لماذا تبدي كوريا الجنوبية اهتماما كبيرا بتجمع' العشرين' الاقتصادي؟ ولماذا سعت جاهدة لأن تستضيف إحدي قمم هذه المجموعة؟ وما هي أهمية إقامة قمة العشرين في سول بالنسبة لكوريا سياسيا واقتصاديا؟ وما الذي تريده كوريا من القمة, لها ولمجموعة العشرين. بداية يجب التنويه إلي أن كوريا تتعامل مع قمة العشرين علي أنها واحدة من أبرز الأحداث العالمية التي تشهدها في تاريخها الحديث, بعد دورة الألعاب الأوليمبية في سول عام1988 وبطولة كأس العالم لكرة القدم التي استضافتها مع اليابان عام2002, فهذه القطعة النائية من العالم التي تقع في شمال شرق آسيا تسعي في السنوات الأخيرة إلي استضافة أحداث سياسية واقتصادية ورياضية كبري من أجل تحسين صورة كوريا الوطنية علي طريقة ما تفعله الشركات المتخصصة في العلاقات العامة لتحسين صورة الشركات الكبري, وذلك عبر عرض نموذج التنمية الكوري علي العالم, خاصة أنه نموذج حديث نسبيا, والجديد الآن هو أن إدارة الرئيس لي ميونج باك لديها مبادرة ضخمة, أو فلنقل إنها أشبه بالمشروع العالمي, وهي فكرة' النمو الأخضر' وشعارها' الخفض الكربوني والنمو الأخضر', وتدرك الحكومة الكورية أنه لا قيمة للاكتفاء بتطبيق هذه الأفكار محليا فقط, بل توجد ضرورة لتبني كافة دول العالم للأفكار نفسها حتي يكون لذلك تأثير إيجابي علي قضية التغير المناخي, وبدون استقطاب المجتمع الدولي بمختلف توجهاته ومستوياته للمشاركة في أحداث ومؤتمرات علي الأرض الكورية, لن تصل هذه الأفكار سريعا إلي الآخرين. ولهذا تسعي كوريا منذ سنوات إلي دخول كافة سباقات استضافة القمم والمؤتمرات والمعارض التجارية والأحداث الدولية البارزة لتحقيق هذا الهدف الترويجي. سبب آخر وراء استضافة قمة العشرين, وهو أن الكوريين حاليا يركزون علي تصدير الثقافة الكورية إلي العالم, وهو ما يسمي ب'الموجة الكورية' أو' الهاليو', بما في ذلك تصدير المسلسلات التليفزيونية والملابس التقليدية وفن الهندسة المعمارية الكورية والمأكولات الشعبية, وغير ذلك, ومن هنا نجد أن كوريا كما تسعي لاستضافة أحداث علي أرضها تهتم أيضا بالمشاركة في كافة الأحداث الدولية في الخارج في شتي المجالات, وتحرص علي إقامة أنشطة ترويجية للثقافة الكورية في هذه المناسبات, وبالتأكيد فإن استضافة الأحداث الدولية الأبرز مثل قمة العشرين تساعد كثيرا علي تحقيق هذا الهدف. أما لماذا قمة العشرين تحديدا, فلهذا بعد اقتصادي مختلف, فكوريا الجنوبية تعد من أكثر دول العالم التي نجحت في التعافي من الأزمة الاقتصادية العالمية, وهي أول دولة عضو في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تتحول من دولة متلقية للمساعدات إلي دولة مانحة, وهي علي رأس قائمة الدول التي ساعدت في تأسيس تجمع العشرين وأصبحت من أهم أعضائه الفاعلين, ولعلنا نذكر أيضا أن لي ميونج باك كان هو أول من رفع شعارا يدعو العالم إلي تحويل الأزمة الاقتصادية إلي' فرصة' لتحقيق نمو أفضل وأكبر. وخلال الأشهر الماضية, ركزت كوريا جهودها علي ضرورة الإشراف بنفسها علي وضع جدول أعمال دقيق للغاية لقمة سول, بحيث يتضمن الأفكار والمقترحات الكورية الرئيسية بشأن عمل مجموعة العشرين, وعلي رأسها فكرة إنشاء شبكة دولية للأمن المالي, ومبدأ تحقيق التنمية المتوازنة التي لا تفرق بين الأغنياء والفقراء, علما بأن هذه هي المرة الأولي التي تعقد فيها قمة كهذه خارج الدول الثماني الصناعية الكبري التي تشكل نواة مجموعة العشرين. وكان اجتماع وزراء مالية ومحافظي البنوك المركزية في دول العشرين الذي عقد الشهر الماضي في مدينة جيونج جو الكورية قد قطع شوطا كبيرا نحو إنهاء واحدة من أكبر المشكلات الاقتصادية الحالية, وهي' حرب العملات' بين الدول الكبري, خاصة الولاياتالمتحدة والصين. وسياسيا, يوجد لدي كوريا أيضا أجندة موضوعات سياسية تريد مواصلة الترويج لها, وهي أجندة لا تقل أهمية عن الأجندة الاقتصادية للقمة نفسها, فاجتماع قادة وممثلي حكومات أقوي20 دولة في العالم علي أراضيها, وبمن فيهم الرئيس الأمريكي باراك أوباما, رسالة دبلوماسية ذات مغزي إلي الجار اللدود, كوريا الشمالية, وسيتضح هذا من خلال أجندة موازية للقمة, وهي أجندة اللقاءات الهامشية التي ستجري أثناء قمة العشرين الرئيسية, والتي ستكون فرصة لطرح الكثير من الموضوعات السياسية, خاصة تلك المتعلقة بالطموحات النووية لكوريا الشمالية. أما كيف ينظر الكوريون إلي الحدث نفسه, فيكفي القول إن المجتمع الكوري بناء علي فكرة اجتذاب العالم إلي كوريا التي سبق الحديث عنها يدرك تماما قيمة هذا الحدث, ويعرف أنه فرصة طيبة لإقامة المهرجانات الفنية والثقافية القادرة علي اجتذاب مزيد من السائحين من الداخل والخارج بهدف تحقيق المكاسب الاقتصادية والتجارية وغيرها, بدليل أن وسائل الإعلام الكورية تنشر منذ عدة أشهر عشرات الأخبار من نوعية اختيار شركة السيارات الكورية التي ستتولي نقل قادة العشرين في تحركاتهم, وشركة أخري ستتولي نقل زوجات القادة, وعن أول تجربة لتسيير أول سيارة كورية تعمل بالمحرك المزدوج' الهايبريد' علي غرار ما فعلته اليابان, فضلا عن التقارير المتعلقة بالاستعدادات الأمنية والوسائل التكنولوجية الحديثة التي ستستخدم في هذا الشأن قبل وأثناء القمة. وآخر ما نشر في هذا الشأن أن سول قررت منع دخول أكثر من200 أجنبي إلي أراضيها خوفا من إثارة الشغب عند انعقاد القمة, وحرصا منها علي الإنجاح الكامل لهذا الحدث, ومعظم الممنوعين هم ممن أثاروا الشغب إبان قمة بيتسبيرج في سبتمبر من العام الماضي, إلا أن الأمن الكوري لن يستطيع منع المتظاهرين في الداخل من تنظيم احتجاجاتهم ضد القمة. وقبل أيام, نشرت صحيفة' مون هوا إلبو' الكورية نتائج دراسة كشفت النقاب عن أن قمة العشرين سيكون لها تأثير إيجابي للغاية علي صورة كوريا الوطنية, حيث أعرب حوالي42% من الكوريين عن اعتقادهم بأن القمة ستزيد من وزن وثقل كوريا علي الساحة الدولية, بينما اعتبرها35% آخرون أنها ستحقق مكاسب اقتصادية مباشرة لبلدهم, واعتبر167% أن القمة سيكون لها دور في إحراز تقدم نحو حل المشكلة النووية لكوريا الشمالية. وأجاب77% من أفراد العينة بأن هذه القمة تجعلهم يشعرون بالفخر لانتمائهم لبلدهم بصفة عامة! ولكن أكثر من50% من الكوريين لم ينسوا التأكيد في الوقت نفسه ضرورة مواصلة الإصلاحات السياسية حتي تتحسن صورة كوريا الوطنية أمام العالم, معتبرين أنه لا يكفي لكوريا أن تكون صاحبة الاقتصاد رقم13 علي مستوي العالم, بل يجب أن يكون ذلك مصاحبا بتقدم آخر مواز علي الصعيد السياسي.