الأعمال التي تناولت سيرة الرسول( صلي الله عليه وسلم) كثيرة منذ بدأ التدوين. والعاشقون للقيم والفضائل شغفوا بالسيرة العطرة وأخذوا ينهلون من معينها جيلا بعد جيل وحب الرسول جعل الأديب يجود لغته ويختار مواقفه ويختبر شخوصه وينتخب الحدث ومجالات السرد والتصوير مما يعطي للعمل الأدبي جمالا فنيا وتميزا أدبيا والتناول العصري للسيرة أكسب النصوص نمطا جديدا في السرد والتحليل والتخييل والابتكار. يختلف عما ورد قديما في كتب السيرة. والكتابة في هذا المجال تمثل تحديا للكاتب مما يجعله يبتدع الشخصيات ويؤلف بين المواقف ويستحدث الصراعات حتي يضفي علي العمل جمالا سرديا يحول السيرة الي عمل روائي تميز.وعلينا أن نؤكد أن هذه الوسائل الفنية يجب ألا تمس الواقع التاريخي أو تغير من الحقائق أو تنال من الرجال المشهود لهم بالصدق والإيمان. وهذا القيد يلقي علي الكاتب عبئا ثقيلا في رصد الروايات, والتحري الدقيق في رواتها والاطمئنان إليهم وتحري الصدق الموضوعي, لأنه في مجال صياغة السيرة فنيا وإبداعيا يجب ألا ننساق وراء البحث عن الجمال الفني بأشكاله وأنساقه فقط. لأن ذلك يعتبر تعطيلا لجانب آخر وهو البحث عن الحقائق. ولقد أوضح القرآن الحقائق في الحياة الدنيا والآخرة, وهو ما يسهم في أن يصبح العمل الفني كلا واحدا, يجمع بين الجمال والحقيقة, فتتحقق بذلك المنفعة, كما يتحقق المثير الجمالي في الصياغة الفنية التي يتضح بناؤها في الجمع بين الثنائيات. قدم فخري فايد روايته محمد الصابر في لغة قريبة في تكوينها التعبيري من القرآن, والسنة, والتراث, مستفيدا من روايات القدماء عن حياة النبي, ويعتبر الحفاظ علي النسق التليد أحد أهم دلالات هذا العمل الروائي. وتوقف الكاتب بالتحليل والرصد أمام محطات رئيسية في حياة الرسول, المولد والنشأة, والزواج, وتلقي الرسالة, ونشر الدعوة, والدخول في الدين الجديد وعذابات المسلمين من قبل المشركين ثم عقد النية علي الهجرة الي المدينة. من تلك المحطات رحلة الرسول من مكة الي المسجد الأقصي ثم عروجه الي السماوات العلي.. تعددت الروايات وتنوعت حول الرحلة ودخلتها أخيلة كثيرة, وأصبحت كمحصلة لغوية نصا أدبيا له قوامه الإبداعي الخاص, ولعله يشير الي بداية القصة في الأدب العربي. ولقد تأثر عدد من الأدباء والشعراء والمتصوفة بالرحلة.. واستلهموها في ابداعاتهم. وتحامل بعض الأدباء الغربيين في استلهامهم لمواقف السيرة.. علي الرسول صلي الله عليه وسلم وعلي الإسلام. ولقد رصد رودنسون, في كتابه تراث الاسلام حالة العداء تجاه السيرة واستلهامها في أدب وشعر الغربيين كدانتي مثلا.. وكشف أمراض النفس التي تقف وراء تحريف المواقف والتزيد في الأحداث, لكنه يري أنه بمرور الزمن وبتفاعل العقول الواعية مع واقع الحضارة الاسلامية حدث تغير في نظرة الغرب, وأن المعرفة العميقة به من شأنها أن تؤدي الي الموضوعية في التفكير والتناول.. .. في رواية( محمد الصابر) ارتبطت الصياغة بالحالة, واستدعي الموقف النفسي أسلوبه الذي يكشف عن القلق أو الاضطراب, أو التوتر, أو الحزن, أو المواجهة, أو التسليم.. وهي مشاعر ترتبط بالوجدان والفكر معا.. يواجه عبد المطلب نفسه لحظة الأزمة مع أبرهة مستخدما ضمير الخطاب بديلا عن الأنا.. وهو كما نعلم آلية فنية لاثراء السرد الروائي.. يقول: هذه البئر التي رأيت في منامك أنك تقوم بإعادة حفرها, وسخروا منك واستهزأوا...) ثم قال كلمته المدوية( للبيت رب يحميه.. إن الشكل الفني يستلهم إرثه وتراثه ويحمل في طياته قيم الدين والجمال معا.