من خلال متابعتي في الفترة الأخيرة لبعض القنوات الفضائية استمعت إلي الآلاف من صرخات المصريين لمقاطعة اللحوم بسبب الارتفاع غير المعقول في أسعارها ولم تضر هذه الزيادة الجنونية فئة محدودي الدخل فقط ولكنها أضرت معظم فئات الشعب إلا القليل منهم. وللأسف فقد استغل التجار هذا الموقف وقاموا برفع أسعار السلع الغذائية بشكل مبالغ. فيه وذلك لمعرفتهم بمدي أهمية هذه السلع للمواطنين وعدم قدرتهم علي الاستغناء عنها, ولكي نتعرض لهذه الأزمة ونواجهها بشكل موضوعي لابد أولا أن نعرف الأسباب الرئيسية المؤدية إلي الارتفاع المبالغ فيه في أسعار اللحوم وترجع الأسباب الأساسية إلي: الأمراض التي أصابت الماشية في السنوات القليلة الماضية مثل مرض الحمي القلاعية ومرض التهاب الجلد العقدي والطاعون البقري, وكل هذه الأمراض أدت إلي انخفاض الناتج من اللحوم بنسبة من25% إلي30% نتيجة للذبح الجائر للثروة الحيوانية في عامي2007 و2008, وأخيرا انتشار مرض إنفلونزا الطيور ومرض إنفلونزا الخنازير مما أدي إلي اتجاه المستهلكين إلي اللحوم الحمراء وزيادة الطلب عليها. ارتفاع أسعار الأعلاف بسبب استيرادنا لكل مكوناتها من الخارج وعدم توافر هذه المواد في السوق المحلية. علي الرغم من منع ذبح إناث الماشية إلا أنه مؤخرا تم اكتشاف وجود مجازر خاصة داخل منازل الجزارين لذبح إناث الماشية والبتلو الصغير, وهذا ما يؤدي إلي قتل الثروة الحيوانية وعدم الاستفادة المثلي من المواد الحيوانية التي لدينا. رفض بعض الدول الأجنبية توريد اللحوم الحية إلي مصر بدعوي أنها تسيء معاملة الحيوان قبل ذبحه لعدم تأهيل المجازر في مصر للذبح مثل استراليا. لقد تفاعلت كل هذه الأسباب لنصل إلي الأزمة الحالية, وقد تصاعدت أصوات وظهرت آراء بحلول مختلفة أري من وجهة نظري أنها ليست عملية, وكان أولها المقاطعة وحث المواطنين علي مقاطعة اللحوم, كما ظهرت أصوات أخري تنادي بزيادة حجم الاستيراد وفتح أسواق جديدة لاستيراد اللحوم فأصبحنا نري الآن لحوما هندية ولحوما من الأرجنتين ولحوما من الصين, ولكن في رأيي لن يأتي الحل بزيادة حجم الاستيراد ليس فقط تخوفا من الشائعات المغرضة أو بعض الحقائق المؤسفة في بعض الأحيان من استغلال الموقف واستيراد لحوم فاسدة وإنما أيضا لأن هذا عبء علي الدولة وإهدار لمواردنا من العملات الأجنبية. إذن ما هو الحل؟ أولا أن ننظر لقضايا الغذاء والاكتفاء الذاتي والحفاظ علي العملة كقضايا أمن قومي فتوفير الغذاء السليم من بروتين وألبان وخضراوات جيدة وصالحة هو أساس بناء جيل من الأطفال وشباب المستقبل الأكثر قدرة علي التفكير. ثانيا الاكتفاء الذاتي والحفاظ علي مواردنا من العملة الصعبة وعدم الاستدانة عنصر مهم جدا وقضية تتعلق بالأمن القومي, لأن من شأنه أن يمنع أي تدخل في شئون الدولة, ولأن الموضوع أصبح مسألة أمن قومي ويتعلق بحماية للوطن فالحل العملي والموضوعي إقامة مشروع قومي لتربية الماشية لتوفير اللحوم الحمراء بسعر التكلفة مع هامش ربح بسيط, وفي هذه الحالة يمكن أن يتم توفير مراكز لبيع اللحوم في جميع أنحاء الجمهورية.