في احتفال العالم بيوم أفريقيا في مايو الماضي, أعادت الصين التأكيد أنها' ملتزمة بحزم بتعزيز تعاونها الودي مع افريقيا' والذي يعد حجر زاوية وخطوة مهمة في تعاون الجنوب الجنوب. لافتة النظر إلي أوجه التشابه بين الصين كأكبر دولة نامية, وأفريقيا التي وصفها' خه يا في' سفير الصين لدي مكتب الاممالمتحدة في جنيف بأنها موطن معظم الدول النامية. ويأتي ذلك التصريح كمحصلة معروفة سلفا للعلاقة التي ربطت بين القارة الأفريقية والصين منذ تأسيس دولتها الحديثة في1949, وما تلاه من تدشين كتلة عدم الانحياز في مؤتمر باندونج عام1956 بمشاركة7 دول إفريقية علي رأسها مصر التي كانت من أوائل الدول التي اعترفت بالصين. في تلك الحقبة ركزت الصين علي أفريقيا لكسر العزلة في مواجهة الغرب بقيادة الولاياتالمتحدةالأمريكية, ومناطحة الشرق بقيادة الاتحاد السوفييتي' السابق' في أعقاب نزاع فكري أيديولوجي. ويأتي التأكيد الصيني الأخير كتتويج لسلسلة من المواقف الصينية التي تجسدت في بداية الألفية الثالثة بمنتدي تعاون الصين افريقيا, وزيارات رسمية متكررة من الرئيس الصيني' هوجين تاو' في إطار صيغة التواضع الصيني التي يفتقدها الأفارقة في تعاملهم مع الغرب, بالإضافة إلي شطب الصين لديون أفريقية, والمشاركة في عمليات عملية حفظ سلام تابعة للامم المتحدة حيث كانت الصين أول دولة خارج أفريقيا تقوم بارسال قوات حفظ سلام إلي اقليم دارفور بالسودان, وكذلك في القوة الدولية لمكافحة القرصنة قبالة شواطئ الصومال وخليج عدن, وتوقيع بروتوكولات تعاون في مجالات التعدين والبترول والتنمية والتدريب ونقل التكنولوجيا والبنية التحتية والصحة وتأمين المنح التعليمية والتبادل الثقافي والتعليمي وكذلك البشري والسعي لتوطين وتزاوج الصينيين من الأفارقة لحل مشكلات الاختناق السكاني ونشر الثقافة الكونفوشوسية عبر16 معهدا في أفريقيا. وهوسلاح ذوحدين ينذر أيضا بإدمان الدول الأفريقية علي المساعدات, فتكف عن محاولات التنمية الذاتية والتمرد في الوقت نفسه علي قيود الديون الغربية المشروطة. وتمكنت الصين علي مدار العقود الستة الماضية من التمدد والتواجد في مربع هام في القارة الإفريقية يمتد من نيجيريا شمالا إلي غينيا الاستوائية والجابون وأنجولا غربا ثم السودان وتشاد شرقا فزامبيا ثم زيمبابوي وموزمبيق جنوبا لتصبح الصين أكبر مستثمر في إفريقيا وثالث شريك تجاري لها بعد الولاياتالمتحدة وفرنسا. تم ترجمة هذا إلي49 سفارة للصين في أفريقيا من بين53 دولة أفريقية علي رأسها أنجولا التي تعد أكبر شريك تجاري للصين في القارة, تليها جنوب إفريقيا, فالسودان, فنيجيريا حيث تسيطر البضائع الصينية علي الأسواق الأفريقية لرخص ثمنها وتلبيتها احتياجات أبناء القارة, في الوقت الذي أدت فيه لإغلاق العديد من المصانع المحلية لعدم قدرتها علي المنافسة, وانتشار الفساد. ويأتي ذلك في ضوء سهولة التعامل مع الصين لتركيزها علي التجارة وعقد الصفقات بدعوي المنفعة المتبادلة متجاهلة ملفات حقوق الإنسان فضلا عن قضايا البيئة حيث تستورد الصين70% من احتياجاتها الخشبية من الغابات الإفريقية وهوما تسبب في تورط الصين في فضيحة تجريد جزيرة مدغشقر الغنية بغاباتها من أشجار الورد النادرة لاستخدامها في صناعة مستنسخات من قطع أثاث عتيقة وآلات موسيقية. ويأتي ذلك كله في إطار سعي الصين للبحث والاستحواذ علي المواد الخام ومصادر الطاقة وخاصة البترول حيث تعد الصين ثاني أكبر مستهلك للبترول بعد الولاياتالمتحدة التي تستحوذ علي بترول الشرق الأوسط القريب, وهوما دفع الصين لتأمين نحو25% من احتياجاتها النفطية من سبع دول إفريقية وهي الجزائر والسودان وتشاد والجابون وغينيا الاستوائية وأنجولا ونيجيريا, فضلا عن استيرادها الحديد والبلوتينيوم من زيمبابوي وجنوب إفريقيا. وهوما يثير القلق في الغرب والشرق علي حد سواء لاستنفاد الموارد الطبيعية ولتأثير ذلك علي قضايا سياسية بعينها كما حدث في دارفور, إذ دعمت الصين في البداية المتمردين التشاديين عبر أراضي السودان حتي تتراجع تشاد عن الاعتراف بتايوان وهوما تحقق بالفعل لتحظي بكين بدعم مشروعين بترولين عملاقين في جنوب البلاد. وتعد قضية' تايوان' من أبرز النماذج علي النفس الصيني الطويل ففي ستينيات القرن الماضي أيدت17 من الدول الإفريقية تايوان داخل الجمعية العامة للأمم المتحدة مقابل14 دولة للصين ثم نجحت الصين في التسعينيات في سحب اعتراف ست دول بتايوان هي: إفريقيا الوسطي وغينيا بيساووالنيجر وليسوتووجنوب إفريقيا ثم ليبيريا في عام2003 وذلك قبل نشر قوات الجيش الصيني للمساعدة في تنفيذ مشاريع المياه في البلاد والآن تراجع عدد الدول التي تعترف بتايوان إلي أربع دول فقط هي: بوركينا فاسووساوتومي وبرنسيب وجامبيا وسوازيلاند. ولا يخفي علي أحد رغبة الصين في الحصول علي الدعم الإفريقي في المحافل الدولية في أية مواجهة محتملة مع الدول الكبري وهوما دفع البعض للتحذير من دور الصين المتزايد في أفريقيا التي يجب ألا تقفز بصورة عمياء من نمط استعمار قديم إلي استعمار جديد آخر وفق النموذج الصيني. وبعيدا عن التأويلات ونظرية المؤامرة تجدر الإشارة إلي أن معظم الأفارقة ينظرون بعين التقدير للمارد الصيني الذي نجح في تقديم نموذج صناعي ناجح استطاع الاكتفاء الذاتي فضلا عن عدم تورط الصين في سيناريوهات قديمة أو معاصرة لاحتلال بأفريقيا واستنزافها كما تم علي يد انجلترا وفرنسا والبرتغال وإيطاليا وهولندا ومؤخرا أمريكا رائدة الغطرسة الاستعمارية الحديثة وخاصة بعد تفكك المنافس الروسي الذي خلفه الكيان الصيني عبر تقديمه ما يمكن تسميته ب' عولمة بديلة' تتحدي العولمة الغربية. وفي الوقت الذي يتساءل فيه أفراد وحكومات عما تفعله الصين في القارة يواصل المارد الصيني التحرك بدأب وحزم لخطف قلب أفريقيا وليجعل منها حليفا سياسيا وتجاريا وهوما يزرع الغيرة في قلوب المستعمرين القدامي غير القادرين علي استيعاب الاستراتيجيات الصينية الجديدة التي لابد وأنها لن تكف عن تقديم المزيد من المفاجآت لأفريقيا والعالم 0[email protected]