يستقبل أربعة ملايين مسلم في ألمانيا شهر رمضان بمشاعر متباينة, بعد أن احتلت قضايا الإسلام والمسلمين مساحات واسعة من اهتمامات السياسيين ووسائل الإعلام الألمانية خلال الآونة الأخيرة. هذا الاهتمام الرسمي والإعلامي بشئون الجاليات المسلمة حمل العديد من الأخبارالسارة لمسلمي ألمانيا, ولكنه انطوي أيضا علي جوانب سلبية قد تؤثر علي مستقبل الجاليات المسلمة علي المدي البعيد. في مقدمة التطورات الإيجابية التي لمسها المسلمون في ولاية برلين تحديدا, والتي يعيش بها أكثر من نصف مليون مسلم, قانون المشاركة والاندماج الذي أقرته الولاية, والذي يهدف لمساواة المهاجرين, خاصة المسلمين منهم بالمواطنين الألمان من حيث فرص العمل في مؤسسات الدولة, وإلغاء التمييز الذي يتعرضون له عند التقدم لفرص العمل المختلفة أو تأجير المساكن, كما يقصر القانون وصف المواطن من أصل أجنبي علي أبناء الجيلين الأول والثاني فقط من المهاجرين. كما يسمح هذا القانون لأول مرة للمسلمين بدفن موتاهم وفقا للشريعة الإسلامية, وهو ما يزيد ارتباط المسلمين بألمانيا بعد أن كان معظمهم يرسلون موتاهم للدفن في تركيا أو الدول العربية التي ينحدرون منها. من الأخبار السارة كذلك, دفاع وزيرة التعليم والبحث العلمي انيتا شافان عن تدريس الدين الإسلامي في مدارس ألمانيا, ورغم تصريحات بأنها تتفهم مخاوف الألمان من الإسلام, فإن حوار الأديان والدستور الألماني يتطلب إخراج تدريس الدين الإسلامي من الفناءات الخلفية للمساجد, ليصبح من الممكن تدريسه باللغة الألمانية في المدارس علي أيدي مدرسين يتم تأهيلهم في الجامعات الألمانية, الأمر الذي بدأ العديد من ولايات المانيا في تنفيذه. كذلك أثلج خبر تعيين ايجول أوتسكان أول وزيرة مسلمة في تاريخ ألمانيا لتصبح وزيرة لشئون الاندماج في ولاية ساكسونيا السفلي صدور الكثيرين, خاصة نشاطها في التعبير عن مصالح الجاليات المسلمة, ومبادرتها الأخيرة بوضع ميثاق إعلامي لولاية ساكسونيا السفلي يلتزم الصحفيون في إطاره بتناول محايد لقضايا المهاجرين والاندماج واستخدام خطاب إعلامي أكثر هدوءا وتسامحا, غير أن الجاليات المسلمة لاحظت تطورا إيجابيا تمثل في اهتمام الإعلام الألماني مع دخول شهر رمضان بفرد مساحات لأنشطة وحياة المسلمين في هذا الشهر, مع شرح عادات الصوم والإفطار للألمان وتغطية أخبار الموائد الرمضانية المشتركة للمساجد والكنائس في العديد من مدن ألمانيا. في مقابل ذلك, حملت الأيام الأخيرة أخبارا غير سارة لمسلمي ألمانيا, فقد حذرت دراسة حديثة لمعهد بحوث المناهج الدراسية في براونشفايج من الصورة السلبية للإسلام في المناهج الدراسية في مدارس ألمانيا, واتهمت أستاذة علم الأديان جيردين يونكر دور النشر التي تطبع كتب التاريخ والثقافة العامة بأنها تسهم في تشويه صورة هذا الدين وأتباعه عن قصد أو دون قصد, فكل الكتب المتوافرة تروي قصة واحدة عن الإسلام تدور أحداثها في العصور الوسطي وخلاصتها أن المسلمين احتلوا أوروبا, وأن الأوروبيين اضطروا للدفاع عن أنفسهم! وتخلص الدراسة إلي أنه منذ اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر يتم تناول هذا الحدث تحت فصل التعريف بالإسلام!.. كما لا يخلو كتاب مدرسي من ثلاثية التطرف والإسلام والإرهاب, بل ان كتب المرحلة الثانوية الألمانية تتناول بالتفصيل صدام الحضارات. بطبيعة الحال, اثارت نتائج الدراسة مناقشات واسعة لأنها تتعلق بما يتم غرسه في عقول التلاميذ والطلبة الألمان, ولكن ما اثار مخاوف الجاليات الإسلامية فعلا هو ذلك التيار المتنامي داخل الحزب المسيحي الديمقراطي الحاكم الذي يطالب أصحابه بمواقف أكثر تشددا تجاه المهاجرين بشكل عام والمسلمين بشكل خاص. هناك مؤشرات علي أن الأحزاب اليمينية المتطرفة وفي مقدمتها برو دويتشلاند الذي يعادي المسلمين في ولاية شمال الراين وستفاليا, وتتزايد شعبيته في الغرب تسعي لتأسيس حزب معاد للإسلام في ألمانيا علي غرار حزب الحرية الذي يرأسه جيرت فيلدرز في هولندا, والذي تمكن الآن من المشاركة في الائتلاف الحاكم في البلاد. ويبدو أن نجاح فيلدرز شجع سياسيين مناهضين للإسلام داخل الحزب المسيحي الديمقراطي علي محاولة تكرار تجربته في ألمانيا.. وما حدث في برلين أخيرا خير دليل علي ذلك,. فقد قرر رينيه شتادكيفيتس, العضو السابق في الحزب المسيحي الديمقراطي وعضو برلمان برلين توجيه الدعوة لفيلدرز لزيارة العاصمة الألمانية في2 أكتوبر المقبل ليتحدث أمام جمع غفير عن الإسلام كعائق للاندماج في المجتمع الألماني. ورغم اعتراض رئيس الحزب المسيحي في برلين علي الدعوة, أصر شتادكيفيتس علي التمسك بدعوة فيلدرز وتوجه للقائه في هولندا, ما اثار أزمة داخلية كبيرة قرر الحزب المسيحي الديمقراطي علي اثرها التصويت علي طرده من البرلمان, مؤكدا في بيان له أن الحزب يرفض التطرف والتشهير بالإسلام الذي يعترف به رغم الاختلاف معه. وكشفت الأزمة عن تعاطف عدد ليس قليلا من أعضاء ما يسمي بالتيار اليميني المتشدد داخل الحزب المسيحي الديمقراطي مع مطالب شتادكيفيتس, فهؤلاء يريدون أن يكون الحزب أكثر حزما مع المسلمين ويطالبون بحظر بناء المساجد ويرون أن المسلمين يزرعون في عقول أبنائهم أفكارا تصطدم مع قيم الحرية والديمقراطية الغربية وتنتهك الدستور. وقد دفع ذلك التطور خبير الشئون السياسية الشهير جيرت لانجوت لتحذير المسيحيين الديمقراطيين من السماح لهذا التيار بالانفصال عن الحزب والاندماج مثلا مع حزب برو دويتشلاند الذي يسعي الآن لكسب مزيد من الأنصار من بين صفوف المسيحيين الديمقراطيين الساخطين علي حزبهم بسبب موقفه المتساهل مع الأجانب والمهاجرين, خاصة أن استطلاعا للرأي أجراه معهد إيمنيد الشهير كشف عن أن25% من الألمان يوافقون علي تأسيس حزب محافظ جديد ذي توجه يميني أكثرتشددا من الحزب المسيحي الديمقراطي الحالي. وقد أعلن حزب برودويتشلاند بالفعل عن تنظيم مؤتمر عالمي في العاصمة الألمانية لكسب الأصوات قبل الانتخابات المحلية المقبلة في الولاية في العام المقبل تحت شعار برلين مدينة مسيحية ديمقراطية.