إذا شئت أن تقول أو تصف ما يحدث الآن للسياحة المصرية بأنه مأساة أو كارثة أو مصيبة.. فسأقول لك.. قل ما شئت.. فكل هذه الأوصاف جائزة أو معبرة عما نحن فيه بالفعل. لكني سأكون أكثر منك رفقا بالسياحة, وأصف ما نحن فيه بأنه أزمة كبري أو علي وجه الدقة أزمة أكبر من كل الأزمات التي شهدتها السياحة المصرية في تاريخها. فهذه الأزمة أكبر من الأزمات التي واجهتها السياحة بدءا من حوادث الإرهاب في التسعينيات, وحتي مذبحة الأقصر الشهيرة عام7991 أو كل الحوادث التالية. وأقول إن هذه الأزمة أكبر لأنه في كل الأزمات السابقة كانت هناك بدائل لمواجهة الأزمة, وهناك أفكار, وطرق للتسويق والترويج قادرة علي مواجهة الموقف, فبعد حادثة الاقصر مثلا كان الأتجاه ترويجيا إلي الغردقة وشرم الشيخ. وكانت الأزمات أو كل أزمة في النهاية هي حادث وينتهي بمرور الأيام.. أما الآن, فالأزمة مستمرة بمعني أننا في أزمة لا تنتهي, ولا تترك لك الأحداث أو العنف فرصة لالتقاط الانفاس للتفكير في طرق لمواجهة الموقف ترويجيا أو تسويقيا علي مستوي العالم. فنحن الآن ومنذ ثورة52 يناير في أزمة مستمرة, فبرغم حالة التعاطف الإيجابي التي أنفعل بها العالم فرحا بالثورة السلمية في مصر.. ورغم تراجع الأعداد من السياحة الوافدة عقب الثورة مباشرة فإنه كان هناك استعداد لعودة السياحة إلي مصر. لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن... فقد بدأت الاحتجاجات والمظاهرات وأحداث العنف وقطع الطرق والفوضي وخطف السائحين في سيناء تطفو علي السطح, وبلغت الأزمة ذروتها في الأشهر الأخيرة عقب الإعلان الدستوري, وما صاحبه من عنف في الشارع المصري قضي علي البقية الباقية من السياح الراغبين في زيارة مصر. ثم كانت المصيبة الكبري في الاعتداء علي فندق سميراميس انتركونتيننتال المطل علي ميدان التحرير, واقتحامه, وإخلائه من السائحين في تهديد مباشر ومرعب لحركة السياحة الوافدة.. وتزامن ذلك مع فيديو المواطن المسحول أمام الاتحادية, والتي نقلتها كل فضائيات العالم في مشهد كفيل بمفرده للقضاء علي السياحة والحجوزات. وهكذا شهور متواصلة من الاعتداء المتواصل علي السياحة لا تعطي فرصة للقطاع السياحي أو حتي لوزارة السياحة من توحيد صفوفهم, وترتيب افكارهم للتسويق للسياحة أو دعوة السائحين في وقت يزداد فيه العنف في الشارع. فقلي بالله عليك كيف يفكر سائح في أن يأتي إلي مصر في ظل هذه الأجواء, وهو لا يضمن العودة إلي بلده مما يراه علي الشاشات التليفزيونية خاصة بعد أن غطت المظاهرات والعنف كل مدن مصر؟. إن الفنادق التي أغلقت أبوابها بعد أن تدنت نسب الاشغال فيها لدرجة لا تستطيع معها أن تدفع رواتب الموظفين أو تكلفة التشغيل هو شيء محزن!!. وأن الفنادق العائمة التي تصطف علي شواطئ الاقصر وأسوان بعد أن توقفت لعدم وجود سياح شيء أكثر حزنا..!. وإن من يستمع إلي قصص العاملين والمرشدين الذين تم الاستغناء عنهم, والتي تأتيني يوميا عبر التليفون... تجعلك في حالة شديدة من الحزن!!. وغير ذلك الكثير مما يصيبك بالحزن.. لكن الأخطر هو أن قطاع السياحة لا يستطيع أن يلتقط أنفاسه... ففي كل يوم مصيبة!! إن من يقرأ نصائح وتحذيرات السفر التي تصدرها دول كبري إلي مواطنيها بشأن مصر سنجدها تحذرهم من السفر إلي مصر أو حتي أماكن, ومدن محددة.. فمثلا: أمريكا حذرت وزارة الخارجية الأمريكية رعاياها من أعمال العنف والشغب بسبب إحياء ذكري ثورة52 يناير, كما نصحتهم بعدم التواجد في منطقة وسط القاهرة ومحيط قصر الرئاسة ومدينة الإسكندرية, وبعض المدن الأخري بسبب عدم استقرار الوضع الأمني في البلاد, كما نوهت عن قطع طرق السكك الحديدية والمترو وتعطيل المرور والصراع الدائم بين المتظاهرين والشرطة. وبريطانيا حذرت وزارة الخارجية البريطانية ودول الكومنولث من السفر إلي منطقة شمال سيناء, ويرجع ذلك من تعاظم خطر حدوث هجمات إجرامية, كما حذرت رعاياها من عدم الذهاب إلي منطقة جنوبسيناء ماعدا بعض مناطق البحر الأحمر مثل شرم الشيخ ونويبع ودهب وطابا,. وإيطاليا حذرت وزارة الخارجية الإيطالية رعاياها في ارشادات السفر الخاصة بها من الاحداث الجارية في القاهرة والإسماعيلية وبورسعيد والسويس, لذا تنصح رعاياها بضرورة توخي الحذر الشديد وتجنب التواجد في أماكن التظاهرات والتجمعات. وألمانيا نصحت وزارة الخارجية الألمانية رعاياها في مصر بتجنب كل التجمعات والمظاهرات التي تنتشر في وسط القاهرةوالإسكندرية والسويس وبورسعيد والإسماعيلية, وضرورة متابعة وسائل الإعلام المحلية. وهكذا تؤكد الأحداث أن أزمة مصر الآن في قطاع السياحة أكبر من كل الأزمات السابقة.. والدليل هو انهيار الحجوزات الحالية والمستقبلية أي أن الموقف ليس سيئا في الشتاء الحالي فقط, بل وفي الربيع والصيف المقبلين لأن الشارع المصري لم يهدأ, وبالتالي الحجوزات والطائرات لن تعود إلي مصر إلا بعد الاستقرار, وهكذا نحن في أزمة مستمرة إلي أن يقضي الله أمرا. لقد كنا نأمل أن تعود أرقام السياحة المصرية إلي أرقام عام الذورة0102 وهو7.41 مليون سائح.. لكن للاسف1102 كان الرقم8.9 مليون وفي2102 وصلنا إلي نحو5.11 مليون أي ينقصنا أكثر من3 ملايين سائح عن عام الذروة, فما بالنا ودول أخري بالمنطقة وصلت إلي أكثر من03 مليون سائح, ونتطلع إلي الاقتراب منها.. لكن هيهات!!. علي العموم... ليست هذه النظرة المتشائمة دعوة لليأس.. أنا فقط أضع توصيفا لما نحن فيه الآن مؤكدا صعوبته الشديدة... وصعوبة التعامل مع الاسواق الدولية في هذه اللحظة... إن هذه أصعب لحظة تمر بها السياحة المصرية في تاريخها.. وهذا هو حظ هشام زعزوع وزير السياحة... فرغم كفاءته وخبرته في التسويق والترويج, إلا أن الاحداث المتلاحقة يوميا تهدم كل جهوده, وعدم استقرار مصر لا يخدمه... ومع هذا فهو يتمسك بالأمل والحماس والعمل... وليس أمامه- من وجهة نظرنا- سوي حملات العلاقات العامة, والاتصال بالصحفيين في العالم, وتشجيع الطيران إلي مقاصد جديدة داخل مصر بعيدة عن النقاط الساخنة مع الاستمرار في البحث عن كوادر وكفاءات تساعده في العمل.. وعدم نسيان تنفيذ خطته لإعادة ترتيب البيت من الداخل.. انتظارا لفرج الله!. المزيد من مقالات مصطفى النجار