إذا كان لنا أن نقدم هذا التحقيق إلى أحد فإننا نقدمه إلى النيل بإهداء خاص: نحن هبتك وأنت ضحيتنا، فى محاولة لحماية النيل من التلوث والتخلص من المخلفات الصناعية والزراعية التى تلقى به وتدمر صحة الإنسان. توصلت دراسات مصرية بالمركز القومي للبحوث الي إمكانية التخلص من بعض ملوثات مياه النيل وذلك عن طريق استخلاص مواد معينة بطرق سهلة وتكلفة بسيطة من المخلفات النباتية والحيوانية, ومن خلال أحد الأبحاث تم التوصل الي منتج طبيعي له دور مهم في التخلص من المواد الكيميائية الملوثة للمياه, وتم تصنيع هذا المنتج من مادة توجد في الطبقة الطينية العليا لمياه نهر النيل وإن كانت توجد بكميات قليلة إلا أنها تكفي لحل غالبية مشاكل التلوث في المياه. كما تمكنت دراسة أخري من إزالة بعض العناصر السامة الملوثة لمياه النيل مثل الكروميوم والكادميوم والرصاص والنحاس باستخدام بعض المخلفات الزراعية التي تمت معالجتها, ومن أمثلتها حطب القطن والذرة وقش الأرز وكذلك نوي البلح والزيتون, وقد أثبتت نتائج الدراسة أن بعض المواد المستخلصة من هذه المخلفات تلعب دورا مهما كحافز لإزالة الملوثات الصناعية من مياه النيل. وقد أكدت الدراسات الحديثة تزايد حجم التلوث بمياه النيل بدرجة مخيفة تهدد صحة الإنسان الي جانب آثاره السلبية المدمرة للثروة السمكية, وفي آخر تقرير بحثي لحجم الملوثات الصناعية والزراعية التي تشكل خطورة علي صحة الإنسان تبين أنه يلقي في النيل حوالي5.2 مليار متر مكعب سنويا من مياه الصرف الزراعي محملة بالمبيدات القاتلة, و550 مليون متر مكعب سنويا من المخلفات الصناعية. كما ثبت أن نسبة الرصاص في مياه النيل بلغت65% والزئبق3% وهي نسب تتعدي كثيرا الحدود المنصوص عليها دوليا. وأكدت الأبحاث الطبية أن تلوث مياه النيل بالمخلفات الصناعية والزراعية وراء تزايد حالات الفشل الكلوي في مصر, والتي تصل معدلاتها الي حوالي أربعة أضعاف مثيلاتها في العالم, كما وجد أن عدد الأطفال الذين يموتون نتيجة الإصابة بالنزلات المعوية بسبب تلوث المياه يصل الي20 ألف طفل سنويا. نسب التلوث ووفقا للنتائج البحثية الحديثة يؤكد الدكتور أحمد نور الدين الباحث في قسم الأحياء المائية بالمركز القومي للبحوث أن نسبة الرصاص في النيل بلغت65% بينما وصلت نسبة الزئبق الي3% وهي تتجاوز بدرجة كبيرة النسب المنصوص عليها دوليا, وتكشف الإحصاءات أن بعض الجهات الحكومية مسئولة عن تلويث النهر فتوجد180 مخالفة تابعة لوزارة الإدارة المحلية و1300 مخالفة للقطاع الخاص و2100 وحدة تجارية لنقل الركاب. وقد تبين من الدراسات أن عدد الوحدات الصناعية التابعة للقطاع العام بلغ330 وحدة منتشرة بالمحافظة وإجمالي المياه المنصرفة والناتجة عن الاستهلاك الصناعي549 مليون متر مكعب سنويا ينصرف منها في الوجه القبلي وحده204 ملايين متر بما يمثل47% من إجمالي الكميات المنصرفة, وبالتالي تحتل مياه الصرف الصناعي المرتبة الأولي بين أنواع الصرف المختلفة ويحتل إقليم الوجه القبلي المرتبة الأولي في حجم الصرف الصناعي بنسبة33% علي مستوي الجمهورية, أما عن التلوث بمياه الصرف الزراعي, فقد بلغت كمية المياه الملقاة في النيل من مياه الصرف الزراعي المحملة بالمبيدات2.5 مليار متر مكعب سنويا, وهذه الكمية محملة بالمبيدات القاتلة, كما أن هناك73 مصبا للصرف الزراعي تؤدي الي تلوث كيميائي وبيولوجي وزراعي للنيل. الملوثات الصناعية وخطورتها ويضيف ان إجمالي المياه المنصرفة والناتجة عن الاستهلاك الصناعي تبلغ549 مليون متر مكعب في السنة ينصرف منها في الوجه القبلي وحده204 ملايين متر مكعب في السنة, وتمثل حوالي47.2% من اجمالي الكميات المنصرفة, كما تقدر كميات المياه الراجعة الي النيل كناتج للاستخدام الصناعي بحوالي312 متر مكعبا في السنة, وبطرح هذه الكميات من إجمالي الاستهلاك الصناعي من المياه والذي يقدر ب638 مليون متر مكعب في السنة يتضح أن إجمالي المياه المستهلكة في القطاع الصناعي تبلغ حوالي326 مليون متر مكعب في السنة, ويستأثر النيل والترع ب56.8% من إجمالي المياه المنصرفة, وفي منطقة حلوان علي سبيل المثال تصب جميع الصناعات مخلفاتها في النهر, وهي نقط قريبة جدا من أخذ المياه لمحطات المعالجة لمياه الشرب. وترجع خطورة المخلفات الصناعية إلي احتوائها علي مواد سامة يصعب التخلص منها بطرق المعالجة الشائعة كالسيانور والفنينول أو المركبات الكيميائية المختلفة, وكذلك المخلفات الزراعية التي تضم المبيدات الحشرية والمخصبات الزراعية, كما يمثل ورد النيل مصدرا مهما للتلوث, حيث يتضاعف النبات الواحد150 مرة خلال ثلاثة أشهر ووجوده الكثيف في أي مسطح مائي يستهلك جزءا من مياه النيل, كما يوفر مناخا مناسبا لنمو الكائنات التي تلعب دورا كبيرا في أمراض عديدة كالبلهارسيا والملاريا والدودة الكبدية, كما يعرض الثروة السمكية للموت. ويؤكد الدكتور أحمد نور الدين أن الطرق التقليدية لتنقية المياه لاتقضي علي الملوثات الصناعية مثل الهيدروكربونات والملوثات غير العضوية والمبيدات الحشرية والمركبات الكيميائية المختلفة, ومما يزيد الأمر خطورة ان الملوثات العضوية تتفاعل مع الكلور المستخدم في تعقيم المياه لتنتج مواد كربوهيدراتية كلوروينية تسبب السرطان, بالنسبة لفرع رشيد يوجد مصدران رئيسيان للتلوث اولهما مصرف الرهاوي الذي يصرف خلف قناطر الدلتا والمصدر الثاني بمنطقة كفر الزيات الصناعية حيث تلقي مخلفات مصانع الصابون والزيوت والملح والصودا وفي هذا المكان يزداد التلوث الي حد كبير. وتشير الدراسات الي أن التلوث بمياه الصرف الصحي يعد أسوأ مصادر تلوث النيل والمجاري المائية, ففي القاهرة يتم إلقاء300 ألف متر مكعب في اليوم الي مصرف الرهاوي من دون معالجة, وهذا المصرف يصب في فرع رشيد مما يزيد من تلوث مياه الفرع, اما الجزء الشرقي من القاهرة فيلقي معظم صرفه الصحي بلا معالجة الي مصارف الخصوص وبلبيس التي تصب في مصرف بحر البقر الذي يصب بدوره في بحيرة المنزلة فيؤدي الي تلوثها وتدمير الثروة السمكية. وفي دراسة عن تأثير تلوث النيل علي الثروة السمكية أجرتها الدكتورة فجر خميس الباحثة في قسم تلوث المياه بمشاركة كل من الدكتور احمد الشهاوي ومحمد عبدالباعث بقسم الوراثة بكلية الزراعة جامعة عين شمس لتقدير نسب التلوث في المياه المحتوية علي اسماك البلطي والقراميط باستخدام الدلائل الوراثية, ثبت منها ان اسماك القراميط والبلطي اكثر حساسية وتأثرا بتلوث البيئة المائية, وأن القراميط أكثر امتصاصا لعنصر الكادميوم عن البلطي الذي كان أكثر تأثرا بعنصري النحاس والرصاص. معالجة التلوث وقد توصلت دراسة بقسم الأحياء المائية بالمركز القومي للبحوث الي استخلاص مواد معينة بطريقة سهلة وتكلفة رخيصة من المخلفات النباتية والحيوانية بغرض التخلص من ملوثات مياه النيل, ومن خلال الدراسة تمكن الفريق البحثي المكون من الدكاترة مني سعد زكي واحمد نور الدين وحسين عبدالفتاح من التوصل الي منتج طبيعي له دور مهم في التخلص من المواد الكيميائية الملوثة للمياه علما بأن هذه المادة توجد في الطبقة الطينية العليا لمياه نهر النيل وان كانت بكميات قليلة إلا انها تكفي لحل غالبية مشاكل التلوث في المياه. وفي الاتجاه نفسه قامت الدكتورة سهير عبدالعاطي الباحثة بقسم الكيمياء الفيزيائية بالمركز القومي للبحوث بإجراء دراسة لإزالة بعض العناصر السامة الملوثة لمياه النيل مثل الكروميوم, الكادميوم, الرصاص والنحاس وقد استخدمت بعض المخلفات الزراعية بعد معالجتها لهذا الغرض, ومن امثلتها حطب القطن والذرة وقش وسرس الأرز وكذلك نوي البلح والزيتون, وقد أثبتت نتائج الدراسة ان بعض المواد المستخلصة من هذه المخلفات تلعب دورا مهما كحافز لإزالة بعض الملوثات العضوية وغير العضوية من مياه صرف المصانع.