لايتشابه المجتمع السيناوي من الداخل مع غيره، مياه كثيرة جرت وتجري في نهر العادات والتقاليد والقضاء العرفي،غيرت الشكل وأضعفت المضمون وباعدت بين القبيلة وابنائها. لكن البعض مازال مصرا علي النظر من اعلي وآخرون يريحهم التعميم, ووسط أمواج التغيير المتلاطمة تقف الجهات المسئولة حائرة فان هي تدخلت أساءت, وان ابتعدت ندمت.. جيل الكبار نفسه اختلف وأغلب الشيوخ الحاليين ورثوا الكباره عن ابائهم ولم تعد قبيلة في سيناء بلا حركات تمرد وبدلا من مجلس واحد للقبيلة أو المقعد كما يسمونه, الذي يجمع رجالها ويوحد قراراتهم ظهرت مقاعد موازية بقيادة الرافضين لسياسات الكبير والخارجين علي سلطته أو الطامعين في منصبه. وفي نفس الوقت كون الاسلاميون مجتمعهم الخاص العابر للقبائل والخارج عن سلطة الجميع, واستوعبوا عددا كبيرا من الشباب وسددوا الفراغ الناتج عن البطالة وضعف التعليم والجهل وأمراض مرحلة التحول. وتبدو المسافة واسعة جدا بين شباب البدو وبين كبارهم, فالشباب ربما لايعرفون شيئا عن عرف القبيلة, وانشغلوا كما انشغل أقرانهم في مجتمعات اخري بموديلات أجهزة التليفون المحمول الحديثة والبلوتوث, وواجهت القبيلة أنواعا جديدة من المشكلات لم تكن تعرفها, كما حدث عندما قام شاب بدوي بتصوير سيدة ترضع طفلها بتليفونه المحمول ووزعها علي تليفونات أصحابه, وبرغم أن السيدة أرضعت طفلها علانية وفي مكان عام. لكن عندما قام الشباب بتصويرها تحول الامر إلي مشكلة قبائلية, اجتمع من أجلها الكبار, وتم تغريم أهل الشاب260 ألف جنيه نقدا وعدا لاعتدائه علي العرض. فهل من الممكن اقناع الشاب انه مخطيء. الأمثلة السابقة تبدو سهلة نسبيا مقارنة بالوقائع التالية والتي كشفت عن حجم التغيير الكامن في الجسد البدوي الذي يتحول. فما حدث لم يكن معاكسة بل جريمة قتل بين عشيرتين من نفس القبيلة وهي قبيلة السماعنة التي تسكن في منطقة بئر العبد. العرف البدوي يقضي بأنه بعد القتل يحدث مايعرف باسم شيعة الدم وهي تستمر ثلاثة أيام, وفيها يحل لأهل القتيل قتل من يشاءون وبأي عدد من قبيلة القاتل أو عشيرته وليس ذلك فقط بل يحق لهم نهب بيوتهم وتخريب زروعهم لمدة ثلاثة أيام, وجري العرف ان قبيلة القاتل ترحل برجالها ونسائها وأطفالها رحيلا شاملا لتدخل في عرض قبيلة أخري, وهنا يتم اعتبارها دخيلة علي القبيلة الاخري التي يصبح أسمها طنيبة, وفي هذه الحالة فأي اعتداء علي الدخيلة هو اعتداء علي الطنيبة والقبيلة التي يتم اختيارها للحلول عليها لابد ان تبعد مسيرة يوم كامل عن قبيلة المقتول فلا تري نار القبيلة نار الأخري. وخلال40 يوما لايحق لاحد التوسط للصلح ويبقي أهل القاتل منفيين إلي ماشاء الله, وذلك ماحدث بالفعل لعشيرة الشبانات من قبيلة السماعنة الذين واجهوا مشكلة ربما هي الأولي من نوعها بعد الخروج من مجتمع الخيمة فلم يعد الأمر مجرد خيمة وجمل وعشيرة لاتتجاوز50 فردا ترحل من مكان لاخر في فضاء الصحراء, بل عائلات وبيوت ووظائف وزروع فكيف يرحلون, المهم انهم غامروا وتركوا نسائهم واطفالهم فقد كان الامر في النهاية داخل نفس القبيلة وبين ابناء العمومة واكتفوا بترحيل الرجال والذكور فوق سن الثانية عشرة. عندما ذهبت إلي معسكر الشبانات الذين حلوا علي عشيرة الموالكة من قبيلة البياضية لمست حجم الضرر الذي وقع, في حالة الحزن والتوجس الجماعية, وكان الامر الاكثر وضوحا هو نظرة شباب البدو أنفسهم الذين بدوا كمن فوجئوا بصرامة قوانين قبائلهم, ولكنهم كانوا يتناوبون حراسة مخارج ومداخل قريتهم لمنع أي محاولة غدر بضيوفهم الذين دخلوا في عرضهم, وكان الأمر الأشد غرابة أنهم فتشوا سيارة مقدم المباحث نفسه الذي جاء لمعرفة مايحدث وقلوبها رأسها علي عقب, وبعد ان انتهوا سمحوا له بالدخول فمازحهم الضابط الكبير وأثني علي حنكتهم ودقتهم. الأمن وقف من القضية علي المحك وترك الامر برمته للقبائل تحل مشاكلها بنفسها ووعد المحافظ بتقديم جميع التسهيلات وضمان عدم تضرر أي من الفارين في وظائفهم إن كانوا موظفين وفي مدارسهم ان كانوا تلاميذ. الخاج حماد المرابي كبير عائلة الموالكة و أحد كبار قبيلة البياضية قال ان الاجهزة الامنية والمحافظ يتصلون ويتابعون مايحدث وجهود الصلح بين الخصوم ويحترمون العرف البدوي ويتفهمونه, لكن آخرين قالوا ان الدولة تتخلي عن دورها في قضية جنائية وتقف علي الحياد في الوقت الذي كان تدخلها ضروريا ومطلوبا, ولكنها اكتفت بالاتصالات والاطمئنان علي سلامة الجميع, آخرون رفضوا ذكر أسمائهم حملوا الامن مسئولية, اضعاف هيبة القضاء العرفي في حالات مماثلة بعدم احترام ما انتهت اليه المجالس العرفية, وانها هذه المرة تريد تدارك اخطائها وترك الأمر للكبار لكن هيهات فالسيطرة علي أهل القتيل ستكون صعبة والانتقام سيكون اليما.يعض الكبار الذين التقيتهم اعترفوا ان الامر يخرج في احيان كثيرة عن سيطرتهم ويحتاجون إلي مساندة من الأمن ولايجدونها, وعندما يتدخل الامن يتدخل بشكل خاطيء ويأتي بنتائج سلبية أو لايتدخل فيحدث ضرر اكبر. سألتهم. وماذا تطلبون فأجمعوا علي ان الاصلاح يبدأ بتحسين الاوضاع المعيشية والتنمية الحقيقية بدلا من المشروعات الوهمية, لان الفقر زاد من حدة الغضب والتحفز بين القبائل وبعضها, واستشارتهم في كل الاحوال واحترام احكامهم أيا كانت, فهم العارفون ببواطن الأمور والأقرب للناس وهم كفيلون بأبنائهم وحل مشاكلهم الداخلية لكن علي الدولة ان تحفظ هيبتهم أولا. وفي الوقت الذي يشتكي فيه شيوخ القبائل من تدخل الحكومة الخاطيء أو عدم تدخلها علي الاطلاق, تدعو فئة أخري من البدو وهم المنضوون تحت إمرة الجماعات المتأسلمة, لمراجعة العرف السيناوي لأن به بعض الاحكام الخارجة عن الشرع كما يرون, وبالفعل قاموا بجهود لعقد اجتماع بين الكبار وقوبلت مبادرتهم بالترحاب من كثيرين ووعدوهم بمحاولة التغيير والالتزام بالشرع, من بين الأحكام التي يرونها مخالفة, العرف السائد بأن من يحلف اليمين علي المال فهو له, وهم يقولون ان البينة علي من أدعي وليس بحلف اليمين, كما يريدون الغاء نيابة الرجل عن المرأة أمام القضاء العرفي, ويرفضون رفضا باتا حكم البشعة أو لحس النار لتبيان الكاذب من الصادق, وما بين كل هذه التحولات, تعقدن الامر وزادت معدلات الجرائم, وعجز الكثيرون عن التصرف وغاب الحسم وأصبح القضاء العرفي حائرا.