الاعتراف بالخطأ هو أول خطوات العلاج السليم! وليس عيبا أن تعترف الجهة المعنية بتنمية الثروة الحيوانية, بالعجز عن مواجهة أزمة اللحوم طوال السنوات الماضية, وأن تتحلي بالشجاعة وتكشف للمستهلك عن خططها المستقبلية. التي لا أحد يعرف متي ستبدأ, ومتي ستنتهي لمواجهة ذلك الارتفاع الجنوني في أسعار اللحوم البلدية, والحد من الاستيراد, وتحقيق الاكتفاء الذاتي عن طريق تنمية ثروتنا الحيوانية. واقع الحال يؤكد أن الأزمة سوف تظل مستمرة, وأن أسعار اللحوم البلدية لن يتوقف, مادام هناك عجز في الكميات المطروحة بالأسواق, لدرجة أننا لجأنا للاستيراد من مختلف الدول, ومادام مشروع البتلو قد خر ج من منظومة الثروة الحيوانية منذ سنوات طويلة, أوجدت كل ذلك القصور, ومادام ذبح الإناث مستمرا, وفيما بين الأزمة واسبابها, واعراضها واجهنا الدكتور محمد مصطفي الجارحي رئيس الهيئة العامة للخدمات البيطرية, وفتحنا معه ملف الأزمة, وإليكم التفاصيل: ** كيف تري أزمات اللحوم المتكررة بسبب نقص الإنتاج المحلي, وما ترتب عليها من ارتفاع في الاسعار, والاستيراد من الخارج؟ د. الجارحي: لو نظرنا الي ازمة اللحوم فسنجد أنها أزمة معقدة, وليست بسيطة, ولهذه الازمة أسباب عديدة منها علي سبيل المثال محدودية الموارد المائية, مما يؤثر بالطبع علي المساحات المنزرعة بغذاء الحيوان كالبرسيم والذرة, كما أنه ليس لدينا مراع, لعدم وجود أمطار, وبالتالي يعتمد المربون علي الأعلاف المصنعة, واسعارها مرتفعة, ولأن الغذاء يمثل ما بين60% و75% من تكلفة تربية الحيوان, فإن بعض المربين يحجمون عن التربية, ونتيجة لقلة العرض من المنتج المحلي ترتفع الاسعار, ناهيك عن محدودية ثروتنا الحيوانية والتي تتراوح بين10 ملايين رأس أبقار وجاموس, ومثلها أغنام وماعز, في مقابل زيادة مستمرة في عدد السكان, ولذلك كان الحل قصير الأجل, الذي يتمثل في الاستيراد من الخارج. ** ذبح الإناث خارج السلخانات يمثل جريمة في حق الثروة الحيوانية ويهدد باستنزافها.. فكيف يمكن القضاء علي هذه الظاهرة السلبية ؟ رئيس هيئة الخدمات البيطرية, ذبح الإناث يتم فيما يسمي بال الزرابة حيث يأخذ بعض المربين أفضل أنواع البقر أو الجاموس الخصب الذي يدر اللبن طوال العام, ثم يذبحونه, وهذا يمثل تهديدا خطيرا للثروة الحيوانية القومية حيث يؤدي الي إهدارها, أما السلوك السلبي الثاني فهو ذبح الإناث خار ج المجازر, وهنا تكمن مشكلة الوعي بخطورة شراء اللحوم المذبوحة سرا. ** يري الخبراء أن إحياء مشروع البتلو يمكن ان يسهم في حل أزمة اللحوم؟ فلماذا تعثر المشروع لسنوات عديدة ؟ وما هي آخر تطوراته؟ د. الجار حي: مشروع البتلو بدأ في منتصف السبعينيات, وكانت فلسفته تقوم علي ان تتولي الحكومة الاشراف التام علي البتلو من خلال دعم حقيقي لأسعار الأعلاف فضلا عن قيامها بشراء الانتاج من المربين, كما كان هناك تأمين علي الماشية يقضي بصرف تعويضات للمربين في حالة نفوق الحيوان, وكانت المنظومة ناجحة بكل المقايس في ظل محدودية عدد السكان في ذلك الوقت, لكن مع تغير قواعد الاقتصاد العالمي, وفي ظل آليات السوق الحر, وقواعد العرض والطلب, لم تعد الحكومة تتدخل لتفرض علي الفلاح أو المربي الالتزام بسياسات معينة, ولا بتنفيذ مشاريع معينة, ولكن الحكومة عادت مرة أخري لإحياء مشروع البتلو من خلال حزمة من السياسات منها توفير قروض للمربين بإجراءت ميسرة, وفوائد بسيطة لا تتجاوز6% لتشجيعهم علي عودة مشاريع التسمين, والتوسع في تربية الحيوانات. ** ما هي خطتكم لحل أزمات اللحوم, والنهوض بالثروة الحيوانية للحد من الاستيراد من الخارج؟ لدينا في مصر شرائح عديدة من مستهلكي اللحوم, وبالتالي تعمل الهيئة العامة للخدمات البيطرية علي تنويع مصادر استيراد اللحوم, حيث تعمل علي التوسع في الاستيراد من دول حوض النيل, وقبل الاستيراد نقوم بمتابعة الموقف الوبائي في الدول المراد الاستيراد منها, حرصا علي سلامة اللحوم, كما نقوم بتشكيل لجان لفحص الحيوانات قبل الموافقة علي استيرادها, الي جانب التأكد من سلامة إجراءات الفحص البيطري بالمجازر. ** يتوقع البعض ارتفاع اسعار اللحوم خلال الفترة المقبلة لقرب حلول شهر رمضان ومن بعده عيد الأضحي.. فما هي توقعاتكم في هذا الخصوص؟ رئيس هيئة الخدمات البيطرية: في تقديري, سوف تنخفض الاسعار, بسبب توقع وصول كميات كبيرة من اللحوم الحية, والمجمدة, والمبردة, كما ان انخفاض اسعار الاعلاف خلال الفترة الماضية شجع المربين والفلاحين علي الاحتفاظ بالماشية وعدم بيعها, أو ذبحها, وبالتالي سوف تزيد أحجام الحيوانات مما يوفر كميات من اللحوم للمستهلكين, ونحن نعمل في الهيئة علي تنفيذ خطة قصيرة, ومتوسطة وطويلة الأجل, القصيرة تعتمد علي الاستيراد من الخارج لتوفير اللحوم للمستهلكين. ** هل اطلعتم علي تجارب الدول الأخري في مجال تنمية الثروة الحيوانية؟ بالتأكيد. لقد تابعت التجربة الأمريكية, والكندية, في مجال تنمية الثروة الحيوانية, كما تابعت برنامج المغرب الأخضر الذي تنفذه الحكومة المغربية, والفارق بيننا وبين هذه الدول هو هطول كميات كبيرة من الأمطار علي اراضيها مما ينشأ عنه مساحات كبيرة من المراعي, وبالتالي لا تتكلف تربية الحيوانات في هذه الدول شيئا كما ان الخصوبة مرتفعة نتيجة التغذية الطبيعية, ولذلك ترتفع معدلات الانتاج بدرجة كبيرة.. لكن عندنا في مصر لا توجد مراع طبيعية لنقص الأمطار, فضلا عن عشوائية التربية لدي الأفراد, الذين يمتلكون90% من حجم الثورة الحيوانية, ويديرونها بلا وعي ولا فكر علمي وبيطري سليم, وفي مقابل10% من الثروة لدي المزارع.. لذلك فإني أري أن التعاونيات سوف تكون كلمة السر في تنمية الثروة الحيوانية خلال السنوات المقبلة, وهو ما تعمل عليه وزارة الزراعة من خلال استراتيجية الزراعة عام2030,2020. آليات جديدة للجان البيطرية ** الشكوك طالت اللجان البيطرية المنوطة بفحص شحنات اللحوم المستوردة, والحيوانات الحية قبل استيرادها.. فما هي الآليات التي تم وضعها لضمان نزاهة هذه اللجان, وحيدتها؟ د,. الجارحي, لقد تم تعديل آليات عمل هذه اللجان, بحيث يتم ترشيح أعضائها من خلال لجنة رفيعة المستوي تضم رؤساء الإدارات المركزية التالية, الطب الوقائي, والصحة العامة والمجازر, والحجر البيطري والفحوص, والشئون المالية والإدارية, ومدير عام الخدمات والارشاد, ويجوز للجنة الاستعانة بمن تراه مناسبا للاشتراك بهذه اللجنة, ويتم الاستعانة بالأطباء الذين يتمتعون بالسمعة الطبية والكفاءة والخبرة وتضم اللجنة المكلفة بالفحص في الخارج3 أعضاء من مركز بحوث صحة الحيوان, وهيئة الخدمات البيطرية, وطبيبا بيطريا يتمتع بالكفاءة والخبرة من إحدي مديريات الطب البيطري, وبذلك تم القضاء علي نظام سفر أعضاء اللجان بالدور والذي كان معمولا به من قبل, كما تم زيادة عضو في اللجنة, ليصبح عددهم3 اعضاء بدلا من اثنين. ** وكيف تفسرون ما أثير أخيرا عن أستيراد لحوم هندية مصابة بديدان الساركوسيست؟ أولا نحن لم نستورد لحما من الهند منذ3 أشهر, ولذلك تعجبت حينما روجت وسائل الإعلام لقضية استيراد لحوم هندية تردد أنها مصابة بالساركوسيست, والقضية في الاساس ترتبط بصراع بين رجال الأعمال لضرب الاستيراد من السوق الهندية, بهدف تحويل الصفقات الي الاسواق البرازيلية, مما نجم عنه ارتفاع سعر الطن للحم البرازيلي من3800 دولار للطن, بعد ان كان سعر الطن لا يتجاوز ألفي دولار.