عندما وجد الشاب سعد الدين الحريري نفسه فجأة في قلب دوامة السياسة اللبنانية, وفي ظروف درامية نتيجة اغتيال والده رفيق الحريري رئيس وزراء لبنان الأسبق, شكك الكثيرون في المستقبل السياسي لهذا الشاب, الذي سيكمل عامه الأربعين خلال العام الحالي. لكن برغم الأزمة الكبيرة الناجمة عن جريمة الاغتيال علي المستويين العائلي والرسمي, وبرغم التداعيات والضغوط الكبيرة التي شهدها لبنان, نجح الحريري الابن في قيادة صفوف الأغلبية النيابية, وأن يؤكد وجوده وتفوقه الشعبي من خلال معركتين انتخابيتين عامي2005 و2009, وأن يتقدم لتشكيل أول حكومة له مصرا علي أن تكون حكومة وفاق وطني مهما طال الوقت, لتري النور بعد اكثر من اربعة اشهر من المفاوضات الشاقة التي اظهر خلالها الكثير من الصبر والقدرة علي التفاوض, وحظيت حكومته بثقة الاغلبية الكاسحة في البرلمان اللبناني(122 من بين128 نائبا) في اوائل ديسمبر الماضي, ليبدأ في فتح صفحة جديدة في التاريخ اللبناني مع الجميع في الداخل والخارج. وفي أول زيارة له الي القاهرة بعد توليه رئاسة الحكومة الجديدة, حرصنا علي أن نتعرف منه علي رؤيته لبعض التحديات التي تواجه لبنان والمنطقة العربية الآن. في البداية سألناه عن أهم نتائج زيارته الحالية للقاهرة خاصة أن مصر أكدت دائما قولا وعملا التزامها بدعم لبنان سياسيا واقتصاديا وتعميق أواصر التعاون معه؟ * سعد الحريري: لقد تشرفت بلقاء سيادة الرئيس محمد حسني مبارك, الذي لا يفوت أي فرصة معنا إلا ويعبر عن محبته للبنان ووقوفه الي جانبنا, وقلت إن سيادة الرئيس مبارك رمز كبير من رموز الحكمة العربية, وهو من موقعه في قيادة مصر, يشكل القاعدة الأساس في التضامن العربي, وسيادة الرئيس كعادته دائما عبر عن الوقوف مع لبنان قلبا وقالبا, كما عبر عن رفضه القاطع لكل من يهدد لبنان حكومة وأرضا وشعبا. لقد وقفت مصر مع لبنان في أصعب الظروف وهي لم تبخل عليه يوما في تقديم الدعم المادي والمعنوي والسياسي, ونحن ننظر الي مصر بصفتها الاخ الاكبر, المعني بقضايا اشقائه العرب, ولبنان من الدول التي عانت كثيرا, لا سيما من الاحتلال الاسرائيلي لكنها لم تجد من مصر ومن قيادتها وشعبها إلا الخير. كما اجتمعت مع الدكتور احمد نظيف رئيس مجلس الوزراء, وكان اجتماعا مثمرا واتفقنا علي عقد اللجنة العليا المشتركة بين لبنان ومصر في لبنان خلال الاشهر المقبلة, وبحثنا ايضا عدة اتفاقيات بين البلدين تمهيدا لإقرارها في اجتماع اللجنة إن شاء الله. ووضعنا عدة اهداف تتعلق بزيادة الاستثمارات اللبنانية في مصر وزيادة الاستثمارات المصرية في لبنان, وزيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين من500 مليون الي مليار دولار خلال سنتين, واعتقد اننا نستطيع تحقيق ذلك إن شاء الله ولابد من تطوير بعض القوانين في هذا السياق بالاضافة الي ان هناك انفتاحا سياسيا بتوجيه واضح وصريح من الرئيس مبارك, وتعاونا عسكريا إن شاء الله سيكون بين البلدين سواء في مجال التدريب او التجهيزات او تدريب الدفاع المدني اللبناني في مصر, وايضا بحثنا خطط مد لبنان بالكهرباء والغاز وكل الامور التي تحتاج لبنان اليها. بعض الزيارات الخارجية التي قمتم بها أخيرا جاءت في اطار إعادة ترتيب البيت العربي, كيف ترون سبل تعزيز العمل العربي المشترك قبيل أسابيع قليلة من موعد انعقاد القمة العربية الدورية؟ * سعد الحريري: لاشك ان بعض الامور في الصف العربي بحاجة الي استيعاب, وهناك أمور تؤثر علي العمل العربي, وكل طرف لديه مصالح ويتعامل طبقا لها, وهناك بعض الخلافات التي نأمل أن يتم حلها قبيل القمة العربية, خاصة بعد المصالحات التي تمت بين بعض الدول العربية أخيرا, سواء المصالحة السعودية السورية أو المصالحة اللبنانية السورية, لقد ذهبت إلي دمشق كرئيس لوزراء لبنان, وانطلاقا من صفتي هذه علي أن أفعل كل ما هو ممكن ومفيد لمصلحة لبنان, ولهذا فتحنا صفحة جديدة مع دمشق لإقامة علاقات مبنية علي الاحترام بين البلدين والشعبين وعلي المصالح المشتركة. ونحن نري ان السوق العربية المشتركة هي المدخل الصحيح لتعزيز العمل العربي المشترك. وكلما انفتح الاقتصاد العربي علي بعضه شكل قوة اقتصادية كبري, وهناك مصلحة كبيرة لكل الدول العربية في هذا الامر وزيادة التعاون الاقتصادي ستؤدي دائما الي تعزيز التعاون السياسي وستؤدي الي توحيد الصف العربي. رأينا أن التوحد والتضامن قد ميزا رد فعل اللبنانيين في مواجهة كارثة سقوط الطائرة الإثيوبية, فهل يمكن أن نري هذا الموقف في كل التحديات التي تواجه لبنان, خاصة أن الغالبية الساحقة من اللبنانيين ممثلون في حكومة الوحدة الوطنية التي قمتم بتشكيلها؟ * قال سعد الحريري: إن حادث سقوط هذه الطائرة كان مؤلما علي كل اللبنانيين خاصة أن عائلات كثيرة تأثرت بهذه الفاجعة, والحكومة اللبنانية بكل أجهزتها سواء كانت وزارات الدفاع أو الداخلية أو النقل أو الصحة قامت بواجبها فورا في تعاون تام, وكان ذلك أقل شئ ممكن أن نقوم به كحكومة, ونحن نستبعد أن يكون هناك عمل تخريبي وراء هذا الحادث وعموما فإن الصندوق الاسود هو الذي سيكشف حقيقة ما حدث. حفلت الأيام الأخيرة بإثارة العديد من القضايا المهمة دفعة واحدة, مثل انشاء هيئة لإلغاء الطائفية السياسية, وخفض سن الاقتراع بالانتخابات العامة, هل تري أن الظروف مهيأة الآن في لبنان لحسم هذه القضايا, وماهو موقفكم منها؟ * سعد الحريري: هذه الاطروحات جزء من الديمقراطية, حيث يطرح كل شخص مايريد في السياسة, وبالنسبة الي خفض سن الاقتراع فهذا قانون موجود ففي عام2008 وافقنا علي قانون الانتخابات وأحد البنود التي أقررناها هو تخفيض سن الاقتراع الي18 عاما, وهذا يتطلب تعديلا دستوريا, وعندما تم طرح هذا الموضوع أخيرا كانت هناك جملة أشياء لابد من تنفيذها معه مثل تحقيق آلية الاقتراع للمغتربين خارج لبنان, هناك اختلاف سياسي في الرأي حول هذا الأمر وهذا شئ طبيعي في دولة مثل لبنان وديمقراطية مثل لبنان. وبالنسبة لموضوع إلغاء الطائفية السياسية هناك فريق كبير في لبنان ضد طرح هذا الموضوع الآن ولكن ليس ضد الفكرة, ومع الوقت عندما يكون هناك اجماع وجو ايجابي يمكن مناقشة الموضوع, وانتم تعلمون أن البلد كان منقسما انقساما كبيرا في لبنان ويجب ان نؤمن ارضية واسعة لطرح الامور الصعبة ومن بعدها نعالجها واحدا واحدا. في هذا السياق, متي ستنطلق طاولة الحوار اللبناني للتوصل الي توافق حول القضايا الخلافية؟ * سعد الحريري: هذا الموضوع موجود عند الرئيس اللبناني ميشال سليمان, وهو حريص علي أن تنطلق طاولة الحوار وأعتقد أنه خلال شهر أو شهرين ستكون طاولة الحوار, متكاملة, لكن فخامة الرئيس هو من سيحدد الموعد المناسب. تصاعدت حدة التهديدات الاسرائيلية تجاه لبنان, وأثرتم ذلك مع بعض زعماء العالم في الجولات الخارجية التي قمتم بها أخيرا, فما تقييمكم لمدي جدية هذه التهديدات؟ وهل تلقيتم تطمينات فرنسية خلال زيارتكم الأخيرة الي باريس؟ * سعد الحريري: فرنسا ستقوم باتصالات ومساع في هذا الموضوع, ولكن نحن نؤكد أن ضرب اسرائيل لأي جزء من لبنان في الجنوب أو بيروت أو الضاحية هو ضرب للحكومة وللدولة, ومحاولة التفريق بين اللبنانيين وبعضهم هي محاولة فاشلة نحن كحكومة وكشعب متضامنون في موقف واحد لو صار أي شئ. ان التهديدات الاسرائيلية مستمرة منذ انتهاء الحرب الاسرائيلية عام2006 وحتي اليوم ولم تتوقف, وهي تهديدات متتالية ومتعالية.ويجب ان تلاحظوا ان العرب, كل العرب يتكلمون عن السلام واسرائيل هي التي تتحدث عن الحرب, فمن الواضح من الذي يريد السلام ومن يريد الحرب. بالمناسبة, هل كل الأطياف اللبنانية مازالت ملتزمة بتنفيذ القرار1701 ؟ * نحن في لبنان نطبق القرار1701, الذي صدر عن الاممالمتحدة, والذي ينص علي ان هناك امورا يجب علي لبنان ان يقوم بها, لكن اسرائيل تقوم كل يوم بخرقه من خلال خرق الاجواء اللبنانية, وإلي الآن يوجد6500 خرق جوي للاجواء اللبنانية.نحن نرفض كحكومة وكدولة هذه التهديدات, فاسرائيل هي التي تعتدي علي لبنان وليس العكس.لذلك من الافضل ان تنظر اسرائيل الي السلام وتطبق القرار1701 الصادر عن الاممالمتحدة, وعلي الرغم من اننا اعتدنا من اسرائيل ألا تطبق القرارات الدولية فإننا نطالب بذلك. ان الطيران الاسرائيلي يخترق الأجواء اللبنانية كل يوم واخترق المياه الاقليمية عدة مرات وحدثت انتهاكات من الجيش الاسرائيلي لبعض الاراضي اللبنانية, ونحن نقوم بتعزيز قواتنا في الجنوب ونقوم بكل الاجراءات اللازمة لتطبيق القرار1701 لكن يجب ان يتحمل المجتمع الدولي مسئولياته فيما يخص التهديدات والانتهاكات الاسرائيلية تجاه لبنان. فوجئنا منذ أيام بتصريحات للمسئولين عن بعض الفصائل الفلسطينية في لبنان تؤكد التمسك بالسلاح الفلسطيني الموجود خارج المخيمات برغم عدم سيطرة الدولة اللبنانية علي هذا السلاح, كيف ستتعامل حكومتكم مع هذا الملف الخطير؟ وهل يفتح ذلك الباب لإعادة النظر في أوضاع المخيمات واللاجئين الفلسطينيين في لبنان؟ * سعد الحريري: موقف الحكومة اللبنانية من هذا الموضوع واضح وصريح واخذنا قرارا بالاجماع بوضع يد الدولة علي أي سلاح خارج المخيمات, ونحن لا نستفز احدا ولكن هذا قرار أخذته الحكومة, والتصريحات التي اشرت اليها مؤسفة وكلام غير مسئول ونحن نحاول الدولة اللبنانية معالجة هذا الموضوع كما قلت لك طبقا لقرار مجلس الوزراء الذي لم يكن عليه خلاف وصدر بالإجماع وعلينا القيام بالخطوات التنفيذية له. لكن البعض يتخوف من تحول المخيمات الفلسطينية الي أماكن لإيواء مجموعات اصولية متطرفة, كيف تتعاملون مع هذا الأمر؟ * سعد الحريري: المخيمات الفلسطينية بوضعها الحالي في حالة يرثي لها ويجب علينا القيام بعمل جدي لتحسين الاوضاع المعيشية في تللك المخيمات, ولاشك ان هناك بعض المجموعات القليلة في المخيمات التي يمكن ان تكون مصدرا للمشكلات فمثلا في مخيم نهر البارد الذي كان يسكنه اكثر من40 الف نسمة, كانت توجد مجموعة من الارهابيين لا يزيد عددها عن نحو460 فقط, و في مخيم عين الحلوة توجد مجموعات صغيرة في هذا المخيم الذي يعيش به نحو100 الف فلسطيني, فالمخيمات تحتاج الي تحسين الاحوال المعيشية للاجئين الفلسطينيين. لكن بعض القوي اللبنانية تتخوف من أن يؤدي الاهتمام بالمخيمات الي توطين الفلسطينيين في لبنان؟ * سعد الحريري: هناك موقف موحد لكل القوي اللبنانية ضد التوطين والمبعوث الامريكي جورج ميتشيل عندما زار لبنان خلال جولته في المنطقة رفض توطين الفلسطينيين في لبنان, وموقف رفض التوطين هذا, موقف جديد من قبل الولاياتالمتحدة, وهذا امر ايجابي جدا بالنسبة لنا, وأعتقد أنه يجب ألا نعتبر هذه المواقف هي مواقف آنية أو ظرفية, لا بل نحن نعتقد أن هناك تغييرا حقيقيا في سياسة الإدارة الأمريكية من شأنه ان يدفع بالولاياتالمتحدة إلي القيام بخطوات عملية نحو عملية السلام, نحن نأمل ذلك ولا يجب أبدا أن نكون متشائمين, بل يجب أن نكون متفائلين دائما. وفي كل الأحوال الحكومة اللبنانية عليها واجبات لتحسين الاوضاع المعيشية للفلسطينيين. يقوم وزير الدفاع اللبناني الياس المر بزيارة واشنطن الأسبوع المقبل لبحث برنامج المساعدات العسكرية التي ستقدم الي الجيش اللبناني, هل تعتقد أنه آن الأوان لتحديث وتقوية هذا الجيش حتي يصبح قادرا علي القيام بواجباته الدفاعية؟ * سعد الحريري: هناك اتفاق علي موضوع تقوية الجيش اللبناني وقوي الامن الداخلي أي القوي العسكرية اجمالا وتحديثها, وايضا الاستثمار في تجهيز القوي العسكرية كلها ونريد ايضا أن يكون لدي لبنان الخطط الامنية اللازمة, فنحن نواجه كثيرا من التهديدات الارهابية, هذا الارهاب الذي اغتال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ونوابا وصحفيين وعسكريين وغيرهم, ولذلك لابد ان نحارب هذا الارهاب الذي يعاني منه العالم كله وان نسعي لتوفير كل الامكانات اللازمة للقوي العسكرية اللبنانية حتي تتصدي لذلك, وهناك دول كثيرة أبدت استعدادها لمساعدة الجيش اللبناني وقوي الامن اللبنانية في كل المجالات. أبلغكم الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الاسبوع الماضي عزم فرنسا علي الدعوة الي مؤتمر للسلام في الشرق الاوسط, ماهو تصوركم لهذا المؤتمر حتي يحقق الهدف منه؟ * سعد الحريري: فرنسا حريصة جدا علي تحريك عملية السلام بالتعاون مع مصر ولكن يجب أن ينطلق هذا المؤتمر من بعض الثوابت الفلسطينية والسورية والعربية مثل مبادرة السلام العربية التي أطلقتها القمة العربية في بيروت, ان إسرائيل تواصل حاليا انتهاكاتها اليومية لمجالنا الجوي ومياهنا الإقليمية ناهيك عن خرق قرار مجلس الأمن الدولي رقم.1701 كما تعيق إسرائيل كل الجهود المؤدية إلي التوصل إلي سلام عادل يقوم بنظرنا علي حل الدولتين مع القدس عاصمة للدولة الفلسطينية. هل أنتم راضون عن سير المحكمة الدولية الخاصة بمحاكمة قتلة الشهيد رفيق الحريري؟ * سعد الحريري: في مرحلة من المراحل في لبنان كانت هناك محاولة لإظهار ان المحكمة الدولية لن تقوم, لكن اليوم المحكمة اصبحت واقعا حيا, هناك قضاة ومدع عام ودفاع عن اي متهمين سيقفون امام المحكمة, مع ملاحظة أن جريمة اغتيال الحريري عملية معقدة ولذلك التحقيق في مكان ما استهلك وقتا كبيرا, كما أن عددا من المحققين تعاقبوا عليها وكل منهم كان له اسلوبه الخاص وطريقته في العمل, واذا نظرنا الي المحاكم الدولية المماثلة التي تمت من قبل مثل محكمة سيراليون سنري انها استغرقت سنوات طويلة برغم ان المتهمين فيها كانوا معروفين منذ البداية, ولذلك نحن قطعنا شوطا كبيرا واصبح لدينا محكمة تقوم بعملها ونثق فيها, والحقيقة ستظهر والعدالة ستنتصر.
