في لحظة غادرة من عمر الزمن انهارت مساكنهم فلملموا بقاياهم وغادروها قسرا بلا وداع ليشدوا الرحال لعالم آخر جديد يأويهم لأيام أو أسابيع حتي يأتي الفرج ليتم توفير البديل. لكن الوقت مر ومضت السنون وتحول الوضع المؤقت لأمر واقع أليم, كبر الصغار ورحل الكبار وظل معسكر الايواء كما هو يطوي همومهم وآلامهم وأحلامهم الأهرام ذهبت إلي هناك.. التقت واستمعت الي أصحاب مآسي القصص والحكايات لتنقل نبض سكانه وأحزانهم ومع اقترابنا استوقفنا المشهد العام مبني مهتريء من طابقين أشبه بمباني السجن له بوابة كبيرة مفتوحة دائما كما علمنا, بمجرد ولوجنا شاهدنا مجموعة من النساء والشباب والأطفال يفترشون أرضية المعسكر ومدخله في تواد يشعرك وكأنهم أسرة واحدة فقد اعتادوا العيش معا وتقاسم الطعام والآمال رغم أن لكل منهم حياته الخاصة التي تضمها حجرته. ويضم المعسكر70 أسرة في70 حجرة الواحدة منها لاتزيد علي3*4 أمتار أقرب للزنزانة ولكم أن تتخيلوا قسوة الحياة داخل حجرة كهذه تضم جميع أفراد الأسرة واحتياجاتهم وأثاثهم بالطبع بلا دورة مياه فدورات المياه بعيدة في الطابق الثاني وهي دورات مشتركة حتي أن بعض السيدات شكون من عدم قدرتهن الذهاب للحمامات ليلا هن أوبناتهن واضطرارهن لقضاء حاجتهن بالغرف, لم أجد أكثر مما شاهدت, فعدت لاستمع لمعاناة السكان لعلي أجد من يستمع لها. يقول مجدي وحيد الذي أتي هو الآخر للمعسكر مع زوجته و5 أطفال أنهم يعانون من سوء حالة المعسكر وتآكل جدرانه التي تنذر بسقوطها بين الحين والآخر خاصة والمعسكر مشيد قبل الثورة, وكان مخصصا للجنود لكونه ثكنة عسكرية كما أن سقفه من الخشب الذي تهالك وتضيف احدي السيدات من سكان المعسكر التي تعيش مع والدتها وأبنائها السبعة بعد وفاة زوجها إن الحياة بالمعسكر غاية في القسوة فلا خصوصية أو شعور بالاستقلال والغرفة لاتكفينا جلوسا وتمني زيارة أي مسئول والاقامة معهم لساعات ليتخيل صعوبة العيش... وأخيرا التقينا أبرز شخصية في المعسكر وهي الآنسة نادية عبدالنبي46 سنة رغم بساطتها وتواضعها إلا أن ملامحها تنطق بالجدية ويحترمها الجميع ويسألها الرأي عندما حاولت سؤالها أبت إلا بعد استضافتي في حجرتها الصغيرة والتي تعكس النظام والنظافة رغم صغر مساحتها وبعد تقديم التحية بدأت حديثها قائلة انهار منزلنا عام1987 وتزوج جميع اخوتي وتوفي والدي, كنا نقتسم الحجرة الصغيرة ومازالت تحمل ذكرياتي وشقيقاتي فهذه صورة زفاف شقيقتي وهذا والدي يداعب شقيقتي ووالدتي تتوسط الأسرة وصورتي وأنا صغيرة.. وصور أبناء إخوتي يتوسطهم جميعا صورة للوالد والوالدة بجوار هذا الألبوم الحائط كان هناك صورة أخري للرئيس حسني مبارك وثانية للشيخ محمد رفعت ومكتبة صغيرة أضافت أسكن حاليا أنا وشقيقي وهو مريض نفسيا ونتقاضي معاش التضامن120 جنيها ومعاشا آخر من الجمعية الخيرية صحيح يكفينا وأحيانا نستغني عن العلاج ونشترك مع عدد من السكان لاستئجار عامل لكسح الصرف الصحي وندفع5 جنيهات شهريا لرفع القمامة رغم أن لا أحد يرفعها وتزعجنا دائما برائحتها الكريهة وتراكمها. جيهان محمود من قاطني المعسكر وتعمل بائعة شاي تروي أنها جاءت للمعسكر منذ9 سنوات هي ووالداها و11 أخا وأختا لم يكن هناك مكان بالأرض ليفترشوه كانوا ينامون بالتناوب يقسمون اليوم فيما بينهم ورديات حتي تتحملهم الحجرة وتضيف أنها أحيانا كانت تضطر للاستيقاظ قبل أن تأخذ كفايتها من النوم حتي تدع أشقاءها لأطول فترة... وتقول زينب حميدة التي أتت المعسكر بصحبة أطفالها الخمسة بعد انهيار شقتها في زلزال92 ووفاة زوجها أي منذ18 عاما أتيت علي وعد بأن تكون الاقامة مؤقتة حتي يتم تدبير مسكن ومن يومها وأنا في الانتظار لكن يبدو أن هذا اليوم لن يأتي.. أما هناء فتقول أن شقتهم التي كانوا يؤجرونها انهارت فوجدت نفسها وزوجها وطفليها في الشارع فتوجهت لمجلس المدينة الذي منحها هذه الغرفة وذلك منذ10 سنوات وشكت من سوء حالة الغرفة وفقدانها للتهوية ومقومات الحياة الكريمة, كذلك وفود عدد من الشباب في ساعات متأخرة من مدمني المخدرات والمنحرفين مما يجعلها في حالة رعب دائم خوفا علي أبنائها خاصة أن زوجها مريض وقعيد, كما أنهم لايملكون أي مال لدفع مقدم شقة في اسكان مبارك أمل كل سكان المعسكر... أما السيدة دولت وهي أرملة تقطن مع بناتها الثلاث فتقول دخلي شهريا80 جنيها معاش والدهم وهو يكفينا بالكاد وكل حلمي شقة ولوغرفة واحدة فقط وحمام وباب نغلقه علينا حتي تتزوج البنات. هذه هي مظاهر الحياة في معسكر الايواء بالشرقية... الوقت يمر ومازا لوا في انتظار البديل المناسب للحياة الآدمية.