سها حشمت : جمهورية كوبا تلك الجزيرة الصغيرة القابعة وسط الكاريبي, والتي فرض عليها الاستعمار وما تلاه من عقود من نظام يتسم بالديمقراطية المزيفة نوع من العزلة تعايشت معه وعاش فيها حتي أصبح معلم من معالمها المميزة. ولذلك تحاول كوبا, الجزيرة الشيوعية الوحيدة في العالم, الخروج من عزلتها المفروضة عليها منذ أكثر من خمسة عقود, في محاولة لفتح ثغرة في الجدار السميك الذي يحول بينها وبين العالم الخارجي. وعلي الرغم من أن الانتخابات البرلمانية التي شهدتها البلاد مطلع فبراير الجاري والتي وصلت نسبة اقبال واسعة تجاوزت حد ال90% إلا أنها اتسمت بالاحادية الحزبية, نظرا لاقصاء قوي المعارضة ومنعها من خوض السباق الانتخابي, ليحصد بذلك حزب أل كاسترو كل مقاعد الجمعية الوطنية ال.612 والأرجح أن محاولات الانفراد بالبرلمان هذه المرة يعود بالأساس إلي أهمية الدورة التشريعية المنوط بها انتخاب مجلس الدولة والمكون من31 عضوا وهذا المجلس سيكون رئيسه هو رئيس الدولة والحكومة معا وفي هذا الوقت سيحدد ما إذا كان سيستمر كاسترو في زعامته لكوبا أم سيتم انتخاب شقيقه الأصغر راؤول كاسترو بدلا منه, والذي نقلت إليه السلطة من شقيقه في يوليو2006 بسبب تدهور في حالته الصحية ولم تعد إليه إلي هذا الحين فضلا عن عزوفه عن الحضور في أي مناسبات عامة إلي أن ظهر فجأة في لجنة انتخابية يدلي بصوته, ليطوي بذلك صفحات مليئة بالاشاعات عن وفاته. ومن المفترض أن تكون تلك الولاية, في حالة اختيار كاسترو(81 عاما), هي الولاية الأخيرة له بعد قيامه بتعديل دستوري نص فيه علي تحديد فترة بقاء كبار قادة البلاد في سدة الحكم بولايتين مدة كل منها5 سنوات, وهذا بدوره سيخلي الساحة أمام جيل جديد. والأرجح أن ثمة خصوصيات تميزت بها العملية الانتخابية في كوبا ومنها تحديد سن الاقتراع ب16 عاما ومراكز التصويت التي يتولي حراستها الاطفال مرتدين زيهم المدرسي التقليدي وربطة عنقهم الحمراء إضافة إلي عدم وجود حملات انتخابية, مكتفين بوضع صورة المرشح ومعلومات عنه في لوحة عامة معتمدين علي نظامهم الخاص في الانتخابات والذي يتم علي عدة مراحل اولها تسمية المرشحين من قبل الناخبين مباشرة في جمعيات عمومية لكل حي في كل منطقة. وتري الحكومة الكوبية ان هذا النظام هو الانسب والاكثر تطبيقا للديمقراطية من وجهة نظرهم لانه يؤمن الصلة المباشرة بين النائب وقاعدته. ليست معضلة الديمقراطية وحدها التي تواجه كوبا, فثمة توتر لا تخطئه عين منذ عقود عدة زاد من احتقان العلاقة بين الهافانا وبين كل من أمريكا وأوروبا خاصة بعد إصدار الادارة الامريكية لقانون' هيلموس بورتون' والذي فرض عقوبات علي الشركات التي تتعامل مع كوبا, وتوتر الوضع أكثر بعد دعم هافانا حق ايران في امتلاك الطاقة النووية مما تسبب في استياء اوباما وادارته. ولم تكن تلك المرة الأولي التي تتوتر فيها العلاقات بين كوبا وأمريكا ففي أكتوبر1960 فرضت الولاياتالمتحدة حظرا تجاريا واقتصاديا وماليا علي كوبا بعدما اممت حكومة كاسترو الثورية ممتلكات الافراد والشركات الامريكية. وزاد الحظر ليصبح حصارا شبه كامل في العام1962 بعدما تكشفت ملامح تحالف بين كوبا والاتحاد السوفييتي. أما الحال مع أوروبا فكان أفضل نسبيا, وإن لم يصل إلي مستواه المأمول, خاصة بعد أن بدأت هافانا في احتواء الموقف وهدأت الأمور نسبيا, بعد استجابتها لبعض المطالب بتنفيذ بعض مواد حقوق الانسان والتي اهملتها هافانا لاكثر من نصف قرن ومنذ حكمها من قبل نظام الجمهورية المزيفة(19851902) والتي لم تنبت سوي الفساد والامية والفقر. صحيح ان كوبا بدأت أولي خطواتها صوب الانفتاح علي العالم علي يد راؤول كاسترو بعد توليه الحكم والذي تبني سياسة الانفتاح, حتي ولو بشكل نسبي, والذي تبني فكرة الدمج بين الحزب الواحد والاقتصاد الحر مما عمل علي زيادة معدل النمو بنسبة وصلت إلي3.1% بنهاية2012 وجاء التطور الأبرز مع إقرار قانون يتيح للمواطنين الكوبيين الحق في مغادرة البلاد, بعد أن حرم عليهم هذا لعقود كثيرة, وبهذا يحق لأي كوبي تجاوز ال18 عاما السفر للخارج بشرط حصوله علي أذن موثق من ولي أمره. القصد إن دور راؤول كاسترو في وضع دعائم إصلاحية لهافانا جديدة ومحاولة التواصل مع الخارج وتخفيف وطأة الداخل, إلا أنه ما زال هناك الكثير, وفي انتظار كاسترو جديد ليكمل مشوار الخروج من العزلة!