لم يكد الاقتصاد القومي ينته من أزمة التعثر التي تعرض لها في بداية الألفية الحالية من موجة التعثر التي تعرضت لها أعداد كبيرة من عملاء البنوك بسبب تعويم سعر الدولار. إبان حكومة الدكتور عاطف عبيد عام2003إلا وتلتها موجة جديدة أخري بسبب الأزمة المالية العالمية نهاية الحقبة الأولي من هذه الألفية. لكن رغم ذلك لم تمثل هذه الأزمات خطورة شديدة علي الاقتصاد الوطني مثلما يمر بالظروف الحالية بسبب ثورات الربيع العربي, وتراجع قيمة الجنيه أمام العملات الأجنبية, وأحداث العنف واضطراب المشهد السياسي, وكان من أبرز نتائج هذه الأعاصير الاقتصادية والسياسية ظهور موجة كبيرة من التعثر بين عملاء البنوك, حيث عجز هؤلاء عن سداد مستحقات البنوك في مواعيدها المقررة, وتصاعدت علي أثرها حدة النزاعات القضائية بين الجانبين, وامتلأت وسائل الإعلام المختلفة ضجيجا واتهامات متبادلة, لكن المشكلة لاتزال قائمة بحدة. بداية يقول المستشار إبراهيم الميهي الرئيس بمحكمة استئناف القاهرة: إن مساندة البنك للعميل المتعثر من الأصول المهنية الاقتصادية التي تقتضي علي كل بنك أن يعوم كل مستثمر عجز عن سداد ما عليه من أقساط في المواعيد المقررة لأسباب لا دخل له فيها, حيث يقوم البنك بإعادة دراسة الجدوي الاقتصادية التي تقدم بها المتعثر للحصول علي القرض, مؤكدا أنه لا يوجد نص قانوني يفرض علي البنوك أن تقوم بعملية الجدولة أو التسوية أو تعويم المتعثر, وأن هذه العقود التي تبرم بين الطرفين تكون رضائية ويوقع عليها كل منهما, ويجب ألا يشوبها التعسف, وأن تكون وفقا لظروف كل متعثر وحجم التدفقات النقدية التي يدرها المشروع بعد إقالة العميل من تعثره وإعطاء مهلة للسداد بل ومنحه فترة سماح. يؤكد أن الجهاز المصرفي سيكون علي مستوي المسئولية في عهد المحافظ الجديد هشام رامز الذي يحرص دائما علي تطويره وحل مشكلاته التي تظهر بين الحين والآخر منذ أن كان نائبا للبنك المركزي المصري. يطالب كل عميل متعثر بأن يصطحب معه مستشاره القانوني والمحاسب عند إجراء مفاوضات حول التعثر وجدولة المديونية, بحيث تكون كل خطواته ومفاوضاته مع البنك مكتوبة ومدروسة بعناية ودقة, وألا يوقع علي شيكات أو أوراق تجارية علي بياض حتي لا يتعرض للازدواجية في سداد حجم الدين المستحق عليه, لأن البنوك عندما تقرر اختيار طريق التقاضي لتحصيل مستحقاتها تستغل كل ما تحت يدها من مستندات لمقاضاة العميل المتعثر. يطالب بتدخل تشريعي يلغي استخدام الشيكات وايصالات الأمانة في التعاملات التجارية, لأنها تغلق بالصيغة الجنائية التي تلزم البنوك بحبس عملائها الذين حرروا لها شيكات بلا رصيد أو ايصالات أمانة. قيود علي قرض الائتمان أما رجال الأعمال فقد أشهروا الانتقادات والادعاءات في وجه المصرفيين ووصفوا تصريحاتهم عن مساندة المتعثرين بأنها تملأ وسائل الإعلام ضجيجا بلا طحين ولا تنفذ كما يقول علي حمزة رئيس لجنة تنمية الاستثمار بمحافظات الصعيد. يضيف, أن القضية لم تقف عند حد عدم مساندة المتعثرين, بل امتدت إلي وضع قيود كبيرة علي منح الائتمان لأصحاب المشروعات, حيث تطالب إدارات الائتمان بضمانات مفرطة علي رأسها تقديم ودائع نقدية وتجميدها لمصلحة البنك المقرض, إضافة إلي الزام المستثمر تحويل الرواتب الشهرية لكبار العاملين في الدولة بجانب الأصول العينية والأوراق المالية, مما ينتهي المطاف إلي صفر بعد جولة طويلة من الإجراءات يخوضها المستثمر, مؤكدا أن حجم المشروعات والمصانع المتعثرة في محافظات الصعيد وصل إلي02% من إجمالي هذه المشروعات. يؤكد نعيم ناشد معوض عضو شعبة الغلال بغرفة تجارة القاهرة وصاحب شركة للاستيراد والتصدير أن الخلافات الشخصية بين موظف البنك والعميل قد تطفو علي النزاعات بينهما, مما يجعل الموظف يلجأ إلي إجراءات تعسفية نكاية في العميل, ويتعمد تحويل ملفه إلي الشئون القانونية لمقاضاته, وتكون النتيجة المزيد من التعثر للعميل,.. مشيرا إلي أن البنوك العامة لا تهتم بتعويم العميل من عدمه, لأن موظفيها يحرصون علي تطبيق اللوائح والقوانين بحذافيرها خشية المسائلة القانونية. يقول: إن البنوك اتجهت إلي تكثيف نشاطها في مجال التجزئة المصرفية, لأنها تحصل علي ضمانات إضافية وجيدة من العملاء, لذا فهي تفضل هذا النشاط بجانب مشاركتها في عمليات تمويل عجز الموازنة من خلال طرح أذون الخزانة ومستندات التنمية أفضل من عمليات اقراض المشروعات في المجالات المختلفة التي تتصاعد فيها معدلات المخاطر, لذا فإن البنوك غير مهيأة نفسيا ومهنيا للقيام بدور تعويم المتعثرين, وأنها تختصر الطريق والإجراءات فتلجأ إلي التقاضي وجرجرة العملاء إلي المحاكم للتخلص منهم, وهذا يفسر أن أعداد المتعثرين تتزايد, ويصاحب ذلك إغلاق المصانع والمنشآت وتزايد معدلات البطالة. أما محمد المرشدي رئيس غرفة الصناعات النسيجية فيري أن إجراءات البنوك لمواجهة مشكلة التعثر يغلب عليها طابع الإلزام والتعسف لهؤلاء المتعثرين الذين يكونون بحاجة ماسة إلي ضخ سيولة جديدة في شرايين الإنتاج لسداد ما عليهم من أقساط, لأن80% من المتعثرين في هذا القطاع قد تعثروا بسبب القرارات والمعالجات الحكومية الخاطئة التي أدت إلي عجز المصانع عن تصريف منتجاتها في الأسواق المحلية بسبب ظاهرة تهريب هذه المنسوجات والملابس الجاهزة من المنافذ الجمركية, فأدي ذلك إلي ضعف القدرة التنافسية لها. يقول: إن تعداد المصانع التي تعثرت في هذا القطاع وصل إلي2200 مصنع, تم مساعدة400 مصنع فقط من إجمالي هذا العدد بجدولة المديونيات المستحقة عليهم. يقول الدكتور محمد حلمي رئيس مجلس أمناء مستثمري العاشر من رمضان: إنه تم تنظيم لقاءات دورية بين المستثمرين ورئيس اتحاد البنوك طارق عامر لاتخاذ إجراءات أكثر إيجابية نحو تعويم المتعثرين وجدولة المديونيات المستحقة عليهم, وسمع المستثمرون تصريحات ووعودا من كبار المسئولين المصرفيين بإنفراجة وإجراءات أكثر مرونة لحل مشكلات التعثر لكن أيا من هذه الوعود والقرارات لم تنفذ, وظل الحال علي ما هو عليه لأكثر من عام كامل, وتفاقمت أزمة المتعثرين, بل وتم تحويل ملفاتهم إلي الشئون القانونية لاتخاذ الإجراءات نحوهم, كل هذا يؤكد استمرار الأوضاع القديمة كما هي بلا تغيير. بعد هذه الجولة كان لابد من التعرف علي ردود المصرفيين علي هذه الإدعاءات فقالوا: يري بهاء والي رئيس قطاع المخاطر بأحد البنوك الاستثمارية إن هناك عملية تأجيل سداد الأقساط للعميل الذي تعرض لمتاعب أجبرته علي عدم سداد الأقساط في مواعيدها المقررة, وفي هذه الحالة تستمر عملية فرض الفوائد, أما العميل الذي يشكو من عدم قدرته علي سداد المديونية برمتها بسبب العواصف والأعاصير الاقتصادية الطارئة, فإن البنك يجري له عملية جدولة لهذه المديونية, حيث يقوم بالتنازل عن جزء من هذه الفوائد وغرامات التأخير والعمولات, ويمنح فترة سماح قد تصل إلي عامين, ثم يقسط المديونية علي عدة أقساط سواء شهرية أو ربع أو نصف سنوية أو لمدة عام كامل, وفي كل الأحوال لابد أن تتوافر النوايا الحسنة لدي العميل المتعثر في السداد والظروف الصعبة الخارجة عن إرادته, مشيرا إلي أن البنك يلجأ إلي ذلك تعويضا عن اتخاذ الإجراءات القانونية التي تؤخر حصوله علي مستحقاته من خلال إجراءات التقاضي المطولة. يؤكد أن البنوك تقوم بإرسال خبراء متخصصين في المحاسبة ودراسات الجدوي والخبرة الفنية إلي العملاء المتعثرين لدراسة أوضاعهم والمعوقات التي يواجهونها في محاولة لحل هذه المشكلات بل متابعتهم خلال فترة التعويم. يضيف: في حالات تعويم العملاء يقتضي عليهم أن يقدموا ضمانات إضافية جيدة, ويتطلب ذلك إجراء دراسة ائتمانية جديدة عن حجم التدفقات النقدية التي يدرها المشروع بعد التعويم لبيان قدرته علي سداد الأقساط. يضيف مصطفي تامر رئيس القطاع القانوني بالبنك الأهلي المتحد أن العملاء المتلاعبين الذين يتم استنفاد كل الإجراءات نحو إقناعهم بالسداد, يتم تحويل ملفاتهم إلي الشئون القانونية لمقاضاتهم, خاصة إذا تأكد لدي الشئون القانونية أن مثل هؤلاء العملاء لديهم سيولة نقدية ونشاط تجاري أو صناعي مكثف ومستمر في السوق, مشيرا إلي أن الملاحقة القضائية لمثل هؤلاء العملاء يعني أنهم دخلوا النفق المظلم, وهي المرحلة الأخيرة بعد التسويات والجدولة للمديونية, وهي الحالة التي تثبت أن العميل اصطنع التعثر ويرفض الدفع. يقول: هناك مرحلة أخري من الجدولة للمديونية حتي بعد صدور حكم قضائي نهائي بمستحقات البنك لدي عميله المتعثر, حيث يلجأ البنك إلي إجراء جدولة للمديونية حتي بعد صدور حكم نهائي لمصلحة البنك, طالما أن الضمانات المقدمة من هذا العميل هشة.