شغلت قضية الدور المصري والتركي في الشرق الأوسط في الآونة الأخيرة حيزا متناميا من شواغل المحللين السياسيين في ظل تنامي التأثير التركي في منطقة الشرق الأوسط, والتطور السريع لعلاقات تركيا الثنائية مع دول المنطقة, وتعاونها مع المنظمات الإقليمية, بحيث ثار العديد من علامات الاستفهام حول مدي وجود نوع من التنافس في الأدوار بين كل من مصر وتركيا في الشرق الأوسط مع التساؤل حول إمكانية أن يكون الدور التركي مكملا للدور المصري. ولعل في إطار هذا السياق كان الحوار الجاد والهادف الذي جمعني مع السيد حسين عوني سفير تركيا بالقاهرة, وقد اتسم هذا الحوار بقدر كبير من الموضوعية ودار حول مختلف أبعاد تدعيم العلاقات بين كل من القوتين الإقليميتين. هذا ويمكن القول بداية إن الدور الإقليمي لمصر مكفول لها منذ عدة سنوات مع تباين حجم هذا الدور في فترات مختلفة وذلك بحكم حجم مصر الإقليمي سواء في النظام الإقليمي العربي أو الشرق أوسطي ولعل خير مثال علي ذلك ما يتعلق بالقضية الفلسطينية, حيث اعترف الجانب الفلسطيني, بما في ذلك كل من السلطة والفصائل بمحورية هذا الدور, إضافة الي الاعتراف الدولي بثقل وأهمية الدور المصري. أما بخصوص الدور التركي فلا يخفي عن الأعين أن مصر ليس لديها اعتراض بشأنه بل ترحب به مادام يصب في اتجاه تحقيق أهداف الدور المصري الذي يدور حول تحقيق السلام والاستقرار في الشرق الأوسط. من ناحية أخري يسعي الدور التركي للتكامل مع الدور المصري الرئيسي سواء فيما يتعلق بمفاوضات السلام أو في ما يتصل بملف المصالحة الفلسطينية, فقد رحبت تركيا بإطلاق المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين وإسرائيل بواشنطن تحت رعاية الولاياتالمتحدةالأمريكية وبحضور الرئيس مبارك ووصفتها بأنها خطوة مهمة للغاية. وبوجه عام يمكن القول إنه من الضروري أن يكون هناك تعاون وتنسيق بين الدورين التركي والمصري, حيث إن التعاون والعمل المشترك بين دولتين من أهم دول الشرق الأوسط سيكون له تأثيره المحدد لمستقبل المنطقة. فكلتا الدولتين تمثل مركزا لشخصية المنطقة وهويتها, حيث تقع تركيا في قارتي آسيا وأوروبا, وتعد جارة لقارة إفريقيا, كما تقع مصر في قارتي إفريقيا وآسيا وتعد جارة لقارة أوروبا, ومن ثم فإن الأوضاع الجغرافية لكلتا الدولتين يتمم بعضها بعضا, وتجعل من تركيا ومصر دولتين مركزيتين في المنطقة الأفرو أوراسية التي تحيط بالشرق الأوسط, وآسيا, وأوراسيا وأوروبا. ولعل ما يدعم مسيرة التعاون والتنسيق بين الدورين هو أن العلاقات التركية المصرية كثير ما اتصفت بالديمومة والاستمرارية رغم ما شابها من توتر وتباعد المصالح التركية المصرية في أكثر من حقبة تاريخية وزمنية كموقف تركيا السلبي من ثورة32 يوليو وتأميم قناة السويس ودعم مصر للقضية الكردية في مطلع الخمسينيات والتنافس حول مسألة التنقيب عن النفط في شرق المتوسط والتي أفرزت اتفاقية حوض المتوسط التي اطلقتها فرنسا بالتنسيق مع مصر ولم ترحب بها القيادة التركية وغيرها. فبرغم هذا التعارض اتسمت العلاقات التركية المصرية بالترابط, حيث تجمعها أواصر تاريخية وثقافية مشتركة فهناك علاقات وطيدة وتاريخية بين الشعبين المصري والتركي وتوافق بين الحكومتين المصرية والتركية يشمل جميع المجالات السياسية والثقافية والاقتصادية. كما أن المرحلة المقبلة ستشهد انطلاقة كبيرة للعلاقات الاقتصادية بين مصر وتركيا خاصة بعد أن شهدت المرحلة الحالية زيادة كبيرة في حجم التجارة البينية والاستثمارات التركية في مصر. علاوة علي ذلك فإن افتتاح خط للنقل البحري المباشر بين مصر وتركيا من شأنه تيسير وصول الصادرات المصرية الي السوق التركية بقدرة تنافسية عالية ويمكن تصدير هذه المنتجات الي أسواق دول أخري مجاورة لتركيا.وعليه, فإن توافر مناخ ايجابي يمكن أن يحقق تطورا في العلاقات التركية المصرية وأن يعيد تشكيل تلك العلاقات في إطار المشكلات المشتركة التي تواجهها الدولتان, سواء في الشرق الأوسط أو في الساحة الدولية. محصلة القول إن أدوار القوي الإقليمية الكبري يمكن أن تتكامل مهما تكن هناك تباينات في الرؤي السياسية تجاه قضية إقليمية أو أكثر وبالتالي فمن الصعب بناء استقرار أمني وسياسي إقليمي دون وجود تنسيق وتعاون بين مصر وتركيا انطلاقا من قدرة البلدين ودورهما في تحريك وإدارة لعبة التوازنات الإقليمية علاوة علي الكم الهائل من القدرات الاستراتيجية والأوراق المهمة التي يملكانها بسبب تمددهما التاريخي والحضاري وشبكة العلاقات الواسعة التي يقيمانها علي المستويين الإقليمي والدولي لقيادة المشروع الريادي المحوري في بناء سلام واستقرار المنطقة.