عقد الرئيس حسني مبارك والرئيس التركي عبدالله جول قمة سياسية مهمة تناولت عددا من القضايا الثنائية والإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك خاصة جهود إحياء عملية السلام في الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية بأبعادها المختلفة, ومنها الحصار الإسرائيلي علي الأراضي الفلسطينية والاعتداءات الإسرائيلية المستمرة علي الفلسطينيين, خاصة هدم منازلهم في القدسالشرقية ومستقبل الدولة الفلسطينية, ومشكلة العدوان الإسرائيلي علي أسطول الحرية التركي, وأطلع الرئيس مبارك نظيره التركي علي جهود مصر لدفع عملية السلام والمفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي, ونتائج المفاوضات غير المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين التي تجري برعاية أمريكية, وكيفية الانتقال إلي المفاوضات المباشرة, كما أطلع الرئيس مبارك الرئيس جول علي الجهود المصرية لتحقيق المصالحة الفلسطينية, علي اعتبار أن الوحدة الفلسطينية هي العامل الرئيسي في مواجهة أي محاولات إسرائيلية جديدة لاغتصاب الأراضي أو الحقوق الفلسطينية. وكما تطرقت المباحثات إلي الملف النووي الإيراني وسبل إخلاء منطقة الشرق الأوسط من الأسلحة النووية, ومسألة مكافحة الإرهاب, والوضع في أفغانستان, والخليج العربي, واليمن, والصومال, والسودان, كما تطرقت القمة إلي ملف العلاقات الثنائية المتميزة لتفعيل المشاورات السياسية الدائمة بين البلدين الكبيرين في المنطقة, وتوسيع مجالات العلاقات الاقتصادية والتجارية, وزيادة حجم الاستثمارات التركية في مصر, وتشجيع رجال الأعمال علي إقامة مشروعات مشتركة في مختلف المجالات الإنتاجية والخدمية, والتعاون في تسويق المنتجات المشتركة للدول المجاورة بما يسهم في زيادة فرص العمل لأبناء البلدين, وكذلك التجارة المتبادلة, وتدعيم سبل التعاون الفني, والعلمي, والثقافي. وكانت القمة المصرية التركية قد بدأت في جلسة ثنائية امتدت في مباحثات موسعة, وعلي مأدبة الغداء التي أقامها الرئيس مبارك تكريما للضيف التركي والوفد المرافق له. وكان الرئيس التركي قد أكد في تصريحات قبيل مغادرته أنقرة متوجها إلي القاهرة, أن مصر وتركيا دولتان كبيرتان, وأن العلاقات بينهما تكاملية وليست تنافسية, وأشاد الرئيس التركي بالعلاقات المتميزة بين البلدين في مختلف المجالات. وصرح السفير سليمان عواد المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية بأن الرئيس مبارك قد أجري مباحثات مهمة مع أخيه الرئيس التركي عبدالله جول استمرت أكثر من ساعتين, وذلك عقب استضافة الرئيس مبارك للرئيس جول صباح أمس لحضور حفل تخريج دفعة جديدة من الكلية الحربية الذي يعد ختام المسك في تخريج شباب الكليات العسكرية, مشيرا إلي أن حضور الرئيس التركي لهذا الاحتفال يعد دليلا واضحا علي رسوخ العلاقات المصرية التركية, حيث إنه لم يسبق أن استضاف الرئيس مبارك أحدا من الرؤساء في هذا الحفل سوي الأخ العقيد معمر القذافي قائد الثورة الليبية, والرئيس السوداني عمر البشير. تكامل الأدوار بين مصر وتركيا وأكد السفير عواد أن الرئيس مبارك يكن كل التقدير للرئيس جول وتربطهما علاقات صداقة منذ أن كان جول رئيسا للوزراء ثم وزيرا للخارجية ثم رئيسا للدولة, كما أكد أن مغزي زيارة جول لمصر في هذا التوقيت يعد رسالة واضحة علي أن العلاقات التركية المصرية علاقة تكامل وليس تنافسا في الأدوار, سواء علي الصعيد السياسي أو الاقتصادي, كما أنها تنفي مارددته التقارير الإعلامية الدولية من أن هناك تنافسا في الأدوار بين مصر وتركيا في منطقة الشرق الأوسط بشكل عام, أو فيما يتعلق بجهود حل القضية الفلسطينية بشكل خاص. وأوضح عواد أن هناك زيارات متبادلة بين الرئيسين مبارك وجول حيث التقي الرئيسان عدة مرات من قبل, حيث زار الرئيس مبارك تركيا في ديسمبر من العام الماضي, وحضر الرئيس التركي لمصر مرتين, الأولي في قمة إعلان وقف إطلاق النار بعد العدوان الإسرائيلي علي غزة الذي استضافتها شرم الشيخ في18 يناير العام الماضي, ثم عاد مرة أخري للمشاركة في منتدي إعمار غزة التي استضافته مدينة شرم الشيخ في مارس من العام الماضي. وأضاف عواد أن الزيارة الحالية لجول لمصر تأتي تتويجا لعلاقات تشاور سياسي مستمر, وعلاقات تعاون عميق في مجالات التجارة والاستثمار. وأشار إلي أن المباحثات بين الرئيسين تناولت موضوعات عديدة فيما يتعلق بالتطورات الإقليمية انصبت في مجملها علي عملية السلام, سواء فيما يتصل بالمطروح حاليا من الانتقال من المفاوضات غير المباشرة إلي المفاوضات المباشرة بين السلطة الوطنية الفلسطينية والائتلاف الحاكم في إسرائيل, أو فيما يتصل بمسار عملية المصالحة الفلسطينية, وإنهاء الانقسام الفلسطيني الراهن. وأضاف عواد أن الرئيس عبدالله جول أعرب للرئيس مبارك عن تقديره وتقدير تركيا لدور مصر الأساسي فيما يتعلق بالموضوعات الإقليمية بصفة عامة, وفيما يتعلق بالقضية الفلسطينية بصفة خاصة. وذكر جول أن مصر تحتل موقع الصدارة في المنطقة, وأن العلاقات القائمة بين البلدين تجعل من الدور التركي مكملا للدور المصري في تناول هذه الموضوعات الإقليمية أو في القضية الفلسطينية. وقال: إن الرئيس مبارك أكد أن مصر ترحب بالدور التركي أو بدور أي طرف إقليمي يمكن أن يسهم إيجابيا في تحقيق أمن وسلام واستقرار الشرق الأوسط. وأضاف أن المشاورات في القمة تطرقت إلي الأوضاع في العراق, خاصة بعد قرب الانسحاب الأمريكي, والعمليات التي يقوم بها حزب العمال الكردستاني في شمال العراق وجنوب تركيا, كما تطرقت المباحثات للوضع في لبنان وتلويحات إسرائيل الخاصة بالساحة اللبنانية, وانتقل الحديث بعد ذلك إلي الملف الإيراني. ملياري دولار حجم التبادل التجاري سنويا وفيما يتعلق بالعلاقات الثنائية بين مصر وتركيا اوضح عواد ان المباحثات تناولت الترحيب بالتنامي المتزايد في حجم التبادل التجاري بين البلدين, الذي حقق حتي الان2 مليار دولار سنويا, واعادة التأكيد تحقيق الهدف المعلن بزيادة هذا التبادل الي5 مليارات دولار بحلول عام2012, مشيرا الي ان حجم الاستثمارات التركية في مصر تجاوز مليارا ومائتي مليون دولار, وهناك مشروعات لاعادة توطين صناعة الغزل والنسيج التركية في مصر والاستفادة من المزايا التي تتيحها اتفاقية الكويز بنفاذ صادرات المنسوجات والملابس الجاهزة للسوق الأمريكية. وقال السفير سليمان عواد ان الرئيسين مبارك وجول اكدا التزامهما باستكمال المنطقة الصناعية التركية في مدينة السادس من اكتوبر, كما اتفق الرئيسان علي الاعلان قريبا عن قيام مجلس التعاون الاستراتيجي بين مصر وتركيا برئاسة رئيسي وزراء البلدين, كما اتفقا علي ان يتم التوقيع قريبا علي مذكرة تفاهم لتسهيل تبادل التأشيرات بين مصر وتركيا خاصة بالنسبة للمستثمرين ورجال الاعمال وكذلك الاتفاق علي اعلان عام2011 عاما لمصر في تركيا. مصر لاتبحث عن دور وردا علي سؤال حول رؤية مصر للتحالف الاستراتيجي الجديد بين تركيا وسوريا ولبنان والاردن, قال السفير سليمان عواد لايجب وصف هذا بالتحالف ولكنني استخدم نفس التعبير الذي استخدمته الاطراف المعنية ذات الصلة, حيث انشأوا مجالس تعاون استراتيجي مثل المجلس الذي اتفق الرئيسان مبارك وجول علي المضي في اجراءات توقيعه قريبا.. فهي مجالس للتنسيق والتعاون الاستراتيجي برئاسة رؤساء الوزراء في هذه البلاد المعنية, وقال السفير عواد ان اي تقارب تركي مع دول عربية شقيقة هو مكسب للجميع. واكد عواد ان مصر لاتبحث عن اي دور اقليمي فهي لها دورها الاقليمي الثابت بحكم اعتبارات التاريخ والجغرافيا وتمسك بخيوط الملفات الاقليمية خاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية واي دور سواء من تركيا او من اي جانب اقليمي او عربي اخر يمكن ان يسهم في دعم الاهداف المصرية وخدمة لقضايا الامة العربية سيكون مرحبا به من جانب مصر.. وشدد عواد علي ان مصر لاتبحث عن دور اقليمي بل مصر تمارس دورها الاقليمي دون اجندة خفية في اطار ومفهوم روح التكامل وليس التنافس. وردا علي سؤال عما اذا كانت مصر توافق علي دور تركي في ملف المصالحة الفلسطينية قال المتحدث باسم رئاسة الجمهورية ان الدور التركي مكمل للدور المصري حيث اكد الرئيس التركي ورئيس وزرائه ووزير خارجيته علي هذا واخرها اثناء قمته مع الرئيس مبارك, وقال ان الدور التركي يسعي للتكامل مع الدور المصري الرئيس ويسعي إلي دعمه سواء فيما يتعلق بمفاوضات السلام أو فيما يتصل بملف المصالحة الفلسطينية فموقف مصر واضح وثابت لارجوع فيه, وفيما يتعلق بورقة المصالحة الفلسطينية نشرح للجميع بما فيهم الجانب التركي بان هذه الورقة تعكس بامانة مشاورات مطولة بدأت في مارس عام2009 وانتهت في اكتوبر من نفس العام, واعترفت الفصائل الفلسطينية بما فيها حماس انها تعكس بامانة ما انتهت اليه خمس لجان فرعية تواصلت اعمالها خلال هذه الفترة ولامجال الان لفتح هذه الورقة بتعديل هنا او هناك لان ذلك سوف يستدعي طلبات اخري بتعديلات اخري اضافية من جانب باقي الفصائل.. واكد عواد ان الجانب التركي يتفهم موقف مصر الثابت وان القضية الفلسطينية لم يقدم لها احد مثلما قدمت مصر, وقال ان اعتبارات التاريخ والجغرافيا تفرض ان يكون مقعد القيادة في التعامل مع هذه القضية مقعدا مصريا بلا اجندة ولا مزايدة. واشار عواد الي ان الجانب التركي يتفهم التأثير المباشر للقضية الفلسطينية بوجه عام والوضع في غزة بوجه خاص علي اعتبارات الامن القومي المصري مثلما تتفهم مصر التأثير المباشر للوضع في جنوب تركيا وشمال العراق نتيجة عمليات حزب العمال الكردستاني علي الامن القومي التركي. وردا علي سؤال حول عما اذا كان بحث الرئيسان التوتر بين حزب العمال الكردستاني وتركيا قال عواد ان الرئيس مبارك استمع الي الرئيس التركي عبد الله جول, ومن الطبيعي ان يكون هذا الموضوع علي اجندة المشاورات لانه موضوع ذو اهمية خاصة للجانب التركي.. واشار عواد الي ان موقف مصر هو دعوة حل القضية الكردية علي نحو يلتزم بالحوار وادانة اي اعمال للتخريب يقوم بها حزب العمال الكردستاني او اي اعمال تخريبية تقوم بها اي منظمة ارهابية في اي مكان في العالم.. وقال عواد ان الرئيس مبارك استقبل منذ ايام قليلة مسعود برزاني رئيس اقليم كردستان كما ان الرئيس مبارك تربطة صداقة خاصة بالرئيس العراقي جلال طالباني ولكن في اطار العراق الواحد, وقال ان مصر لها موقف ثابت هو دعم انضمام تركيا للاتحاد الاوروبي. وردا علي سؤال حول تطرق المباحثات الي تنسيق مصري تركي بشأن التحرك علي الساحة الدولية لملاحقة المسئولين الاسرائيليين عن الاعتداء علي اسطول الحرية, قال السفير سليمان عواد ان هذا الموضوع كان في بؤرة الحديث عن القضية الفلسطينية والوضع في غزة, فالرئيسان مبارك وجول يدينان ما حدث لاسطول الحرية, مشيرا الي ان مصر وتركيا والمجموعة العربية تسعي حاليا سعيا حثيثا في نيويورك لتنفيذ ما تضمنه البيان الرئاسي الصادر عن مجلس الامن حول هذه الاعتداءات الاسرائيلية علي اسطول الحرية, خاصة فيما يتصل بتشكيل لجنة تحقيق دولية محايدة. وردا علي سؤال حول تأثير الهجوم علي اسطول الحرية علي الدور التركي في عملية السلام بالشرق الاوسط, قال عواد ان السعي لعملية السلام يستلزم ان يكون هناك مناخ موات لبدء هذا الطرف او ذاك اية جهود لها مصداقية ونتائج, بدليل ان علاقات مصر بإسرائيل هي التي انهت ازمة سفينة الامل الليبية التي حملت مساعدات انسانية الي غزة بتوجيهها الي ميناء العريش, وادخال حمولتها عبر منفذي رفح وكرم ابوسالم, وقد كانت مصر قد عرضت علي اسطول الحرية نفس المخرج, مشيرا الي انه اذا أمكن لتركيا ان تواصل دورها فيما يتعلق بقضايا الشرق الاوسط فان توتر علاقاتها مع اسرائيل لايساعد علي ذلك, والجانب التركي هو اول من يتفهم ذلك. واضاف عواد ان الجانبين الإسرائيلي والتركي يسعيان الي احتواء التوتر الحالي في علاقاتهما بطرق عديدة, بما في ذلك اللقاء الذي تم بين بن اليعازر ووزير الخارجية التركي احمد داود اوغلو في ميونخ بألمانيا. مصر لا تشعر بالقلق من الدور التركي وردا علي سؤال حول ما اذا كانت مصر تشعر بالقلق من تنامي الدور التركي في المنطقة, قال المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية ان مصر لا تشعر بالقلق ازاء الدور التركي في المنطقة, مؤكدا ان الدور المصري ثابت بحكم التاريخ والجغرافيا, وخيوط الملفات الاقليمية, وخاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية بصفة عامة, والوضع في قطاع غزة بصفة خاصة, ثابتة في مصر بحكم اعتبارات التاريخ والجغرافيا. وقال عواد ان مصر لاتبحث عن دور اقليمي, لان هذا الدور مكفول لها ومنذ سنوات عديدة, وهناك اعتراف من الجانب الفلسطيني, بما في ذلك السلطة والفصائل بمحورية هذا الدور, إضافة إلي الاعتراف الدول بمحورية هذا الدور الرئيسي لمصر ونحن نرحب بأي دور سواء من تركيا او غيرها او لاي طرف عربي او اقليمي او دولي يمكن ان يحقق اهداف الدور المصري, من اجل تحقيق السلام والاستقرار في الشرق الاوسط. وحول ما يبدو من تناقض في بعض المواقف التركية ازاء اسرائيل, خاصة بعد الاعتداءات الاسرائيلية علي اسطول الحرية, قال السفير سليمان عواد ان هذه هي سمة العلاقات الدولية التي تمر احيانا بفترات من التوتر, ثم تعود الي طبيعتها مرة اخري, مشيرا الي ان الاعتداء الإسرائيلي علي اسطول الحرية التركي كان بدون شك سابقة خطيرة, حيث تم الاعتداء عليه في المياه الدولية, ولاول مرة في تاريخ تركيا المعاصرة منذ عهد كمال اتاتورك تسيل دماء وارواح تسعة من مواطني تركيا دون رد, مؤكدا ان هذا الحدث مازال حتي الان مثار ادانة في الاممالمتحدة وخارجها, وايضا من الشعب التركي والعربي والاوروبي.