النيابة العامة تنظم ورشة عمل بحقوق المنصورة (صور)    رئيس "التنظيم والإدارة" يبحث مع "القومي للطفولة" تعزيز التعاون    خلال لقائه سفير سويسرا.. وزير الكهرباء: نسعى لتعزيز استدامة الطاقة وتوفير حلول طاقة نظيفة وآمنة    الكوسة ب25 جنيها للكيلو.. ارتفاع أسعار الخضروات بأسواق الإسكندرية    عميد «هندسة المنصورة الجديدة» يكشف تفاصيل صناعة أول دورن مصرية 100%    زيادة إمدادات «خام مربان» إلى آسيا وسط انخفاض أسعاره بعد زيادة إنتاج أوبك+    وزيرة التضامن تبحث دعم الصناعات الريفية وريادة الأعمال المجتمعية    إسترداد 10 أفدنة من أراضي أملاك الدولة بوادي النطرون في البحيرة    مستوطنون إسرائيليون يحرقون منازل ومركبات ببلدة بروقين بالضفة الغربية    الزمالك يختتم تدريباته اليوم وينتظم في معسكر للقاء بتروجت    تفاصيل الاجتماع الفني لمباراة صن داونز وبيراميدز في ذهاب نهائي دوري الأبطال    رقم خيالي، إغراءات جديدة من الهلال للتعاقد مع إنزاجي    تفاصيل الاجتماع الفنى لمباراة صن داونز وبيراميدز فى ذهاب نهائي دورى الأبطال    الداخلية تضبط 665 متهما بالاتجار في المواد المخدرة وحيازة الأسلحة النارية خلال يوم    نتيجة الشهادة الابتدائية الأزهرية 2025 الترم الثاني.. رابط الاستعلام فور ظهورها    لمدة 48 ساعة.. غلق كلي لطريق الواحات لتنفيذ أعمال محطات الأتوبيس الترددي    رئيس الأوبرا يقود حفل أيقونات بليغ ووردة 30 مايو    اليوم.. بداية فعاليات مهرجان دبا الحصن للمسرح الثنائي ومصر تشارك ب"بروفايل"    "بئر غرس" بالمدينة المنورة.. ماء أحبه الرسول الكريم وأوصى أن يُغسَّل منه    ما حكم بيع واستعمال سجاد الصلاة المكتوب عليه لفظ الجلالة؟.. الإفتاء توضح    الانتهاء من إعداد المخططات الاستراتيجية العامة ل11 مدينة و160 قرية بالجيزة    إضافة خدمة جديدة ومتطورة إلى بنك الدم بمجمع الإسماعيلية الطبي    "الصحة" تعقد اجتماعا تحضيريا لتنفيذ خطة التأمين الطبي لساحل البحر المتوسط    فحص 11.3 مليون طالب ابتدائى ضمن مبادرة للكشف المبكر عن «الأنيميا والسمنة والتقزم»    الصحة العالمية: النظام الصحي على وشك الانهيار في غزة مع تصاعد الأعمال العدائية    الحوثيون يعلنون استهداف مطار بن جوريون بصاروخ باليستي    وزيرة التخطيط: الابتكار وريادة الأعمال ركيزتان أساسيتان لتجاوز «فخ الدخل المتوسط» (تفاصيل)    شاب ينهي حياته بأقراص سامة بسبب خلافات أسرية    الأرصاد تحذر من حالة الطقس: موجة حارة تضرب البلاد.. وذروتها في هذا الموعد (فيديو)    4 جثث ومصاب في حادث مروع بطريق "إدفو - مرسى علم" بأسوان    صلاح يتوج بجائزة أفضل لاعب في البريميرليج من «بي بي سي»    بروتوكول تعاون بين "الإسكان" و"الثقافة" لتحويل المدن الجديدة إلى متاحف مفتوحة    بسمة وهبة ل مها الصغير: أفتكري أيامك الحلوة مع السقا عشان ولادك    وزير الثقافة يشهد حفل فرقة أوبرا الإسكندرية ويشيد بالأداء الفنى    رمضان يدفع الملايين.. تسوية قضائية بين الفنان وMBC    الخارجية: الاتحاد الأفريقى يعتمد ترشيح خالد العنانى لمنصب مدير عام يونسكو    رئيس الأركان الإسرائيلي يستدعي رئيس «الشاباك» الجديد    الهلال يفاوض أوسيمين    يدخل دخول رحمة.. عضو ب«الأزهر للفتوى»: يُستحب للإنسان البدء بالبسملة في كل أمر    «الشيوخ» يناقش تعديلات قانونه ل«تقسيم الدوائر» غدا    ضبط 379 قضية مخدرات وتنفيذ 88 ألف حكم قضائى فى 24 ساعة    عمر مرموش يهدد رقم فودين فى قائمة هدافى مانشستر سيتى    مقاطع مفبركة.. جارديان تكشف تضليل ترامب لإحراج رئيس جنوب أفريقيا    وزير الصحة يشارك في مائدة مستديرة حول البيانات والتمويل المستدام لتسريع التغطية الصحية الشاملة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 23-5-2025 في محافظة قنا    زلزال بقوة 6.3 درجة يهز جزيرة سومطرة الإندونيسية    أسعار الحديد والأسمنت اليوم الجمعة 23 مايو 2025    مجدي البدوي: علاوة دورية وربط بالأجر التأميني| خاص    دينا فؤاد تبكي على الهواء.. ما السبب؟ (فيديو)    قائمة أسعار تذاكر القطارات في عيد الأضحى 2025.. من القاهرة إلى الصعيد    انتقادات لاذعة لنتنياهو واحتجاجات بعد إعلانه تعيين رئيس جديد للشاباك    مدفوعة الأجر.. موعد إجازة المولد النبوي الشريف 2025 للموظفين والبنوك والمدارس    موعد نهائي كأس أفريقيا لليد بين الأهلي والزمالك    نموذج امتحان مادة الmath للصف الثالث الإعدادي الترم الثاني بالقاهرة    جانتس: نتنياهو تجاوز خطًا أحمر بتجاهله توجيهات المستشارة القضائية في تعيين رئيس الشاباك    خدمات عالمية.. أغلى مدارس انترناشيونال في مصر 2025    أدعية مستحبة في صيام العشر الأوائل من ذي الحجة    اتحاد الكرة يعلن حكام مباريات الجولة قبل الأخيرة لدوري المحترفين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ليس بالدرجات النهائية تتقدم الأمم‏!‏

ما أثير في الأيام الأخيرة بشأن صعوبة اختبارات الثانوية العامة أمر يستحق التأمل والانتباه‏.‏ فقد أصبحت هذه الشهادة التعليمية أحد أكبر مصادر القلق في المجتمع المصري‏.‏ بل انها تخلق كل عام حالة من حالات الهلع المجتمعي الذي يشبه ما تتعرض له الشعوب من مخاطر علي الحدود أو كوارث الطبيعة‏!‏ فما الذي أوصلنا لهذا الحال؟ وهل للثانوية العامة من الناحية الواقعية هذا المردود الذي يبرر كل هذا الفزع ويدعو لإنفاق هذه الأموال الطائلة علي الدروس الخصوصية‏,‏ وهي أموال تستقطعها كثير من الأسر المصرية من ميزانية طعامها؟
وما هي الجدوي الكبيرة والقيمة العظيمة لهذه الشهادة المتوسطة وهي مجرد شهادة تنقل الطلاب الي مرحلة جامعية هي بدورها تعاني من التراجع والتدني لكي ينتهي الأمر في أحسن الفروض بشهادة جامعية لا تغني ولا تسمن في ظل ارتفاع بطالة خريجي الجامعة التي بلغت معدلات مقلقة؟ ألا يعني هذا أن في ثقافتنا شيئا يجب تغييره؟
في مشهد الأسبوع الماضي مسألتان جديرتان بالنقاش‏.‏ المسألة الأولي ما حدث بمناسبة صعوبة الاختبارات في بعض مواد الثانوية العامة‏,‏ وهو أمر يثير الدهشة ويبعث علي الشفقة مما آلت إليه ثقافة المجتمع المصري‏..‏ طالبات يصرخن في حالة بكاء هستيري‏...‏حالات إغماء‏..‏ طالب يحاول الانتحار في إحدي مدارس شرق الاسكندرية‏..‏ سيارات اسعاف تهرع إلي لجان الامتحان‏.‏ تحولت مسابقة علمية إلي مأساة مجتمعية‏.‏ الملاحظة الغريبة اننا علي الصعيد اللغوي نستخدم كلمة الامتحان وليس الاختبار‏,‏ ولا يخفي ما توحي به كلمة الامتحان من معني المحنة وهي الأزمة العميقة التي يمر بها الانسان أو الهم الذي يعتريه‏.‏ اما في اللغات الأخري فإن الكلمة المستخدمة في الانجليزية هي‏testthe‏ أو‏theexam‏ وفي اللغة الفرنسية الكلمة نفسها هي‏l,examen‏ وفي اللغتين فإن المفردتين تعنيان مجرد الفحص أو التقييم وليس لهما معني المصطلح العربي في دلالته علي المحنة أو الأزمة‏.‏ قد لا تعني هذه المقارنة اللغوية البسيطة الكثير في ذاتها لكنها تؤكد فقط أننا خلقنا من فكرة الاختبار الدراسي شيئا قاسيا ومرعبا يشبه المحن والأزمات‏.‏
وإذا تجاوزنا هذه الملاحظات اللغوية العابرة بشأن قاموسنا التعليمي‏,‏ فالمؤكد أن شهادة الثانوية العامة أصبحت تمثل لدي المجتمع المصري ظاهرة سلبية ومقلقة نكاد ننفرد بها عن مجتمعات أخري كثيرة‏.‏ صحيح أن هذه الشهادة التعليمية تحدد الي مدي بعيد المستقبل العلمي والمهني لطلابنا لكنها تحولت لمظهر ذعر نفسي وضغط عصبي لطلاب في عمر الزهور وفي مرحلة عمرية كان يجب علينا أن ننمي لديهم خلالها سلوكيات وقدرات ومهارات وأخلاقيات تتجاوز في أهميتها وجدواها هذا الكم الهائل من المعلومات النظرية المجردة التي يتم نسيانها تماما بعد شهور قليلة من حفظها‏.‏ ولقد فاقم من هذا الوضع السلبي تكريس شهادة الثانوية العامة علي عامين دراسيين وليس لعام واحد فكان أن أصبحت المحنة محنتين‏.‏
لم نعد نعرف علي وجه التحديد هل التنظيم الحالي للثانوية العامة هو الذي أفرز ثقافة الخوف والذعر لدي شبابنا أم أن ثقافة المجتمع نفسه هي التي صاغت النظام الحالي للثانوية العامة؟ الشيء المؤكد أننا نعلم جميعا أن النظام الحالي للثانوية العامة ونظامنا التعليمي علي وجه العموم قد أفرز ظاهرة تعليمية واجتماعية في غاية الشذوذ هي ظاهرة الدروس الخصوصية والتي تحتاج مصر لوقت طويل جدا للقضاء عليها‏.‏ فقد تنازلت المدرسة كمؤسسة تربوية وطنية عن دورها ورسالتها لصالح تعليم مواز غير تربوي وغير أخلاقي وغير مشروع هو الدروس الخصوصية‏.‏ والأخطر أننا تركنا هذه الظاهرة تستفحل شيئا فشيئا من مجموعات دراسية صغيرة العدد في المنازل حتي تحولت الي مراكز تعليمية خاصة تضم المئات من الطلاب‏,‏ وهي مراكز تعليمية يتم فيها التسجيل قبل فترة من العام الدراسي‏-‏ تماما مثل المدارس الرسمية‏-‏ وتؤدي عملها في وضح النهاروأحيانا في الوقت ذاته المخصص لليوم المدرسي‏!‏ هل هناك ازدواجية تعليمية وعشوائية تربوية في أي مجتمع في العالم أكثر من هذا ؟‏!‏
وأحد مظاهر الخلل والتناقض في ظاهرة الدروس الخصوصية والتي أوصلتنا الي مشهد الأسبوع الماضي أنها لا تهتم ولا تنشغل بتنمية السلوكيات أو صقل المهارات أو بناء القدرات أو غرس عادات التفكير والتأمل بل كل ما يعنيها هو تمرين الطلاب علي كيفية اجتياز الامتحان بعشرات الوسائل والحيل في ما يشبه سباق الأرانب‏!‏ وكان طبيعيا أن يترتب علي ذلك اختزال قدرات وملكات الطلاب حتي إن أي سؤال من خارج الأسئلة المتوقعة التي تم تدريب الطلاب سلفا علي حلها ويحتاج لقدر من الفهم والتفكير يعتبر علي الفور من خارج المقرر‏,‏ ويصبح كارثة تستدعي ردود الفعل الهستيرية التي شهدناها الأسبوع الماضي‏.‏
هذا يقودنا الي مسألة ثانية هي معايير التقييم لدينا التي تراجعت الي حد غير معقول ولا عاقل‏!‏ فمنذ نحو عشرين عاما وربما أكثر ومجاميع الطلاب الأوائل في الثانوية العامة تصل أحيانا الي المائة في المائة‏,‏ بل وتتجاوز بحيلة المستوي الرفيع حاجز المائة في المائة‏.‏ في أي مجتمع آخر في العالم يحدث مثل هذا المزاح؟ هل بلغنا من العبقرية أكثر مما بلغته أوروبا وأمريكا مثلا ؟ لقد أصبحت ظاهرة الدرجات النهائية التي تمنح لطلاب الثانوية العامة وأحيانا لطلاب الجامعات مظهرا يجب أن يثير خجلنا أمام المجتمعات الأخري‏.‏ نفهم أن يحصل الطالب المجتهد النابه علي درجة عالية وتقدير مرتفع تمييزا له عن أقرانه العاديين‏,‏ لكن أن يصل الأمر الي منح المئات والالاف منهم الدرجة النهائية في الكثير من المواد بما فيها اللغة العربية أحيانا فهذه ظاهرة هزلية وغير علمية‏.‏
الأمر المؤكد في النهاية أن ظاهرة حصول مئات وربما آلاف من الطلاب علي الدرجات النهائية تعني أن معايير التقييم في ثقافتنا قد تراجعت الي حد بعيد‏.‏ وهو أمر يمكن أن نلمسه في مجالات أخري عديدة فتقارير كفاية الأداء للموظفين هي دائما ممتاز‏,‏ بينما الواقع كما نعرف جميعا غير ذلك‏.‏ وفي الأغنيات الوطنية ننسب لأنفسنا صفات خارقة أبعد ما تكون عن الواقع‏..‏ لماذا لا يتواضع المصريون قليلا ؟‏!‏
المزيد من مقالات د‏.‏ سليمان عبد المنعم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.