لعبت المحكمة الدستورية العليا وما زالت منذ انشائها دورا بالغ الاهمية في حماية الحريات العامة بحكم كونها الحارسة لاحكام الدستور. لقد أصدرت المحكمة بمناسبة مرور40 عاما علي تأسيسها كتابا موسوعيا يتكون من1343 صفحة يضم مجموعة المبادئ التي قررتها المحكمة العليا ومن بعدها المحكمة الدستورية العليا في أربعة عقود وذلك خلال الفترة من عام1969 الي عام2009. ان الحديث والجدل والصخب السياسي الذي نشهدة حاليا في مصر لا يمكن ضبط ايقاعة إلا بالرجوع الي الدستور باعتباره أبو القوانين والذي يحدد علاقة الدولة بالقانون. لقد لعبت المحكمة الدستورية العليا الدور الاهم في ارساء المبادئ التي سبق وان أقرتها كثير من دول العالم التي سبقتنا في مسألة التطور الدستوري والقانوني وعلي رأسها مبدأ خضوع الدولة للقانون. فالدولة القانونية وعلي ما تنص علية المادة65 من الدستور هي التي تتقيد في ممارستها لسلطاتها بقواعد قانونية تعلو عليها وتردها علي أعقابها إن هي جاوزتها, فلا تتحلل منها, ذلك ان سلطاتها هذه لا تعتبر امتيازا شخصيا لمن يتولونها ولا هي من صنعهم بل اسستها ارادة الجماهير في تجمعاتها علي امتداد الوطن وضبطتها بقواعد أمرة لا يجوز النزول عنها. فالدولة القانونية علي ضوء أحكام المواد1 و2 و4 و56 من الدستور هي التي تقرر لمن يقيمون علي أقليمها تلك الحقوق والحريات الاساسية التي يتوافق مضمونها مع الضوابط التي التزمتها الدول اليمقراطية باضطراد في مجتمعاتها. لقد ارسي هذا العمل وسجل الاحكام بالغة الاهمية الخاصة بالحريات العامة باعتبار ان ثمة مناطق من الحياة الخاصة لكل فرد تمثل اغوارا لا يجوز النفاذ اليها, وينبغي دوما الا يقتحمها أحد ضمانا لسريتها وصونا لحرمتها فلا يجوز اختلاس بعض جوانبها مقبولا. ومن بين الحريات التي تعرضت لها المحكمة: حرية العقيدة واقامة الشعائر الدينية, إذ أن حرية العقيدة في اصلها تعني الا يحمل الشخص علي القبول بعقيدة لا يؤمن بها أو التنصل من عقيدة أو الاعلان عنها أو ممالأة احداها تحاملا علي غيرها سواء بانكارها أو التهوين منها أو ازدرائها بل تتسامح الاديان فيما بينها ويكون احترامها متبادلا. وقد التزم المشرع في جميع الدساتير المصرية مبدأ حرية العقيدة وحرية إقامة الشعائر الدينية بأعتبارهما من الاصول الدستورية الثابتة المستقرة في كل بلد متحضر فلكل انسان ان يؤمن بما يشاء من الاديان. أما حرية أقامة الشعائر الدينية وممارستها فهي مقيدة بقيد أفصحت عنة الدساتير السابقة وأغفلة الدستور القائم وهو قيد عدم الاخلال بالنظام العام وعدم منافاة الآداب. أما حرية الزواج فقد أشارت المحكمة الدستورية الي ان اغفال بعض الوثائق الدستورية النص علي الزواج كحق لا ينال من ثبوتها ذلك ان هذ الحق يقع داخل مناطق الخصوصية التي كفل صونها الدستور بنص المادة45 التي تقرر ان لحياة المواطنين الخاصة حرمة يحميها القانون. أما حق الاجتماع فهو من الحقوق التي كفلتها المادتان45 و55 من الدستور. ووفقا للمحكمة فهي تري ان الحق في التجمع أكثر ما يكون اتصالا بحرية عرض الاراء وتداولها كلما أقام أشخاص يؤيدون موقفا أو اتجاها معينا تجمعا منظما يحتويهم يوظفون فيه خبراتهم ويطرحون أمالهم وسواء كان الغرض منه سياسيا أو نقابيا أو مهنيا. لقد أشارت المحكمة الدستورية الي ان حرية التعبير تمثل في ذاتها قيمة عليا لا تنفصل الديمقراطية عنها وانما تؤسس الدول علي ضوئها مجتمعاتها صونا لتفاعل مواطنيها معها بما يكفل تطوير بنيانها وتعميق حرياتهم. أن حرية التعبير هي الطريق لبناء نظم ديمقراطية تتعدد معها مراكز اتخاذ القرار تتسم بتسامحها مع خصومها ومسئولياتها قبل مواطنيها وبرفضها لكل قيد يخل بمصداقيتها واستجابتها بالاقناع لارادة التغيير وطرحها من خلال الحوار لبدائل يفاضلون بينها لاختيار أصلحها. كما ان حرية الانتقال تعد حقا لكل مواطن يمارسها بما لا يعطل جوهرها حيث ان المادة50 من الدستور تردد هذه الحرية بإطلاقها حقا لكل مواطن. وأعتبر الدستور حرية الانتقال من عناصر الحرية الشخصية فلا تتكامل بعيدا عنها. كما كفل الدستور لكل مواطن حرية الاقتراع وفقا للشروط التي يحددها المشرع ويفترض ذلك الا يكون هذا الحق مثقلا بقيود يفقد معها الناخبون أصواتهم من خلال تشويهها أو ابدالها أو التأثير في تساويها وزنا وتعادلها أثرا ولا ان تكون الحملة الانتخابية محدودة أفاقها. هذا عمل ينبغي الاحتفاء به وتوجيه الشكر لكل من قاموا بة وعلي رأسهم المستشار ماهر البحيري النائب الاول لرئيس المحكمة الدستورية العليا, والمستشار رجب عبد الحكيم سليم نائب رئيس المحكمة الدستورية والمستشارون محمود محمد غنيم والدكتور محمد عماد النجار وفاتن عبد العزيز الشعراوي والدكتور طارق عبد الجواد شبل وطارق عبد العليم السيد وعماد طارق البشري وطارق البحيري وطارق محمد عبد القادر.