضاء حزب الله الذي أتم برنامج تدريبه في إيران. كما اتضح أيضا أن غملوش هو من قام بشراء تلك الهواتف الجوالة, لكنه اختفي تماما عن الأنظار منذ ذلك الحين, وربما لم يعد علي قيد الحياة. ونفي حزب الله بشدة هذه الرواية, حتي سربت الصحف الاسرائيلية أخيرا ان قرار الاتهام الذي ستصدره لجنة التحقيق الدولية قبل نهاية العام الحالي يتضمن اسماء كوادر عسكرية من حزب الله, فجاء رد نصر الله بالاعلان عن القرائن الموجودة لديه والتي يتهم من خلالها اسرائيل باغتيال الحريري. لكن كثيرا من المحللين يرون ان الاتهامات المتبادلة بين حزب الله واسرائيل باغتيال الحريري هي جزء من الحرب بينهما, وأن الحقيقة لاتعلمها سوي المحكمة الدولية فقط, والتي طالبت الحكومة اللبنانية بتسليمها كل القرائن التي تحدث عنها نصرالله حتي تحقق فيها, وأن الهدف الحقيقي من تصعيد حزب الله لهذا الموضوع هو نسف المحكمة الدولية نفسها ومحاولة تعطيلها عن العمل تحت شعار أنه تم تسييسها, رغم أن هذه المحكمة تضم قضاة دوليين بنسبة ثلثي الأعضاء يعينهم الأمين العام للأمم المتحدة, وثلث الأعضاء لبنانيون ترشحهم الحكومة اللبنانية ويصادق علي ترشيحهم الأمين العام للأمم المتحدة, بالإضافة إلي أن المدعي العام دولي ونائبه من لبنان بترشيح من الحكومة اللبنانية. ولذلك يتوقع أن تتصاعد التصريحات حول المحكمة الدولية خلال الفترة المقبلة من جانب القوي اللبنانية المختلفة, تحسبا لصدور قرار الاتهام الذي قد يضم شخصيات لها صلة بهذه القوي, ولن يتوقف الجدل والاتهامات المتبادلة حتي تبدأ المحكمة جلساتها العلنية, التي قد تشهد مفاجآت مدوية تتجاوز كل التوقعات.