من العروض الكبيرة التي يقدمها المسرح المصري الآن.. أي البيت الفني للمسرح هي مسرحية حباك عوضين تامر التي كتبها د. سامح مهران رئيس أكاديمية الفنون منذ ثلاث سنوات لتقدم الآن علي مسرح السلام. الإسم وهو اسم المسرحية.. وأيضا اسم البطل وهو حباك والأب عوضين والجد تامر وهو اسم يدل علي أننا بصدد عمل أو مسرحية من نوع الفانتازيا برغم أنها تعتمد علي أشخاص نشاهدهم في حياتنا اليومية. ولعل الفانتازيا تأتي من اسم الجد وهو تامر وهذا اسم بالغ الحداثة وبالمثل أيضا والدة حباك اسمها رشا وهي امرأة ريفية بسيطة للغاية لا تفقه تقريبا في أي شيء. كان الاسم هو عشم ابليس ولكن بعدما تأكدوا من أن هذا كان اسم إحدي المسرحيات التي عرضت منذ سنوات تم في النهاية تغير الاسم إلي اسم البطل حباك. فماذا عن هذا العرض؟ النص يصعب التوقف كثيرا عنده, بمعني سرده ولكنه في النهاية من خلال الكثير من المفارقات وخفة الظل والكوميديا واستعراض ما نعانيه وما تعانيه مجتمعاتنا حاليا من بعض السلبيات.. تلك السلبيات التي عادة ما يكون السبب فيها ذلك الشيطان الذي يقود ضعاف النفوس إلي الخطأ بل والأخطاء في حق نفسه وفي حق الآخرين سواء كانت سرقة أو نهب أو استغلال أو عمليات ارهاب وغيرها وغيرها مما يوسوس به الشيطان للانسان ضعيف الايمان بالخير.. ذلك الخير الذي تدعو إليه المسرحية من خلال هذا النص.. الاخراج تولاه المخرج جلال عثمان معتمدا علي ديكورات أراها جيدة من خلال مجرد بعض الستائر التي رسمت عليها أجواء المشاهد المختلفة وهو أمر نطالب به ونراه في العديد من أعمال دار الأوبرا المصرية خاصة تلك الواردة من الفرق الأجنبية. هذه الديكورات لا تكلف بالطبع ويمكن معها بعضا من القطع البسيطة كمقعد أو سرير أو ما شابه.. والديكور هنا لعبد المنعم مبارك. اعتمد أيضا المخرج علي استعراضات تتمشي مع أجواء الفانتازيا تلك التي صممها مجدي الزقازيقي. وكان من فروع العمل المسرحي المتميزة تلك الألحان والموسيقي البديعة التي قدمها علي سعد وهو واحد من مقدمي وملحني العديد من موسيقي وألحان المسرح بالذات. أما الاضاءة فلم أعتقد أن المخرج وفق فيها خاصة في بعض المشاهد التي تعتمد علي ابراز ملامح الممثلين خلال تعبيرهم القوي عن اللحظة أو الموقف وأما استعراضات الشياطين فكانت من الأمور المهم ابرازها من خلال اضاءة خافتة علي عكس ما شاهدناه من تقريب اظلام تام. أما حركة الممثلين علي المسرح فكانت جيدة وايقاعها مناسب في معظم المشاهد لتقدم لنا الحيوية التي نجح في اضفائها شخصية البطل وهو حباك. فقط ما عاب العرض هو تلك الاطالة التي لو تم اختصار بعض المشاهد خاصة وهناك بعضا منها متكرر مثل طلب البطلة الزواج بالعافية من البطل. لكن بصفة عامة أجد أنه عرض جيد استطاع جذب عدد كبير من المتفرجين في وقت المباراة النهائية لكأس العالم. فماذا عن الأبطال؟ لدينا محمد رياض الذي شاهدته ممثلا متفهما لمعظم الأدوار التي قام بها ولكني هنا أجده شخصية مختلفة.. ممثلا من العيار الثقيل صوت مسرحي متميز.. أداء فيه حيوية وفهم للشخصية وإحساس بمختلف المشاعر التي يمر بها. استطاع محمد رياض أن يملأ خشبة المسرح بالفعل كما لو كان مجموعة من الممثلين وليس فردا واحدا. أما الفنانة القديرة ليلي طاهر في دور أم البطل الفلاحة الساذجة وبرغم سذاجتها تخرج منها تلك العبارات والجمل التي تفجر الكوميديا. قدمت الدور باسلوب السهل الممتنع. معنا أيضا وجه جديد إلي حد ما وهي سماح السعيد في دور الفتاة التي تطلب الزواج من البطل وكانت جيدة في أدائها واستعراضاتها وأيضا في حركتها. مجدي صبحي قام بدور الشيطان ليؤكد موهبة خاصة مع لياقة جسمانية ملموسة. كان الارهابيان محمود حسن وأحمد يوسف في حدود أدوارهما جيدين.. وفي دور الرأسمالي الوطني السجين خالد النجدي كان متوافقا تماما في مشهده داخل السجن. في الفصل الثاني كان ممثل السلطة وهو العمدة يوسف داود كما عهدناه في معظم مسرحياته يحمل حضورا مسرحيا وصوت وابتسامة عريضة بمناسبة وبدون مناسبة ولكنها مما اعتدنا عليها من هذا الممثل الكبير أما شيخ الخفر جميل عزيز فكان معقولا في دوره المحدود.. عمل في النهاية أجده من الأعمال الجيدة التي تستحق المشاهدة حيث المرح والموسيقي والاستعراضات والغناء وأيضا لا أقول الموعظة ولكن الهدف الواضح وهو الاهتمام بالابتعاد عن كل ما هو شر, ذلك الذي يوغر به الشيطان للانسان..