في مساكن لا يمكن وصفها إلا بالمقابر تعيش آلاف الأسر فيما يطلق عليه «مساكن الإيواء المؤقت».. تلك الأسر التي انهارت منازلهم وحكم عليهم إما أن يناموا في الشارع أو يقيموا في مساكن الإيواء المؤقت بشكل دائم! مساكن الإيواء المؤقت تبدو متشابهة في أغلب المحافظات وتشترك كلها في أنها آيلة للسقوط ومتهالكة وقديمة، ومنها ما هو محروم من الخدمات والمرافق، كذلك منها ما هو موجود في أماكن بعيدة عن العمران ويحتاج سكانه إلي شراء سيارات ملاكي للإقامة فيها. والغريب رغم أنها تسمي بمساكن الإيواء المؤقت فإنها لم تكن أبدا مساكن مؤقتة، فمن يسوقه حظه العاثر للإقامة فيها لا يغادرها إلا للشارع بعد انهيارها هي الأخري لتهالكها. الحق في السكن المناسب واحد من الحقوق التي أكدت العديد من الاتفاقيات الدولية عليها والتي ألزمت الحكومات بالعمل علي توفيره لمواطنيها، فضلا عن أن العهد الدولي لحقوق الإنسان اعتبر أن الحق في السكن يرتبط ارتباطاً تاما بسائر حقوق الإنسان، وشدد علي كفالة الحق في السكن لجميع الناس بصرف النظر عن الدخل أو إمكانية حيازة موارد اقتصادية. والإشارة إلي السكن الواردة في الصكوك الدولية لا تتوقف عن حد السكن فقط، وإنما تشدد علي السكن الملائم، والسكن الملائم يعني التمتع بدرجة ملائمة من الخصوصية، والمساحة الكافية، والأمان الكافي، والإنارة والتهوية الكافيين، والهيكل الأساسي الملائم، والموقع الملائم بالنسبة إلي أمكنة العمل والمرافق الأساسية. في القاهرة مثل كل المحافظات في مصر توجد مساكن للإيواء لكنها تعاني مثل بقية مساكن الإيواء بالمحافظات الإهمال أو وجودها في الصحراء بقصد تهجير سكانها خارج القاهرة، لكن الإقامة في إيواءات القاهرة لها معني خاص يعرفه كل من أقام فيها أو حتي زارها؛ فإنشاؤها تم بطريقة عشوائية للغاية وغير آدمية، فالشقة في الإيواء مساحتها حجرتان وصالة تقيم فيها أسر يتجاوز عددها سبعة أشخاص وأحيانا أكثر، وفي بعض الحالات تقيم أسرتان في شقة واحدة. وتتراوح مساحات شقق الإيواء في القاهرة بين 60 و90 مترًَا، وأشهر مساكن الإيواء تلك الموجودة في حي منشأة ناصر وهي إيواءات «الشرق الأوسط» و«سعد المصري» و«الوحايد» و«الاتنينات» و«التلاتات»، والإيواءات الثلاثة الأخيرة مسماة حسب عدد أدوار مساكن الإيواء؛ ففي مساكن الوحايد يتكون الإيواء من دور واحد وفي منطقة الاتنينات يتكون الإيواء من دورين وكذلك في التلاتات يتكون الإيواء الواحد من ثلاثة أدوار. وقد أقام إيواءات منشأة ناصر الرئيس الراحل محمد أنور السادات عام 1977، وكان الهدف منها أن تقيم فيها الأسر التي تتضرر من انهيار منازلهم أو سكان المناطق العشوائية التي يتم إزالة مساكنهم، وتم إنشاء هذه الإيواءات علي أن تقيم فيها الأسرة المتضررة 6 أشهر فقط ويتم نقلها بعد ذلك إلي مسكن بديل، وهو ما لم يحدث علي أرض الواقع فسكان إيواءات منشأة ناصر يقيمون بها منذ عام 77 وحتي الآن ولم يتم نقلهم إلي المساكن التي وعدتهم بها الدولة ومازالوا ينتظرون قرار النقل حتي الآن. جمال بدر - أحد سكان إيواءات منشأة ناصر - يقول «جئت إلي هذه الإيواءات وكان عمري 7 سنوات والآن عمري 40 سنة، أبي وأمي ماتا في الإيواء ولم يتم نقلنا منه كما وعدونا، وتزوجت في الإيواء وأصبح لدي أولاد ومازلت أقيم في الإيواء». بدر يصف إقامته في الإيواء بالجحيم وفي الوقت نفسه يؤكد أنهم أفضل من أسر كثيرة تقيم حاليا في الشارع «والله إحنا أحسن من غيرنا بس مفروض ينقلونا بقي لمساكن جديدة زي ما وعدونا الشقق دي ممكن تقع علينا في أي وقت وساعتها والله مش هيطلع من هنا حد حي». المسئولون في محافظة القاهرة وعدوا سكان الإيواءات أكثر من مرة بالنقل من هذه المساكن إلي أماكن أخري لكن لم ينفذوا الوعد، إبراهيم أنور - أحد سكان إيواء عزيز المصري - يقسم أن مسئولاً كبيراً في المحافظة وعدهم بالنقل خلال 6 أشهر فقط ومرت 4 سنوات ولم يتم نقلهم. وأضاف أنور: «بعد انهيار صخرة الدويقة في 2008 وسمعنا عن أسر تتسلم مساكن في سوزان مبارك ذهبنا مرة أخري إلي المحافظة وقابلنا مسئولاً آخر قال لنا: إن مساكن سوزان مبارك كانت مخصصة لأن ننقل سكان الإيواء إليها لكن حادثة الصخرة غيرت من الخطة وقررنا أن ننقل إليها سكان المناطق الخطيرة ولو تبقي مكان سيكون الأولوية لسكان الإيواءات»، وبالرغم من تأكيد المسئولين لأنور وبقية سكان الإيواء فإن الذكري الثالثة لحادثة الدويقة قد مرت في سبتمبر الجاري ومازال سكان الإيواءات علي أمل الانتقال إلي مساكن جديدة وآمنة. ومن مساكن الإيواءات في القاهرة أيضا تلك الموجودة في مدينة النهضة والتي تم نقل عدد من ضحايا حرق قلعة الكبش في 2007 إليه إلي أن يتم الانتهاء من بناء المشروع السكني المعروف باسم مساكن زينهم بالسيدة زينب، وبعد انتهاء المشروع وبدأ التسكين فيه فوجئ عدد كبير من سكان قلعة الكبش أنهم محرومون من العودة إلي زينهم مرة أخري لدرجة جعلتهم ينظمون مظاهرة أمام مبني محافظة القاهرة مطالبين بالعودة مرة أخري إلي منطقتهم، مؤكدين أن المحافظة ترفض عودتهم مرة أخري بحجة أنهم من أصحاب السوابق والمحافظ قرر ألا يعود أصحاب السوابق إلي منطقة زينهم التي تم تطويرها، أضافوا أن هناك مسجلين خطرًا تسلموا بالفعل في مساكن زينهم لكن هناك مسئولين بالحي يتعنتون ضدهم ويرفضون عودتهم لأنهم لا يستطيعون دفع رشاوي لهم بينما من يدفع يعود إلي زينهم ويتسلم بالفعل. ورغم أن المساكن الموجودة بالنهضة حديثة البناء نسبيا فإنها تفتقر إلي أبسط الخدمات، بالإضافة إلي أنها بعيدة جدا عن العمران وينتشر بها البلطجية الذين يحتلون مكان الشرطة في المدينة مما جعلها منطقة مهجورة. نفس الهم واحد.. والإهمال واحد.. والضحايا دائما ما يكونون من فئة واحدة فقراء هذا الزمن، سواء في القاهرة أو في محافظات أخري، ففي شبين الكوم بمحافظة المنوفية مأساة يعيش فيها سكان الإيواءات، حيث يقيمون في عمارتين آيلتين للسقوط صدر قرار لهما بالإزالة لكنه لم ينفذ، وتحيطهم القمامة من جميع الجهات، وكل عمارة عبارة عن 5 أدوار بكل دور 6 غرف يقيم بكل غرفة أسرة ولكل دور حمامان واحد حولته بعض الأسر إلي حجرة للمعيشة والآخر يتم استخدامه كغرفة معيشة. ويسكن في هذه الإيواءات 50 أسرة في حياة غير آدمية، وخلال جولة داخل هذه المساكن كانت الصدمة من مدي تهالكها لدرجة أن هذه المساكن أصبحت آيلة للسقوط، والتي يعيش سكانها في مأساة حقيقية عبروا عنها بتقديم العديد من الشكاوي إلي محافظ المنوفية وإلي منظمات حقوق الإنسان ولكن دون جدوي، ومازال حلمهم أن يتم إنقاذهم قبل أن تنهار علي رءوسهم وأن يتم انتقالهم إلي مساكن جديدة. وعن رحلة العذاب كما اسموها أو مسلسل تقديم الشكاوي إلي المسئولين أكد عدد من سكان الإيواء أنهم تقدموا بالعديد من الشكاوي إلي المحافظة وكانت تقوم بإرسالهم إلي الشئون الاجتماعية التي تعاملهم معاملة سيئة للغاية لدرجة أنها كانت تقوم بطردهم من المكتب ووصل السكان إلي نتيجة مهمة وهي أن الشكوي دون جدوي ودون استجابة فبالتالي لا أهمية للشكاوي. السكان أكدوا أنهم لا يملكون مقدماً لشقق المحافظة فهم قد طلبوا حوالي 5000 جنيه ولا يوجد لديهم مصدر رزق ثابت، وأضافوا أنه يحدث العديد من المشاكل اليومية والمعارك بالسنج لأنها تعد منطقة عشوائية. وطالب المتضررون بتخصيص شقق لهم بعمارات الأوقاف بالحي البحري بمدينة شبين الكوم للعيش بها خاصة بعد علمهم بأن المحافظة تنوي فتح باب الحجز بها قريبا مؤكدين أحقيتهم بهذه الشقق لضمان حياة كريمة لهم ولأسرهم.