حالة من الدهشة قد تصيبك بمجرد سماع اسم العرض المسرحي الذي افتتح الخميس الماضي علي خشبة مسرح السلام بعنوان "حباك عوضين تامر" للمخرج جلال عثمان تأليف الدكتور سامح مهران وبطولة الفنانة ليلي طاهر ومحمد رياض ومجدي صبحي وسماح السعيد، حيث تم تغيير اسم العرض من "عشم إبليس" إلي اسم بطل الشخصية الرئيسية بالعمل "حباك " الذي يجسده محمد رياض، وعلي الرغم من غرابة الاسم فإن مخرج ومؤلف العمل لم يترددا لحظة في الاستعانة به فور اكتشافهما لوجود نص مسرحي آخر في الرقابة بعنوان "عشم إبليس". لا تقتصر الدهشة علي اسم العرض وحده بل تستمر الدهشة عندما يفاجأ جمهور العرض بظهور شخصية الشيطان التي يجسدها الفنان مجدي صبحي، فعلي الرغم من تناول هذه الشخصية بالسينما في أكثر من عمل منها «سفير جهنم» للفنان يوسف وهبي و«المرأة التي غلبت الشيطان» لعادل أدهم وأيضا في المسرح من خلال مسرحية «تخاريف» لمحمد صبحي فقد ظلت نادرة بالتحديد في المسرح بسبب انعدام المكانيات التي تساعد علي اللعب بخيال المتلقي حتي جاء هذا العرض الذي يقول عنه المخرج المسرحي جلال عثمان: اسم العرض في الأساس كان "حباك عوضين تامر" وتغير إلي "عشم إبليس" لكن اكتشفنا ان هناك نصًا مسرحيا في الرقابة بنفس الاسم فعدنا للاسم الأول و"حباك عوضين تامر" هو اسم بطل العرض، وكان مقصودا أن يكون غريبا علي الجمهور ويحدث لديهم هذه الدهشة، وهذا ما يحدث عند مشاهدة العمل، ففي رأيي إن لم ينجح العرض في إصابة المتلقي بالدهشة، يفقد معناه وقيمته ويأتي هذا بدءًا من الاسم. ويقول: جرت العادة من قبل أن يخرج اسم العرض من داخل أحداث الدراما نفسها ، لكن عندما نضع عنوانًا مجردًا ليس له معني سوي أنه اسم شخصية تحدث حالة من الجذب، إلي جانب أنه اسم غير تقليدي. وعن أزمة إمكانيات المسرح التي واجهها العمل يضيف: أي عرض تقابله مشكلات وقد استغرقنا وقتا في البروفات بسبب مواعيد التصوير لدي الفنانين إلي جانب أنه حدث إحلال وتبديل لفريق العمل حتي استقرنا أخيرًا علي هؤلاء الأبطال، ثم بعد ذلك جاء تركيزي في عمل أشياء علي خشبة المسرح لكن للأسف لم استطع إلا في حدود المتاح. ويضيف: الأزمة لا تتعلق بمسرح السلام فقط ، بل جميع المسارح تحتاج إلي إعادة نظر في التقنيات الخاصة بها، أيضا العمالة الفنية أي الصف الثاني والثالث تحتاج إلي تدريب علي التقنيات الحديثة حتي تستطيع التعامل معها ولا بد من توفير هذه التقنيات بالمسارح مثل خشبة الصعود والهبوط الموجودة في الأوبرا فحتي أحقق فكرة الطيران للشيطان علي المسرح استغرقت منا مجهودًا شاقًا ولم تتحقق كما أردنا، وإذا كانت متوفرة لدينا إمكانيات أكبر لخرج العمل بشكل مغاير عما هو عليه حاليا. وعن جرأة تناوله لشخصية الشيطان علي المسرح قال: هذه الشخصية تم تناولها في السينما والمسرح فهناك نصًا عالميا "فاوست" يتناول صفقة بين الإنسان والشيطان، وأيضًا "إبليس في المدينة"، فالشخصية سبق تقديمها علي مستوي المسرح العالمي والسينما العالمية، وبالتأكيد هذه الأعمال في السينما تكون مختلفة تماما لأن الإمكانيات بهذا المجال أعلي من المسرح، وفي هذا العمل وضعنا الشيطان في إطار مصري صعيدي حيث استوحي الكاتب هذه الشخصية الصعيدية وتعامل مع سذاجة وطيبة "حباك" وقدرة تأثره بالشيطان، لدرجة أنه يعقد صفقة معه، ثم يتأكد أن هذه الشخصية هي الشيطان الحقيقي الموجود بداخله . ويضيف: نحن في حالة قصور في تناول الجانب القبلي أو الصعيدي بأعمالنا المسرحية خصوصًا أن الصعايدة لهم تأثير كبير في أشياء متعددة علي المجتمع فإذا عدنا للماضي هم من ساهموا في بناء مصر لذلك قررنا أن نتطرق إلي الجانب الصعيدي كما أردنا أن نظهر الشخصية المصرية التي تحمل قدرًا من الرجولة والنخوة لدي "حباك عوضين تامر" . ويقول: الحلي والذهب الكثير الذي ظهر به الشيطان هي محاولة لتزيين الدنيا أمام "حباك" لأنها من ضمن الأشياء التي يتأثر بها الإنسان ويذهب إليها دائما، واللعبة في النهاية إننا مثلنا شخوصًا حقيقية لكن كل هذه الأحداث مجرد فانتازيا لأننا في النهاية نلعب لعبة حتي يري المتلقي كيفية الانحياز إلي الخير بشكل فانتازي وليس واقعيا وهو في النهاية حقق نوعًا من أنواع المرح والبهجة البعيدة عن الواقع. وفي السياق ذاته يقول الفنان مجدي صبحي الذي لعب دور الشيطان المرح: شخصية "إبليس" سبق وقدمها الفنان يوسف وهبي في «سفير جهنم» وعادل إمام في "الإنس والجن" وعادل أدهم في "المرأة التي غلبت الشيطان"، لكنني أقدمها هنا بشكل مختلف تماما، فإبليس في هذه المسرحية هادي جدا وطيب ورقيق ومؤدب ومرح، لكن كل هذا يتحول في النهاية إلي نار ويخرب كل ما حوله، لكن لم نقدمه بالشكل التقليدي الذي سبق ورأيناه من قبل فقصدنا أن يظهر كأنه إنسان ظاهره جيد لكن بداخله شرًا عظيمًا. ويضيف: لم أجد المسألة صعبة علي المسرح كما يتصور البعض لأننا نقدم شخصية واسمها "بعل زبول" وبصراحة هذه الشخصية بداخلي، لأنني كنت أتمني منذ دراستي بمعهد الفنون المسرحية أن أقدم مسرحية «فاوست"، وفيما يتعلق بملابس الشخصية، كانت بالاتفاق مع المخرج وقصدنا أن نضفي نوعًا من الجاذبية علي شخصية الجن ، بالطبع إذا كانت هناك تقنيات أعلي بالمسرح كانت ستوفر لنا مسألة الطيران بسهولة، وكانت ستضفي ثراء أعلي علي الشخصية إلي حد ما وستحقق حالة إبهار للمشاهد، ويضيف: لا بد ألا يقتصر فهمنا علي أن الجن في حد ذاته هو المقصود، لكن من الممكن أن نفسرها بإسقاطات سياسية أخري ، وهي شخصية جديدة علي الجمهور خارجة عن نطاق ما قدم من قبل. أما الناقد الدكتور حسن عطية فقال عن هذه الشخصية: قدمت فكرة الشيطان في أكثر من عمل حيث قدمها كريستوفر مارلو في مسرحية "فاوست " وكتبها توفيق الحكيم في "المرأة التي غلبت الشيطان" وفتحي رضوان كتب "دموع إبليس"، ففي فاوست كانت الفكرة الأساسية عندما ظهرت في أوربا شخصية عالم كيميائي يريد التوصل لأحدث شيء في العلم لأن الإمكانيات كانت قليلة، ظهر له شيطان وتعاهد معه أن يعطيه أسرار العلم مقابل أن يعطي روحه له عندما يموت وحقق بهذه المعاهدة مع الشيطان أفكارًا علمية كثيرة لكنه بدأ يفكر إذا سلم نفسه للشيطان كيف يمكن أن يواجه الخالق بجسد دون روح وهو ما كان يفسر حالة التناقض التي كانت تواجه الناس وقتها بين العلم والدين ، أما في هذا العرض فقد ظهر الشيطان في صورة رأس المال مرة من خلال خالد النجدي ثم مجدي صبحي الذي لعب دور الشيطان "بعل زبول" ويبدأ في تحريضه لإفساد المجتمع والأخلاق، وهنا المسرحية كتبت بشكل ثقافي معمق يحتاج إلي عقل مثقف ومتفرج واع لديه خلفية عن «هاملت» و«فاوست» حتي يستوعب المسرحية بشكل كامل ، إلي جانب أن مجدي صبحي حاول تقديم شخصية الشيطان بشكل لايت كوميدي لطيف وهو نموذج جديد للشيطان في الأعمال الفنية فلم يسبق أن قدم من قبل بهذا الشكل لكن بالطبع المسرح كان يحتاج إلي إمكانيات أعلي لتقديم مثل هذه الشخصية وإذا كنا نمتلك إمكانيات أقوي بالمسرح فبالطبع شكل هذه الشخصية كان سيختلف تماما.