مع تجدد الحديث عن عدالة توزيع مياه نهر النيل علي دول الحوض فإن أول مايجب أن ننظر إليه في هذا الخصوص هو مسألة مدي قدرة كل دولةعلي توفير احتياجاتها المائية. وهي مصر والسودان وإثيوبيا وأوغندا وكينيا وتنزانيا ورواندا وبوروندي و الكونجو الديمقراطيةوخلال السنوات العشر الأخيرة أرسلت الأهرام العديد من الصحفيين والبعثات في جولات صحفية في دول حوض النيل وذلك فيما يشبه الرحلات الاستكشافية, لأنها امتدت إلي كل منابع النيل تقريبا, ومن تلك الجولات جولة عام2005 التي شارك فيها ثلاثة صحفيين: كاتب هذه السطور واحد منهم وغطت جميع دول المنبع تقريبا. ومما خلصت إليه تلك الجولة وغيرها من الجولات, نلخص الحقائق التالية حول قدرة كل بلد من بلدان النيل علي توفير المياه لسكانه, سواء من النهر أو من غيره من الأنهار علاوة علي الأمطار والمياه الجوفية. مساحة حوض النيل2.9 مليون كم2 أي10% من مساحة إفريقيا.وبذلك يعتبر أطول أنهار العالم إذ يبلغ طوله6670 كم, ذلك إذا بدأنا من منابع نهر كاجيرا. وهو يتجه نحو الشمال ويلتزم في هذا الاتجاه الشمالي للانحدار العام لسطح الأرض باستمرار واطراد لا نظير لهما في أي نهر آخر, وعلاوة علي ذلك فإن: مصبه عند دمياط الواقعة علي البحر المتوسط ومنبعه عند بحيرة فكتوريا بأوغندا يكاد يتلاقيان, وكلاهما واقع علي امتداد الآخر لا يفصلهما غير درجة طولية واحدة. وبالنسبة لكل دولة من الدول العشر المشتركة في حوض النيل, والتي تشكل معا تجمع الإندوجو فإن لمياه النهرأهميتها كالآتي: إثيوبيا تمد النيل بنحو84% من مياهه التي تصل إلي مصر. أوغندا يقع بها منبع النيل من بحيرة فيكتوريا ولها نصف بحيرتي ألبرت وإدوارد. كينيا وتنزانيا تشتركان مع أوغندا في بحيرة فيكتوريا. الكونجو الديمقراطية تشترك مع أوغندا في بحيرة البرت. رواندا وبوروندي ويجري فيهما نهر كاجيرا أهم روافد بحيرة فيكتوريا. السودان يجري في أراضيها جزء كبير من النيل بالإضافة إلي روافده. أما أكثر الدول اعتمادا علي نهر النيل فتأتي في مقدمتها مصر ثم السودان ثم أوغندا علي الترتيب أما بقية الدول فاعتمادها علي النهر محدود لأن توجهها نحو المحيط حيث تتجه كينيا وتنزانيا نحو المحيط الهندي بينما الكونجو تتجه نحو المحيط الأطلنطي. يبلغ المتوسط السنوي للأمطار علي حوض النيل نحو900 مليار م3 يمثل السريان السطحي منه137 مليار م3, بينما إيراد النيل لا يتجاوز84 مليار م3, يأتي72 مليار م3, أي87% من مياه النيل, من النيل الأزرق الذي ينبع من بحيرة تانا في إثيوبيا, بينما يأتي13% من منطقة البحيرات العظمي( الكونجوالديمقراطية ورواندا وبوروندي) أي نحو12 مليار م3 ولا يقع من أراضي كينيا شبه القاحلة داخل الحوض سوي10% فقط لكن يعيش علي مياه النيل40 في المائة من سكان كينيا. وتسقط الأمطار بمعدل مرتفع علي إثيوبيا واريتريا لكنها أمطار موسمية في العادة وتستمر أربعة أشهر من العام فقط.وتسقط الأمطار بمعدل كبير نسبيا علي بوروندي الجبلية وأوغندا وتنزانيا إلي جانب جمهورية الكونجو الديمقراطية ورواندا التي توجد بها أيضا موارد مياه وافرة وتسهم إريتريا بقدر صغير في المياه الجارية بنهر النيل, وهي الوحيدة من الدول العشر غير العضو في مبادرة حوض النيل وهي برنامج يرعاه البنك الدولي انشيء للمساعدة في إدارة مياه النيل. ويبلغ تعداد السكان بحوض النيل ما يقرب من250 مليون نسمة, وتبلغ احتياجاتهم نحو170 مليار م3, سنويا من المياه, ويمكن المزج بين مياه النهر والآبار والأمطار لتحقيق اكتفاء ذاتي من المياه دون أي مشكلات, وبرغم أن مصر هي أكبر دول حوض النيل من ناحية عدد السكان وتقع في المصب فإنها أكثر تلك الدول اعتمادا علي مياه النيل, لأن مياه الأمطار بها شبه معدومة, والمياه الجوفية غير متجددة, ولايوجد بها أنهار أخري ومن هنا فإن مياه النيل تمثل نحو97% من موارد مصر المائية, وتبلغ حصة مصر55.5 مليار م3, وعدد سكانها80 مليون نسمة, طبقا لتقديرات2008 م, والأرض المزروعة6.3 مليون فدان, وهذا القدر من المياه لا يكفي لاحتياجات السكان مما يضطر المصريين لإعادة استخدام المياه لمرة ثانية, ولكي تحافظ مصر علي نصيب الفرد من المياه فإنها ستكون في حاجة إلي نحو77 مليار م3, بعجز22 مليار م3 أما السودان فتختلف التقديرات بشأن المساحة المزروعة والتي تقدر بالهكتار, والهكتار بدوره يعادل10 أفدنة, إذ تتراوح بين1.1 و1.3 مليون هكتار, في حين تتراوح تقديرات المياه المستخدمة لما يكفي بين12 و17 مليون هكتار. وتدعو الخطة الوطنية السودانية إلي استصلاح ما يقرب من2.4 مليون هكتار جديدة من الأرض الزراعية, وهي تتطلب15 مليار م3 إضافية من المياه. ولكن وسط وجنوب السودان لا يحتاج كثيرا إلي المياه من نهر النيل; فمعدل مياه الأمطار يصل إلي1500 ملم علي الأغلب في العام, علما بأن السودان يستغل فقط13.5 مليار م3, من حصته في مياه النيل البالغة18.5 مليار م3 أي أن لديه فائضا يصل إلي5 مليارات متر مكعب, علاوة علي الكميات الهائلة من مياه الأمطار التي تضيع سنويا في الجنوب. وحتي في حالة إنفصال جنوب السودان فإن الوضع الناجم عن ظهور دولةجديدة قد لايؤثر علي حصص الدول الأخري في حوض النيل لأن الجنوب لا يحتاج لمياه, بل يعاني منها بسبب انهمار الأمطار طوال أشهر الصيف وضياعها بلا فائدة. ومناخ جميع هذه الأقطار رطب ومعتدل, حيث يبلغ معدل هطول الأمطار1000-1500 ملم/السنة, ما عدا الجزء الشمالي من السودان ومصر فهو قاري, ولا تتعدي نسبة هطول الأمطار فيهما20 ملم/السنة. ويشغل حوض النيل في بعض الدول, كجمهورية الكونجو الديمقراطية,0.7%, وبوروندي0.4% أي ما يساوي نصف مساحتها الإجمالية, ورواندا0.7% أي ما يساوي75% من مساحتها الإجمالية, وتنزانيا2.7%, وكينيا1.5%, وأوغندا7.4%, وإثيوبيا11.7%, وإريتريا0.8%, والسودان63.6%, ومصر10%. وبالنسبة لإثيوبيا فإنها توصف بأنها نافورة إفريقيا, حيث ينبع من مرتفعاتها أحد عشر نهرا تتدفق عبر حدودها إلي الصومال والسودان, وتصب هذه الأنهار100 مليار م3, من الماء إلي جيران إثيوبيا والنيل الأزرق أكثر هذه الأنهار. وتتميز أنهار إثيوبيا التي تجري صوب الغرب بانحدارها الشاهق; فالنيل الأزرق ينحدر1786 مترا عن مجراه الذي يبلغ900 كم. وهذا الانحدار الشاهق لتلك الأنهار يجعل من إثيوبيا بلدا ضعيفا جغرافيا في التحكم في جريان النهر, وبالتالي يجعل من مسألة إقامة سدود لاحتجاز كميات كبيرة من المياه أو تغيير مسارها أمرا بالغ الصعوبة, وإذا حدث ذلك فإن تكاليفه ستكون خرافية وتجعل جدواه الاقتصادية معدومة.