لا شك في أن الصحوة التي تشهدها مصر في مجال حماية المستهلك وتثبيت المفاهيم الجديدة المتعلقة بحقوقه تؤكد للمتابع أن هناك خطوات كبيرة قد تمت علي أرض الواقع في مصر لا تقاس بحداثة عمر جهاز حماية المستهلك والذي لايزال في دورته الأولي. والمهتمون بهذا الشأن لا يمكنهم إلا متابعة الممارسات المماثلة الهادفة لحماية المستهلك والتي ترد إلينا من وقت لآخر من الاتحاد الأوروبي عبر البحر الأبيض والذي بدأ يأخذ دوره ليس باعتباره حاجزا طبيعيا يفصل بين الشرق الأوسط وجنوب أوروبا بل باعتباره مركزا تجاريا لتبادل البضائع بين شمال وجنوب المتوسط ومعبرا للصداقة والود التي تربط بين القارتين بكل مايحويه ذلك من حسن الجوار وتبادل المنفعة وتشاور في شئون التوجه الأمثل نحو مستقبل أفضل. هذا الأمر في حد ذاته فيما يخص منظومة حماية المستهلك يحمل في طياته أن المسافة بين حماية المستهلك في مصر وتلك بأوروبا رغم اتساعها لأسباب تتعلق بنقص الامكانات الفنية ومعامل الاختبار المتخصصة, وكذا حداثة العهد في مصر, فإن هذه المسافة في تناقص, وأن نقطة بدايتها عبرت عن انطلاقة منذ لحظتها الأولي أعادت لنا الأمل في أن الأخذ بأسباب التقدم وتبني الأدوات اللازمة للتقدم أمر ليس بالعسير, وأن مصر زاخرة بالكفاءة التي يمكنها التصدي للمشاكل ومعالجتها بصورة جيدة في إطار من الشرعية القانونية يحميها ويوجهها. ومن الأخبار الأوروبية المتواترة عن مجال صناعة السيارات كان أهمها من ألمانيا أن أحد المواطنين اشتري سيارة من سيارات الصفوة ذات السمعة العالمية وقام بعقليته البحثية باختبار استهلاك البنزين ومقارنة ذلك بالمكتوب بكتالوج السيارة, وذلك علي السرعات المختلفة علي الطوالي ووسط البلد وما الي ذلك, واكتشف أن هناك فارقا يصل الي15% زيادة في استهلاك الوقود عن المرقوم بالكتالوج, ولجأ الي جهاز حماية المستهلك الذي خاطب صانع السيارات الشهير وجاءه الرد التقليدي الذي يجادل في نسبة الأوكتين بالوقود المستخدم وكذا استواء الطريق والسرعة المثلي لتحقيق الأرقام, إلا أن هذا لم يكن كافيا لإرضاء المستهلك الذي رد ردا مكتوبا يؤكد صحة ظروف الاختبار, ورد صانع السيارات مرة أخري بأن الاختبار يجب أن يتم بمعرفة جهة متخصصة ذات معامل تخصصية وطلبت تبني الاختبار, إلا أن جهاز حماية المستهلك الألماني سلم السيارة لأحد أندية السيارات التي تملك معامل تخصصية وجاءت النتيجة مؤكدة لأرقام المواطن الألماني صاحب الشكوي, وعاد صانع السيارات يجادل بأن الاختبارات يجب أن تتم علي سيارة جديدة, ومعها قام جهاز حماية المستهلك الألماني بتكليف إحدي الجهات بسحب عينة من السيارات من علي خط التجميع طبقا لمواصفة صاحب العينات, وأجرت عليها الاختبارات تحت الظروف المثلي للتشغيل لتتأكد النتيجة الأولي. وهنا طلب الصانع التحكيم في هذا الخلاف فقرر المحكم رد2000 يورو من ثمن السيارة ومنحه بونات بنزين سنوية مجانية لمدة خمس سنوات. وبذا حسمت هذه القضية رضاء علي مستواها الفردي. إلا أن الخبر لم يبق طويلا طي الكتمان وبدأ المستهلكون يتواترون أمام المحاكم كل يطالب بتعويضه, حيث كان هذا مقدمة أزمة بين صناعة السيارات الألمانية وجمهور المستهلكين يهدد تلك الصناعة بعواقب وخيمة. منذ ذلك اليوم ورغم أن القضية لم تحسم بعد امتنع صناع السيارات جميعا عن إثبات أية أرقام استهلاك في منشوراتهم وبادر البعض منها بالترويج لسياراته بأن الثمن يشمل كوبونات بنزين مجانية تصرف لفترات قد يصل بعضها الي عشر سنوات, هذا المثال يمتد أيضا في عدة مجالات منها: الصحة والأغذية, لعب الأطفال, التحقق من أمان السلع وعدم وجود أخطار من استعمالها حتي لو بطريق الخطأ والعمر الافتراضي للسلع. هذا الأمر بلا شك له بعده في السلام الاجتماعي بين الأفراد والذي كثيرا ما نشهده بين مشاحنات وتشابك بالأيدي واللجوء للعنف المنفلت في حالات حوادث الطريق البسيطة والنزاع العقاري في المساكن والمحلات التجارية والأراضي الزراعية وذلك لعدم ثقة الأطراف في اعادة الحق لأصحابه عند اللجوء للوسائل التقليدية في الاختصام والتي تنتهي للجوء للمحاكم. أما إذا عاد بنا المطاف لجهاز حماية المستهلك في مصر والذي لايزال في دورته الأولي فإن استراتيجية عمله ارتكزت علي انضباط الشارع التجاري والصناعي وإدارة سياسة متوازنة تحفز الصانع والتاجر علي احترام حقوق المستهلك باعتبار أن السوق المصرية هي السوق الأولي بالرعاية لأنها السوق الوطنية وصاحبة الفضل الأول علي الصناع. حيث نجح الجهاز في إزالة أسباب الشكاوي ومعالجتها بما يعادل20103 شكوي واردة من جميع السلع والأجهزة من اجمالي22952 شكوي بنسبة قدرها89%, وحصل علي أحكام قضائية ضد الشركات التي لم تبادر بإزالة أسباب المخالفات والتي بلغت101 قضية, ووقع غرامة بلغ اجماليها2.56 مليون جنيه وبلغ عدد القضايا التي أحالها الجهاز الي النيابة130 قضية. وألزم الصناع بوضع مجموعة من المستندات تسلم مع السلعة داخل تغليفها الأصلي أهمها: شهادة فحص جودة موقعة ومختومة شهادة ضمان للسلعة لفترة لا تقل عن سنة كتيب بعمليات التشغيل وارشادات بشأن الأخطار الناتجة عن الاستخدام الخاطئ ومعلومات ارشادية عن تتبع الأعطال قائمة بقطع الغيار قائمة بالتوكيلات ومراكز الصيانة المعتمدة, كما ألزم بوضع استهلاك الطاقة الخاص بكل سلعة لتوفير استخدام الطاقة والمياه مدخلاتها ومخرجاتها مثال ذلك غسالات الملابس وغسالات الأطباق التي توفر استهلاك الكهرباء, وقريبا سيتم وضع ضوابط من شأنها: لا ينجم عن تلك الأجهزة انبعاث حراري أو اهتزازات شديدة داخل المطبخ أو بمكان الاستخدام ولا تشكل عبئا سمعيا أو ضوضاء, وكذا ما يشكل استخدامها عبئا كيماويا أو بيولوجيا أو هرمونيا ناجما عن مخرجاتها الموجهة الي الصرف الصحي, وهو أمر لا شك له كلفته العالية وذلك بحسابي التكلفة والعائد. هذا بلا شك له أثره في تقريب موقع الصناعة المصرية العالمية كي تتعامل معها من واقع الندية والمساواة, وهو أمر نستشرف معه التفاؤل في قدرة الأجهزة الرقابية وان كانت غير حكومية أو شبه حكومية فإن لها القدرة علي التصدي لملف شائك مثل حماية المستهلك لتحمي المستهلك البسيط أمام سطوة القطاعات الأكثر غني وسلطة مثل الصانع والمستورد وتاجر الجملة لتأتي للمستهلك منهم بحقه بغض النظر عن موقعه علي خريطة الغني والجاه. وبذا فهو عود لذي بدء من مجتمع ننشده جميعا لا تضيع فيه الحقوق ويعلو فيه الحق ولا يعلي عليه.