بما أن رب ضارة نافعة.. فربما تمنع الأزمة الاقتصادية الكبيرة التي تمر بها السينما المصرية الآن فرصة ذهبية للسينمائيين الحقيقيين لأن يرفعوا صوتهم ويقدموا أفلاما تعبر عن المفهوم الحقيقي للسينما الذي تشوه مؤخرا بالعديد من الظواهر التي أفسدها معني كلمة فيلم وأحالته لتجارة.. أو لظاهرة إعلامية زائفة.. أو وسيلة لتزويج لفنان أو حتي ترويج لفكرة.. فمن بين كل تاريخ السينما يظهر مصطلح السينما الخالصة ليعبر عن معني السينما بإعتبارها تجلي إنساني عظمته في بساطته يهدف لرقي الإنسان من خلال حدوته خاصة بصانعها.. وتفسير ذلك.. هو أن تزداد قوة تأثير الفيلم السينمائي علي وجدان الجمهور بدون تأثيرات جانبية متمثلة في الصحافة الفنية وقنوات التليفزيون وإعلانات الصحف وغيرها.. إن السينما المصرية فسدت كثيرا في السنوات الأخيرة بالحديث عن أمور أبعد ما تكون عن روح الفيلم السينمائي.. وعن فهم طبيعته.. مثلا عندما يتطرق فيلم ما لموضوع جديد أو لموضوع مسكوت عنه مما يسمي موضوع ساخن تهب طائفة من الصحافة الفنية وتصبغ أهمية علي الفيلم إن أي سينما محترمة في العالم لا يشكل ذلك أي إعتبار لها لكن وسيلة تقديم الحكاية السينمائية هي دائما وسيلة تقييم الافلام.. وهو مختلف عما يسمي بالمعالجة السينمائية فالاهتمام بالافلام من خلال عناوينها وموضوعاتها خطأ كبير وخذ عندك ظاهرة الاهتمام بالافلام بسبب نجومها.. أكبر أمثلة ذلك هي هوليوود.. والمتابع الجيد المتأمل للسينما الامريكية في العشر سنوات الأخيرة سيجد أن ظاهرة الاهتمام بالسوبر ستار تكاد تكون أصبحت هامشية وأصبحت فنية الحكاية في الاعتبار الأول.. وليس أصدق في ذلك من جوائز الأوسكار التي تعطي منذ سنوات إلي طرق حكي رائعة ربما لموضوعات مكررة.. السينما في الاساس هي حدوته ذات بصمة خاصة أما في مصر لتلك الصحافة الفنية أصبحت لا تري إلا الممثل وتعمل كل العناصر الاخري.. وهناك تعتيم في مصر دائم عن الإيرادات.. ومن خلال متابعتي الدائمة لأغلب الجرائد اليومية الفرنسية والأمريكية لا أجد لديهم نفس هذا الاهتمام المرضي بالايرادات كما هو موجود لدينا.. وطبعا أحد أهم الأسباب لذلك هو إنتشار الصحف الجديدة مؤخرا. لقد اصبح الفنانين والممثلين تحديدا يتحدثون عن الافلام بمنطق صحفي زائف وليس بمنطق سينمائي.. ولا أقصد من كلامي عدم الاهتمام بجماهيرية الفيلم أو مدي ما يحقق من نجاح في شباك التذاكر... النجاح التجاري للأفلام مشكوك فيه بسبب سيطرة شركتان كبيرتين علي دور العرض في مصر وهناك صعوبة كبيرة لمعرفة الإيرادات الحقيقية لأي فيلم مع عدم وجود جهة رسمية تعلن الارقام الحقيقية... ضف علي ذلك ظاهرة البرامج التليفزيونية للفضائيات والتي تردد هي الأخري نفس النشاز فيبدو وكأن الجميع يردد أكاذيب ضخمة ويصدقونها.. ومأساة ذلك هي النظر بسطحية للفلام وعدم النفاذ إلي عمقها.. وتعظيم ما لا يعظم.. وتسفيه ما قد يستحق التأهل.. إن ظاهرة الاهتمام بالممثل وتسميته نجما كانت مخطط توزيعي قديم للموزعين لإجبار الجمهور علي دخول أفلام لممثل ما لمجرد أنه نجح سابقا بدون النظر لمستوي فيلمه الجديد. وهكذا خسر الجمهور وخسر الفن الحقيقي.. وأستطيع أن اؤكد بكل قوة أن تلك الظاهرة ليست موجودة في أي سينما أخري غير مصر.. ولم تكن موجودة بهذا الشكل طوال تاريخ السينما المصرية.. لهذا فهي تستحق أن تحارب بقوة وتفضح لنفسح مكانا للمعني الجميل.. أما الفرصة الذهبية التي أشرت إليها فهي أن الأزمة الاقتصادية لن تجعل عدد كبير من النجوم يقدمون أفلاما جديدة لارتفاع أجورهم لأن التوجه بالسوق إلي أفلام الوجوه الجديدة.. التي نرجو أن تكون لهم بصمة فنية حقيقية ولا أقول ذات الموضوعات الجديدة.. فهل تكون الأزمة الاقتصادية صاحبة فضل في توقف الترويج للوهم والرجوع للأصل؟