مع الصحوة التي تشهدها مصر في مجال حماية المستهلك وتثبيث المفاهيم الجديدة المتعلقة بحقوقه والتي تؤكد للمتابع ان هناك خطوات كبيرة قد تمت علي ارض الواقع في مصر لاتقاس بحداثة عمر جهاز حماية المستهلك والذي لايزال في دورته الاولي. والمهتمون بهذا الشأن لا يمكنهم الا متابعة الممارسات المماثلة الهادفة لحماية المستهلك والتي ترد إلينا من وقت لآخر من الاتحاد الاوروبي عبرالبحر الابيض والذي بدأ يأخذ دوره ليس باعتباره حاجزا طبيعيا يفصل بين الشرق الاوسط وجنوب اوروبا بل باعتباره مركزا تجاريا لتبادل البضائع بين شمال وجنوب المتوسط ومعبرا للصداقة والود التي تربط بين القارتين بكل ما يحويه ذلك من حسن الجوار وتبادل المنفعة وتشارور في شئون التوجه الامل نحو مستقبل افضل. هذا الامر في حد ذاته فيما يخص منظومة حماية المستهلك يحمل في طياته ان المسافة بين حماية المستهلك في مصر وتلك بأوروبا رغم شساعتها لاسباب تتعلق بنقص الامكانيات الفنية ومعامل الاختبار المتخصصة وكذا حداثة العهد في مصر، الا ان هذه المسافة في تناقص وان نقطة بدايتها عبرت عن انطلاقة منذ لحظتها الاولي اعادت لنا الامل في ان الاخذ بأسباب التقدم وتبني الادوات اللازمة للتقدم امر ليس بالعسير وان مصر زاخرة بالكفاءات التي مكنها التصدي للمشاكل ومعالجتها بصورة جيدة في اطار من الشرعية القانونية يحميها ويوجهها. ومن الاخبار الاوروبية المتوافرة عن مجال صناعة السيارات كان اهمها من المانيا ان أحدالمواطنين اشتري سيارة من سيارات الصفوة ذات السمعة العالمية وقام بعقليته البحشية باختبار استهلاك البنزين ومقارنة ذلك بالمكتوب بكتالوج السيارة وذلك علي السرعات المختلفة علي الطوالي ووسط البلد وما إلي ذلك، واكتشف ان هناك فارقا يصل إلي 51٪ زيادة في استهلاك الوقود عن المرقوم بالكتالوج. ولجأ إلي جهاز حماية المستهلك الذي خاطب صانع السيارات الشهير وجاءه الرد التقليدي الذي يجادل في نسبة الاوكتين بالوقود المستخدم وكذا استواء الطريق والسرعة المثلي لتحقيق الارقام، الا ان هذا لم يكن كافيا لإرضاء المستهلك الذي رد ردا مكتوبا يؤكد صحة ظروف الاختبار، ورد صانع السيارات مرة اخري بأن الاختبار يجب ان يتم بمعرفة جهة متخصصة ذات معامل تخصصية وطلبت تبني الاختبار، الا ان جهاز حماية المستهلك الالماني سلم السيارة لأحد اندية السيارات التي تملك معامل تخصصية وجاءت النتيجة مؤكدة لأرقام المواطن الالماني صاحب الشكوي وعاد صانع السيارات يجادل بأن الاختبارات يجب ان تتم علي سيارة جديدة، ومعها قام جهاز حماية المستهلك الالماني، بتكليف احدي الجهات بسحب عينة من السيارات من علي خط التجميع طبقا لمواصفة صاحب العينات وأجرت عليها الاختبارات تحت الظروف المثلي للتشغيل لتتأكد النتيجة الاولي. وهنا طلب الصانع التحكيم في هذا الخلاف فقرر المحكم رد 0002 يورو من ثمن السيارة ومنحه بونات بنزين سنوية مجانية لمدة خمس سنوات، وبذا حسمت هذه القضية رضاء علي مستواها الفردي. الا ان الخبر لم يبق طويلا طي الكتمان وبدأ المستهلكون يتواترون امام المحاكم كل يطالب بتعويضه حيث كان هذا مقدمة ازمة بين صناعة السيارات الالمانية وجمهور المستهلكين يهدد تلك الصناعة بعواقب وخيمة. منذ ذلك اليوم ورغم ان القضية لم تحسم بعد امتنع صناع السيارات جميعا عن اثبات اية ارقام استهلاك في منشوراتهم وبادر البعض منها بالترويج لسياراته بأن الثمن يشمل كوبونات بنزين مجانية تصرف لفترات قد يصل بعضها إلي عشر سنوات. وقد نجح جهاز حماية المستهلك في المانيا لاول مرة منذ تاريخ انشاء السكك الحديدية التي يزيد عمرها عن 051 عاما في تطبيق نظام يلزم هيئة السكة الحديد الالمانية العريقة والافضل سمعة عالميا بأن ترد للراكب جزءا من ثمن التذكرة يتصاعد تدريجيا مع زيادة فترة التأخير عن الموعد المحدد للوصول بدءا من 5 دقائق تأخير إلي ان ترد قيمة التذكرة بالكامل اذا وصل التأخير إلي ساعة أو اكثر. اما اذا عاد بنا المطاف الجهاز حماية المستهلك في مصر والذي لايزال في دورته الاولي فإن استراتيجية عمله ارتكزت علي انضباط الشارع التجاري والصناعي وإدارة سياسة متوازنة تحفز الصانع والتاجر علي احترام حقوق المستهلك باعتبار ان السوق المصري هو السوق الاولي بالرعاية لانه السوق الوطني وصاحب الفضل الاول علي الصناع. حيث نجح الجهاز في إزالة اسباب الشكاوي ومعالجتها بما يعادل 30102 شكوي واردة من مختلف السلع والاجهزة من اجمالي 25922 شكوي بنسبة قدرها 08٪، وحصل علي أحكام قضائية ضد الشركات التي لم تبادر بإزالة اسباب المخالفات والتي بلغت 101 قضية، ووقع غرامة بلغ اجماليها 65.2 مليون جنيه وبلغ عدد القضايا التي احالها الجهاز إلي النيابة 031 قضية. والزم الصناع بوضع مجموعة من المستندات تسلم مع السلعة داخل تغليفها الاصلي أهمها: شهادة فحص جودة موقعة ومختومة- شهادة ضمان للسلعة لفترة لاتقل عن سنة- كتيب بعمليات التشغيل وإرشادات بشأن الاخطار الناتجة عن الاستخدام الخاطيء ومعلومات إرشادية عن تتبع الاعطال- قائمة بقطع الغيار-قائمة بالتوكيلات ومراكز الصيانة المعتمدة، كما ألزم بوضع استهلاك الطاقة الخاصة بكل سلعة لتوفير استخدام الطاقة والمياه مدخلاتها ومخرجاتها مثال ذلك غسالات الملابس وغسالات الاطباق التي توفر في استهلاك الكهرباء. كما قام الجهاز بحماية المستهلك من مراكز الصيانة الوهمية وكذا الاعلانات المضللة، واصدر ميثاق شرف لتطبيق نظام الرضاء الكامل للمستهلك. هذا بلا شك له اثره في تقريب موقع الصناعة المصرية من الصناعة العالمية كي تتعامل معها من واقع الندية والمساواة، وهو امر نستشرف معه التفاؤل في قدرة الاجهزة الرقابية وان كانت غير حكومية او شبه حكومية فان لها القدرة علي التصدي لملف شائك مثل حماية المستهلك لتحمي المستهلك البسيط امام سطوة القطاعات الاكثر غني وسلطة مثل الصانع والمستورد وتاجر الجملة لتأتي للمستهلك منهم بحقه بغض النظر عن موقعه علي خريطة الغني والجاه. وبذا فهو عود لذي بدء من مجتمع ننشده جميعا لاتضيع فيهس الحقوق ويعلو فيه الحق ولا يعلي عليه.