ماذا حدث في الحركة الشيوعية المصرية, وكيف تراجع دورها إلي حد أنها صارت مهددة بأن تتلاشي, وكيف نفسر مأزقها علي أسس موضوعية؟ ما زال هذا السؤال المركب. وسيظل لزمن يصعب التكهن بمداه, مطروحا للبحث والتأمل والنقاش, باعتباره جزءا من مسألة أعم وأشمل تتعلق بأحوال التيارات السياسية والفكرية التي عرفتها مصر, كما غيرها, في العصر الحديث. هذا مايطرحه هذا الكتاب' مأزق الحركة الشيوعية المصرية.. التاريخ والمستقبل الجذور التاريخية.. والخيارات المستقبلية' من تاليف طلعت رميح و تقديم: د. وحيد عبد المجيد.. والكتاب يؤكد منذ البداية ان الحركة الشيوعية ليست وحدها هي المأزومة, ولا هي وحيدة في مأزقها. فمثلها, بدرجة أو بأخري, باقي اليسار. ولا يختلف كثيرا حال الحركات والتيارات الليبرالية والقومية العربية, علي الأقل من حيث الجوهر.. فقوة هذه الحركات, ليست منها وإنما من أولئك الذين جففوا منابع السياسة والفكر السياسي في المجتمع فحدث فراغ ملأه الدين( أو بالأحري استغلال الدين). كما انتشر في هذا الفراغ الخطاب الذي يسمي دينيا بصوره المتنوعة وفتاويه التي تملأ الآفاق. يعود مؤلف الكتاب منذ البداية إلي الأصول والجذور, ليقدم رؤيته لظاهرة الحركة الشيوعية العربية عموما والمصرية خصوصا. لقد مرت تجربة تلك الحركة, علي ما يري الكاتب, برحلة طويلة في حياة النخب المصرية والعربية, رحلة مليئة بالمشكلات والاضطرابات, بدأت منذ مطلع القرن التاسع عشر, و تبلور عنها في مطلع القرن العشرين انقسام يراه الأهم والأبرز بين تيارين أساسيين في المجتمع المصري والعربي- هما التيار الإسلامي وتيار الحركة الشيوعية_ وهو انقسام تواصل عبر منحنيات ومنعطفات, بعضها حاد وقاس وبعضها اختفي تحت سطح الأحداث, لكنه ما يزال متواصلا حتي الآن, والاحتمال الأبرز- في رأيه- أنه سيذهب بالطرفين إلي مجابهة في المستقبل لن تكون الأولي من نوعها, رغم ما يبدو ظاهريا من ذبول الحركة الشيوعية وتراجع تأثيرها. حيث يعتقد الكاتب أن ثمة قوي خارجية وداخلية تري أن مصلحتها تتحقق في مصر وكثير من الدول العربية, بتعميق هذا الانقسام وتوسيع فجوته وتحويله إلي صراع دام ومستديم. وذلك لا يعني بالطبع إنكار الدور المهم الذي لعبته الحركة الليبرالية في مجتمعنا, والذي يمكن أن تلعبه كحل وسط تاريخي, إذا قدر لها إدراك وضعيتها ودورها الحضاري.. لا السياسي فقط من وجهة نظره. يقع الكتاب في أربعة أقسام. القسم الأول منه تحت عنوان, المظاهر العامة للمأزق التاريخي للحركة الشيوعية المصرية. أما القسم الثاني من الكتاب فيحمل عنوان فشل الحركة الشيوعية في دراسة مأزقها. ينتقل طلعت رميح بعد ذلك في القسم الثالث من الكتاب وهو بعنوان الأسباب الحقيقية لمأزق الحركة الشيوعية لبحث الأسباب الحقيقية في رأيه لمأزق الحركة. ويطرح الكاتب عقب ذلك بعض الأسئلة الأخري التي يحاول الإجابة عنها, والتي يري أنها بالغة الأهمية في ضوء تجربة الحركة الشيوعية, منها, ما هي نظرية الحركة الشيوعية المصرية لتحقيق رؤيتها وأهدافها؟ وهل نجحت الحركة عبر تاريخها في التوصل إلي نظرية مقاومة أو نظرية للثورة التي حلمت بها أم أنها لم تقدم سوي رؤية لحركة احتجاجية جماهيرية مدنية ذات برامج مطلبية؟ وأيا يكون الأمر, فهذا كتاب للمستقبل وليس عن الماضي. وهو كتاب نرجو أن يكون فاتحة أعمال تسعي إلي تحليل وتفسير مأزق حركاتنا وتياراتنا السياسية والفكرية كلها ما ظهر منها وما بطن. الكتاب صدر عن مركز الأهرام للنشر والترجمة والتوزيع.