أثارت واقعة قتل الصيدلانية المصرية مروة الشربيني - 32 عاما - على يد متطرف ألماني داخل قاعة محكمة في مدينة دريسدن شرق ألمانيا يوم الأربعاء الماضي حالة من الصدمة والغضب ووحدت بين يهود ومسلمي ألمانيا في توجيه النقد لرد الفعل "المقتضب" من قبل الساسة ووسائل الإعلام في ألمانيا على الحادث. وأعلن أمينا مجلسي المسلمين واليهود في ألمانيا عن رغبتهما في زيارة الدكتور علوي عكاز زوج مروة الذي يرقد في المستشفى بعد تلقيه طعنات من الجاني أثناء محاولته انقاذ زوجته في قاعة المحكمة ، بالإضافة إلى تلقيه رصاصة طائشة من أحد رجال الأمن داخل القاعة عن طريق الخطأ. وتصاعدت في الأيام الأخيرة حدة لهجة النقد الموجهة لبعض وسائل الإعلام الألمانية بسبب التغطية غير الوافية للواقعة لا سيما وأن الإعلام الألماني يتعامل باهتمام بالغ مع كل ما يمس المواطن الألماني خارج بلاده ، ولعل واقعة الشاب الألماني ماركو فايس الذي احتجز في تركيا بعد اتهام فتاة بريطانية قاصر له بالتحرش بها أبرز دليل على ذلك ، حيث تصدرت صور وأخبار ماركو وقتها جميع وسائل الإعلام ، كما كانت موضوع جدل سياسي واسع النطاق لدرجة أن بعض الساسة الألمان رأوا فيها تعزيزا لموقفهم الرافض لانضمام تركيا للاتحاد الأوروبي. وتدرج تعامل وسائل الإعلام الألمانية مع الواقعة بشكل واضح ، ففي البداية لم تركز التقارير الإخبارية سوى على الحدث ، ولكنها بعد ذلك اهتمت بالجانب الإنساني في القضية وبمصير ابن الضحية الذي تم نقله إلى إحدى دور الرعاية والذي انتشرت صورته مع والديه على مواقع العديد من الصحف. وتواجد اسم مروة التي طعنها المتهم 18 طعنة في غضون 30 ثانية داخل قاعة المحكمة بشدة في مواقع الانترنت ومن أبرزها موقع "فيس بوك" الشهير للتواصل الاجتماعي ، حيث تم تخصيص صفحات لنعي مروة التي وصفت في مصر بأنها "شهيدة الحجاب". ولم يقتصر الاهتمام على الصفحات العربية فحسب ، بل إن صفحة "المسلمون الناطقون بالألمانية" على فيس بوك دعت زوارها إلى الترحم على مروة ، ودعت إلى الاهتمام بالقضية بشكل لا يقل عن الاهتمام الواسع من قبل رواد فيس بوك بوفاة نجم البوب الأمريكي مايكل جاكسون قبل أكثر من أسبوع! وبعد فترة من الانتقادات التي وجهت إلى طريقة تعامل الحكومة الألمانية مع القضية أرجعت برلين تحفظها الملحوظ وعدم صدور بيان سياسي واف عن القضية إلى "عدم وضوح ملابسات الواقعة بشكل كامل" وفقا لتصريحات أدلى بها توماس شتيج نائب المتحدث باسم الحكومة ، والذي أكد أن الواقعة "مست مشاعر المستشارة أنجيلا ميركل" بشكل قوي. وأكدت برلين إدانتها الشديدة للواقعة ، إذا اثبتت التحقيقات أن هناك خلفية عنصرية في الأمر. ولعل مروة لم تكن تدرك أن خلافا حول أرجوحة الأطفال في أحد المتنزهات الألمانية مع شاب ألماني روسي يدعى ألكسندر - 28 عاما - سينتهي بهذه الطريقة المأساوية. وتعود تفاصيل الواقعة إلى أغسطس 2008 عندما طلبت مروة من المتهم أن يفسح مكانا على الأرجوحة لابنها الصغير مصطفى لينهال عليها الرجل بالسباب ويصفها ب"الإرهابية" و"المتطرفة". ويخشى المحللون الألمان من استغلال هذه الواقعة من قبل بعض الجهات الأصولية في نشر الكراهية ضد ألمانيا ، لا سيما وأن بعض هذه الجهات دعت على شبكة الانترنت إلى القصاص واتهمت السلطات الألمانية بالتقصير ، كما أن جنازة مروة في مسقط رأسها بالإسكندرية يوم الإثنين شهدت ترديد بعض العبارات المعادية لألمانيا. وتأتي هذه "الدعاوى التحريضية" ضد ألمانيا بعد فترة قليلة من تحذير السلطات الأمنية الألمانية من إمكانية شن هجمات على البلاد قبل الانتخابات البرلمانية المقبلة المقرر لها خريف هذا العام. ولكن بعض الأصوات المعتدلة في العالم العربي حاولت التأكيد على أن ما حدث في ألمانيا التي تشير آخر الإحصائيات إلى أن نحو أربعة ملايين مسلم يعيشون بها "حالة فردية" ، مشيرين إلى أن القضاء الألماني حكم بتغريم الجاني في واقعة سبه للضحية قبل أن يلجأ المتهم إلى الاستئناف ويقوم بفعلته أثناء الجلسة حيث أقدم على طعن الضحية الحامل في شهرها الثالث أمام عيون ابنها البالغ من العمر ثلاثة أعوام. وفتحت هذه الواقعة من جديد باب النقاش أمام حقوق المسلمين في الغرب ، حيث طالب شيخ الجامع الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوي باتخاذ موقف من التصعيد ضد الأجانب المقيمين في أوروبا بمن فيهم المسلمون. وجاء الحادث بعد أيام قليلة من "مؤتمر الإسلام" الذي يعمل منذ عام 2006 على تحسين سبل اندماج المسلمين في المجتمع الألماني بشكل أفضل خاصة وأنهم صاروا يشكلون جزءا لا يستهان به في المجتمع الألماني.